يواجه الناخبون فى عموم مصر اختبارًا صعبًا فى ترشيحات البرلمان القادم، مصر التى حكمها العصبيات القبلية وجماعات المصالح سنوات طوالًا صارت فى مفترق طرق، ما بين الالتزام بالمقررات القديمة فى التصويت، وما بين استكمال ثورتها فى الإطار الانتخابى الذى يمهد لإطار الثورة التشريعى، هو برلمان خطير سوف يتشكل من خلاله صورة انحيازات الدولة سواء على مستوى الخدمات للمواطن البسيط، أو على مستوى خريطة التحالفات الدولية.
وقد شهدت قوائم المرشحين فى عموم بر مصر، كل ألوان الطيف السياسى، وصار الناخب فى مأزق حقيقى، ما بين خوفه من التجريب واختيار نواب جدد يعبرون عن طبيعة المرحلة، وما بين العودة لما قبل يناير بذات الوجوه والممارسات، ويخطئ من يظن أن ممثلى ما قبل يناير قد غابوا عن كتلهم التصويتية، أو عن أحلامهم لعودة مجدهم الذى ضربته الجماهير فى ثورتين، وعلى ذلك قد نرى توليفة جديدة فى البرلمان الجديد يقودها صوت ٣٠ يونيو الأوضح، ويساندها نواب قدامى لهم خبرات فى الحشد وتوجيه التصويت.
وبصراحة شديدة يمكن القول إن المخاوف المطروحة طوال الوقت حول تسلل عناصر تيار الإسلام السياسى المتحالف مع عناصر ركعت لشروط أجندة التغيير الغربى، الذى يرى أن الإرهابيين فصيل وطنى، وتعاملت تلك العناصر الراكعة مع ذلك كأمر واقع، هى مخاوف مشروعة، فالأمس ليس ببعيد عن متاجرة تلك العناصر بمستقبل وطن كبير اسمه مصر وارتهنته لدى سيدها القابع فى واشنطن، وتماهت معه حتى أنها كانت على استعداد للتضحية بأوطان مجاورة ـ سوريا مثلًا ـ تحت وهم الربيع المزعوم لتمتلئ الأرض بالدواعش والتكفيريين.
الوضع الانتخابى فى مصر بقدر تعقيده، إلا أنه واضح لمن آمن بالنزول الكبير فى ٣٠ يونيو، بناء مصر الجديدة يحتاج إلي نواب فى البرلمان يضعون المصلحة الوطنية العامة على رأس أولوياتهم، مبتعدين عن المراهقة والقفز فى الفراغ، يحتاج إلي نواب قادرين على المواجهة وصيانة مؤسسات الدولة، مشروطة بأن تكون إبرة البوصلة متجهة دائمًا نحو المواطن البسيط وتمكينه من فرصة عمل وسرير للعلاج ومقعد فى المواصلات العامة وأربعة جدران وسقف، تلك الأولوية هى العاصم من التطرف ومن الجريمة ومن التدنى. برلمان ٣٠ يونيو الذى يعقد أول اجتماعاته بعد بضعة أسابيع، سوف يحدد صورة مصر لسنوات طوال قادمة، كما أنه سوف يرسل رسالة واضحة للعالم مفادها التفاف الشعب حول ثورته التى أطاحت بحكم الفاشية الدينية، ولذلك يبقى تفسيرى لوضوح الاختيار قائمًا على المقارنة بين مرحلتين، مرحلة الأهل والعشيرة التى أغلقت الأبواب أمام المصريين جميعًا ومرحلة العزة والبناء والتنمية التى نسعى إليها بعد ضرب مخططات الهزيمة التى حيكت لنا بأيادٍ داخلية وخارجية.
أما مسألة البرلمان المتصادم مع مؤسسة الرئاسة، فهى فخ المشتاقين للفوضى، لا أعتقد أن القوى الصاعدة انتخابيًا سوف تسمح به حتى لو منحها الدستور حق ذلك التصادم، ويبقى الشعب هو صمام الأمان الحقيقى للعبور نحو عتبة المستقبل المنشود، فلا يمكن لعاقل شاهد بعينيه خيام اللاجئين من الدول المجاورة، وقد انتشرت فى مختلف أرجاء المعمورة ويرتضى لنفسه وضع العصا فى العجلة التى دارت، ولا يمكن لعاقل شاهد بعينيه خطوات جادة فى مواجهة الإرهاب، وشاهد شهداءنا الأبطال وهم يفتدون حياتنا بحياتهم، ويرتضى لنفسه بأن يكون خنجرًا مسمومًا فى ظهر الشهيد.
الحكاية بدون انفعال أو توتر أو مزايدة، هى أن ثورة بيضاء سوف تتم فى تلك الانتخابات يقود تلك الثورة الناخب المصرى بوعيه الفطرى، وستضع تلك الثورة نقطة الختام للسجالات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع، كما ستؤكد قدرتها على بناء مدماك جديد نحو المستقبل المنشود.