الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

انتخابات "فيينا" تبعث الروح من جديد لدى الاشتراكيين وتكشفت عن الخوف من اليمين المتطرف

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حددت نتيجة الانتخابات التشريعية المحلية التي جرت في ولاية "فيينا" النمساوية لون الحكومة الجديدة وبرلمان الولاية، وصبغته باللون الأحمر، المميز للحزب الاشتراكي الديمقراطي "اس ب او"، الذي سيقود الحكومة وعملية التشريع في الولاية لمدة خمس سنوات مقبلة، بعد فوز الحزب وتصدره للمركز الأول برصيد على 4ر39%، متقدماً على منافسه حزب الحرية اليميني المتشدد "اف ب او"، الذي جاء في المركز الثاني برصيد 2ر32%.
وتأتي هذه النتيجة بعد الانتخابات التي أجريت أمس /الأحد/ لتضفي نوعاً من الهدوء على الولاية التي سادتها مؤخراً حالة من التوتر السياسي والشعبي، بسبب احتدام شدة المنافسة بين الاشتراكيين واليمينيين، على خلفية الصعود المستمر لحزب الحرية اليميني المتشدد "اف ب او" وزيادة شعبيته، بالتزامن مع تراجع نتائج الاشتراكيين والمحافظين منذ مطلع العام الجاري في انتخابات محلية جرت بولايات نمساوية أخرى، مما أدى إلى زيادة المخاوف من نجاح اليمينيين في احتلال المركز الأول بانتخابات ولاية فيينا، لاسيما بعد أن صعَّد رئيس الحزب اليميني هاينز شتراخه، حدة الهجوم على الاشتراكيين وأكد على قدرة الحزب على حسم المنافسة لصالحه وإحراز نتيجة كبيرة تجبر الأحزاب على التعاون معه لأول مرة في تشكيل حكومة الولاية الجديدة، مستنداً إلى نتائج استطلاعات رأي رجحت تقلص فارق الأصوات بين الحزبين بشكل كبير، فيما توقعت مؤسسات بحثية فوز اليمين المتشدد بالمركز الأول في انتخابات ولاية فيينا، التي تتمتع بأهمية خاصة مقارنة بولايات النمسا التسع الأخرى، بسبب تمتع ولاية فيينا بوضع خاص لأنها العاصمة التي يعيش فيها أكبر عدد من الأجانب وكذلك المسلمين المقيمين في النمسا البالغ عددهم نحو 560 ألف، بحسب تقديرات عام 2011، يقيم منهم نحو 200 ألف مسلم من مختلف العرقيات في مدينة فيينا، يمثلون فيها نحو 8٪ من تعداد السكان.
حبس المسلمون النمساويون والأفراد من ذوي الأصول الأجنبية والمواطنون الذين ينظرون بعين الشك إلى أفكار وتوجهات اليمين المتطرف من المقيمين في ولاية فيينا أنفاسهم، طوال عملية التصويت حتى ظهور نتائج الانتخابات الأولية، التي استقبلها أبناء الجاليات العربية والإسلامية بارتياح شديد، وهو نفس الشعور الذي عبر عنه المواطنون النمساويون المعترضون على السياسة القومية المتعصبة لحزب الحرية اليميني، وذلك بعد أن ظهر تفوق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم "اس ب او" وتصدره للمركز الأول، بعد معلومات أولية أشارت إلى منافسة شرسة بين الحزبين، اتسع الفارق بينهما مع استمرار عملية الفرز لصالح الاشتراكيين، فيما يجمع المحللون على أن الانتخابات جرت في ظروف داخلية ودولية صعبة فرضتها تداعيات أزمة تدفق اللاجئين إلى النمسا والدول الأوروبية على أجواء الانتخابات بشكل جعلت الناخب يهمل التفكير في جميع القضايا والمشاكل الأساسية الداخلية ويركز فقط في المقابل على مشكلة استمرار تدفق اللاجئين والآثار المحتملة المترتبة على هذه المشكلة، وهي القضية التي ساهمت بشكل كبير في زيادة شعبية حزب الحرية اليميني، الذي لا يطرح حلول عملية قابلة للتطبيق في التعامل مع هذه الأزمة ويقتصر دوره فقط على توزيع الاتهامات والتشويه المتعمد لسياسات الحكومة الاشتراكية، التي أكدت التزامها بتطبيق المعايير الدولية والأوروبية في التعامل مع اللاجئين السوريين الفارين من أتون الحرب، وأكدت في جميع الموقف حرصها على تقديم المساعدات للاجئين الباحثين عن الأمن وحماية حياتهم المهددة.
وجاءت نتيجة الانتخابات على عكس نتائج جميع استطلاعات الرأي، التي تنبأت بنتيجة الصراع الثنائي المحتدم بين الاشتراكيين واليمينيين، بعد أن صورته على أنه نزال غير محسوم النتيجة بسبب التقارب الشديد بين شعبية الحزبين، فيما تنبأت بعض استطلاعات الرأي بتفوق اليمين المتشدد ولم تستبعد فوز حزب الحرية اليميني بالمركز الأول في الانتخابات، وهو الانتصار الذي كان سيلقي بظلال وخيمة وسيكون له آثار مدوية على الحكومة وخريطة التحالفات الحزبية داخلياً، وكذلك خارجياً على مستوى الدول الأوروبية، التي كانت تتابع بقلق شديد نتائج الانتخابات التشريعية في ولاية فيينا، تحسبا لفوز التيار اليميني المتشدد، الذي كان سيعطي دفعة قوية لمعسكر الأحزاب اليمينية على مستوى الدول الأوروبية.
كما أظهرت نتيجة انتخابات ولاية فيينا إخفاق حزب الحرية اليميني المتطرف في تحقيق هدفه الرامي إلى انتزاع السيطرة على ولاية فيينا من منافسه الاشتراكي الذي يحكم ولاية فيينا منذ عام 1945، كما أنها جاءت بمثابة المنقذ للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، الذي عانى خلال العام الجاري 2015 من إخفاقات بسبب تراجع رصيده الشعبي في الانتخابات التشريعية التي شهدتها ولايات "شتاير مارك"، و"بورجنلاند"، و"النمسا العليا"، مقابل زيادة ملحوظة في رصيد حزب الحرية اليميني المتشدد، وهو التطور الذي شكل لطمة على وجه التحالف الحكومي الحالي، المؤلف من الاشتراكيين والمحافظين، وكان بمثابة جرس إنذار يؤكد تراجع شعبية الاشتراكيين والمحافظين مقابل الزيادة المستمرة في شعبية حزب الحرية اليميني، الذي تركز سياساته على معاداة الأجانب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، ويرفض سياسات الاتحاد الأوروبي.
وفي ذات السياق تكبد حزب الشعب المحافظ، الشريك الائتلافي في الحكومة الحالية على المستوى المركزي، خسارة فادحة وسجل أسوأ نتيجة له في تاريخ انتخابات ولاية فيينا، بعد أن أظهرت النتائج تقلص أصواته إلى مستوى 8.7%، وذلك بسبب موقفه المتضامن مع حزب الحرية اليميني المتطرف، وتخوف المواطنين من نجاحه في تشكيل تحالف حكومي يقود ولاية فيينا بالتعاون مع اليمين المتطرف، بعيداً عن الاشتراكيين، بعد أن استغل حزب الحرية اليميني أزمة تدفق اللاجئين إلى النمسا لتحقيق غايات سياسية وانتخابية واضحة، عن طريق تبني سياسات دعائية مغرضة حمَّلت المهاجرين واللاجئين مسئولية جميع المشاكل والأزمات التي تعاني منها النمسا من زيادة في معدل البطالة إلى انتشار الجريمة، وأثارت الرعب في نفوس المواطنين النمساويين من استقبال وإيواء اللاجئين، مقابل موقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم المشرف، الذي أصر على الوقوف إلى جانب اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الدائرة، على الرغم من دفع الحزب الاشتراكي ثمن موقفه الإنساني إزاء اللاجئين من رصيده الشعبي الذي أخذ في التقلص والتراجع بسبب، خوف المواطنين الذين تراجعوا عن دعم الاشتراكيين واستجابوا لدعاية حزب الحرية اليميني المتطرف ضد اللاجئين.
كما أن حزب الحرية استخدم ورقة الزيادة المستمرة في معدل البطالة والتضخم، وتدهور الظروف الاقتصادية بشكل مستمر، حيث أرجع الحزب السبب الرئيسي في هذا التدهور إلى سماح الحكومة للأيدي العاملة القادمة من خارج النمسا ودول أوروبا الشرقية، المنضمة حديثاً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بالعمل في النمسا، مما سحب البساط من تحت أرجل العمالة المحلية، بالتزامن مع إثارة مخاوف المواطن النمساوي من انتشار المجموعات والتنظيمات الإرهابية والتهديدات الناجمة عن هذه المجموعات والمخاطر المحدقة ذات الصلة المترتبة على عودة الجهاديين الأوروبيين الإسلاميين المنتمين إلى هذه المجموعات الإرهابية إلى النمسا مرة أخرى من العراق وسوريا.
جدير بالذكر أن الانتخابات أسفرت عن فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بالمركز الأول في الانتخابات برصيد 39.4%، على الرغم من تراجع رصيد أصواته بواقع -4.9% مقارنة بانتخابات عام 2010، بينما جاء حزب الحرية اليميني المتشدد في المركز الثاني برصيد 32.2%، ورفع رصيده بواقع +6.5% مقارنة بانتخابات عام 2010، وحل حزب الخضر في المركز الثالث برصيد 11.1%، بعد أن تراجع رصيده بواقع -1.5% مقارنة بانتخابات عام 2010، وتكبد حزب الشعب المحافظ خسارة فادحة جعلته يتأخر إلى المركز الرابع برصيد 8.7%، ليخسر نحو -5.3% مقارنة بانتخابات عام 2010، كما دخل حزب "نيوز" لأول مرة إلى برلمان ولاية فيينا برصيد 5.95%، وهي النتيجة التي تسمح للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر باستئناف التحالف الحكومي، الذي قاد ولاية فيينا، خلال السنوات الخمس الماضية، بعد أن وفرت نتيجة الانتخابات لهما الأغلبية الكافية في برلمان الولاية بواقع 54 مقعداً.