تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تعرفت على الأستاذ «عبد الرحيم على» الإعلامى المعروف منذ سنوات بعيدة.. كان قد أصدر كتابا بالغ الأهمية يدور حول النقد العلمى لأطروحات وممارسات الجماعات الإسلامية المتطرفة وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، ولفت نظرى بشدة منهجه النقدى واعتماده الأساسى على تحليل الوثائق الخاصة بهذه الجماعات، واهتمامه المبكر بأهمية إعداد قاعدة بيانات متكاملة عن الجماعات الجهادية التكفيرية على مستوى العالم.
حين طالعت الكتاب لم أكن أعرف الأستاذ «عبدالرحيم على»، ولكننى تعودت على أن أحتفى فى مقالاتى بالمبدعين من الكتاب من مختلف الأجيال، حتى لو لم أكن أعرفهم معرفة شخصية، وهكذا كتبت مقالة عن الكتاب الذى أصدره الأستاذ «عبدالرحيم على» وتعرفت عليه بعد ذلك.
وسيسجل التاريخ الفكرى المصري والعربي لـ«عبدالرحيم على» أنه رائد الكتابات النقدية عن حركات الإسلام السياسى، والتى تضمنت تحذيرات واضحة لخطورتها على تكامل الدول وأمن المجتمعات.
لقد كان الإنتاج المتميز لـ«عبدالرحيم على» جزءا من نضاله السياسى الذى بدأ مبكرا حين انحاز إلى الدفاع عن مصالح الشعب بانضمامه إلى حزب التجمع الذى كان يدافع عن قضية العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى نشاطه الإعلامى المكثف.
وقد التفت «عبدالرحيم على» مبكرا إلى أن جهده الفردى مهما كان متميزا لا يكفى لمواجهة مخاطر حركات الإسلام السياسى المتطرفة، ولذلك فكر منذ وقت مبكر وبالتحديد عام ١٩٩٥ فى تأسيس مركز أبحاث متميز لدراسة فكر وممارسات هذه الجماعات إيمانا منه بأهمية تشكيل فرق بحثية متكاملة لدراسة مختلف أبعاد هذه المشكلة الخطيرة، وما تمثله من تهديد جسيم للهوية الوطنية لكل بلد عربي، وللهوية القومية للعالم العربى ككل.
وهكذا أسس «المركز العربى للبحوث والدراسات» عام ١٩٩٥ كمركز علمى مستقل لدراسة حركات الإسلام السياسى، وفق المناهج العلمية السائدة فى العلم الاجتماعى المعاصر، واستنادا إلى قاعدة معلومات واسعة عن كل هذه الحركات.
وأذكر أن الأستاذ «عبدالرحيم على» دعانى لزيارة المركز واقترح علىّ أن أكون مستشارًا له بعض الوقت، ومازحنى قائلًا: ولكن بلا أجر لضيق الموارد! وقبلت فورًا نظرًا لإعجابى الشديد بمشروعه الفكرى الرائد، وخصوصا فى تجميعه لوثائق نادرة عن فكر الجماعات الإسلامية.
وتشاء الظروف أن تتطور الأوضاع، وينجح الأستاذ «عبدالرحيم على» فى توفير مصدر تمويل ثابت للمؤسسة العربية للصحافة التى أنشأها وتصدر جريدة «البوابة»، ولديها مواقع إلكترونية مهمة باللغة العربية والإنجليزية، فقرر إعادة تأسيس «المركز العربى للبحوث والدراسات» عام ٢٠١٢ ودعانى لأتولى إدارته.
وقد رحبت بهذا العرض، لأنه جدد شبابى العلمى وخصوصا فى مجال تأسيس مراكز البحوث الاستراتيجية فى مصر والعالم العربى، وهكذا أسسنا المركز ونجحت فى تكوين فريق علمى متميز من أساتذة علم الاجتماع وعلم السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والإعلام، بعضهم عمل معى من قبل، بالإضافة إلى مجموعة من شباب الباحثين الواعدين، ويصدر المركز مجلة شهرية بعنوان «آفاق سياسية»، وينشر نتيجة أبحاثه فى كتب، وينظم المؤتمرات العلمية ويساهم فى التمكين العلمى لشباب الباحثين.
«عبدالرحيم على» ليس باحثا نقديا متميزا ولا إعلاميا بارزا فقط ولكنه قبل ذلك كله مناضل سياسى جسور من طراز رفيع، ولن ينسى له تاريخ الثورة المصرية أنه بعد سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكم فى مصر وثبوت نزوعها إلى الديكتاتورية لم يتردد «عبدالرحيم على» فى الانضمام إلى الجماهير الثائرة على حكم الإخوان، بل إنه أكثر من ذلك- قاد فى ميدان التحرير الهجوم العنيف على الجماعة المستبدة وله خطبة شهيرة مسجلة بالصوت والصورة وهو يخطب فى الجماهير مقررًا بكل ثقة «هؤلاء الذين جاءوا من السجون سيعودون إليها بعد أن يسقط حكمهم فى خلال شهور معدودة».
قال ذلك فى عز حكم الإخوان، ولم يخش من تهديداتهم له، ومضى فى طريقه لتعبئة الجماهير استعدادا للموجة الثورية الكبرى فى ٣٠ يونيو.
وقد لفت نظرى بشدة فى الحوار الممتاز الذى أجراه الأستاذ «محمد الباز» مع «عبدالرحيم» ونشر فى جريدة «البوابة» أنه تضمن رؤيته المتكاملة لثورة ٢٥ يناير وللموجة الثورية فى ٣٠ يونيو.
وقرر بوضوح شديد «أنه ليس معارضا لثورة ٢٥ يناير ولكنه يميز بدقة بين الناشطين السياسيين الشرفاء الذين أشعلوا فتيل الثورة وبين الناشطين السياسيين العملاء الذين تلقوا تمويلا هائلا من مصادر أجنبية متعددة، وكان هدفهم فى الواقع ليس مجرد إسقاط النظام السلطوى وإنما إسقاط الدولة، وأثبت ذلك من خلال تسجيلات متعددة أذاعها فى برنامجه التليفزيونى الشهير «الصندوق الأسود»، ونجح فى كشف سوءات العملاء وفضح تآمرهم على الدولة والمجتمع فى مصر.
ومن ناحية أخرى استطاع فى هذا الحوار المتميز أن يضع ٣٠ يونيو فى موضعها العلمى الصحيح، باعتبارها ليست مجرد موجة ثورية جديدة جاءت لتصحيح الأخطاء الجسيمة فى إدارة ثورة ٢٥ يناير، ولكن باعتبارها تجديدا لوظيفة الدولة المصرية وتثويرا لنظامها السياسى الذى يحتاج إلى تطوير جذرى لمهام الأحزاب السياسية ونشاط مؤسسات المجتمع المدنى.
«عبدالرحيم على» ليس باحثا متميزًا فحسب ولا مناضلًا سياسيًا وضع هموم الوطن فى مقدمة اهتماماته، ولكنه ظهر مؤخرًا باعتباره مرشحًا برلمانيا عن دائرة العجوزة والدقى.
لقد تقدم بجسارة إلى ترشيح نفسه لثقته فى قدرته على الجمع بين خدمة أبناء دائرته فى مجال التنمية المحلية، وبين تمثيل الأمة كلها وفق التعبير الدستورى الشهير أن نائب البرلمان ينوب عن الأمة كلها وليس عن دائرته فحسب.
وقد تابعت حواره مع أبناء الدائرة الذى نشر فى جريدة «البوابة»، وأدركت أن لديه قدرة متميزة على الحوار مع المواطنين والاستماع الدقيق إلى تعبيرهم عن مشكلاتهم وللحلول التى يقترحوها لمواجهتها.
والواقع أنه بهذا المسلك -ونعنى النزول إلى القواعد الجماهيرية والتفاعل المباشر مع الجماهير- إنما يترجم فلسفة «التنمية القاعدية» أو «الجماهيرية» والتى تبدأ بالاستماع إلى مشكلات الناس والدراسة العلمية لمختلف جوانبها، وتكثيف الجهود لحلها من خلال الشراكة بين أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى والقواعد الجماهيرية.
ولقد كان إعلانه عن تكوين مؤسسة تنموية فى الدائرة تبرع لها مبدئيا بمبلغ مليون جنيه إشارة واضحة إلى أن «عبدالرحيم على» مرشح البرلمان لدائرة العجوزة والدقى حريص على وضع جهوده فى خدمة الدائرة وأبنائها أيا كانت نتيجة الانتخابات.
«عبدالرحيم على» ابن بار من أبناء ٣٠ يونيو، ومدافع شرس عن ثوابت الوطن، وداعية من دعاة العدالة الاجتماعية، وهو بهذه الصفات جميعا قادر على أن يمثل دائرته من ناحية، وأن يمثل الأمة كلها من ناحية أخرى.