فى الطريق إلى الكتيبة «١٠١» بسيناء، التقيت الأسبوع الماضى بمطار «المليز» الطيارين الذين نفذوا عملية «حق الشهيد»، ضد عصابات الإجرام فى سيناء، أبطال مصريون من لحم ودم، رجال بطعم ولون تلك الأرض الطيبة، تمنيت من كل قلبى أن أرى ابنى يوما بينهم، تمنيت أن أقبل الأرض تحت أقدامهم، تمنيت أن أحتضنهم جميعا ولكننى لم أملك سوى أن أشد على أياديهم وأمضي.
كنت على موعد لزيارة الكتيبة «١٠١» بمنطقة العريش، تلك التى حظيت بالنصيب الأكبر من الهجمات الإرهابية التى شنها عناصر «تنظيم بيت المقدس» على المقار الأمنية والعسكرية بالعريش فى ٢٩ يناير الماضى وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من أبنائنا من ضباط وجنود الجيش والشرطة.
لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يستهدف فيها الإرهابيون تلك الكتيبة فهم يعتبرونها مقر قيادة القوات المنتشرة فى العريش والشيخ زويد ورفح، ويحملونها مسئولية إجراء التحقيقات الأولية مع العناصر الإرهابية التى يتم القبض عليها فى تلك المنطقة قبل إرسالهم إلى المقار الأمنية فى العريش والإسماعيلية والقاهرة.
وتشغل الكتيبة «١٠١» مساحة تزيد على الكيلو متر ورجالها مسئولون عن كافة الحملات الكبرى على البؤر الإرهابية، وكافة العمليات النوعية التى تنفذها قوات الصاعقة.
وقد تعرضت جراء ذلك لهجمات متعددة بقذائف الهاون وصواريخ ١٠٧ فى أكثر من مرة قبل الهجوم الدامى الكبير الذى تعرضت له فى يناير الماضي.
تقع الكتيبة فى أقصى شرق ضاحية السلام، وغرب ضاحية الريسة، وتغلق القوات محيطها بالمتاريس الترابية، فيما يتولى أفراد حراستها عن طريق المراقبة من أعلى أسطح المبانى المجاورة ويفصل بينها وبين مديرية الأمن متاريس ترابية.
قبل ولوجى للباب الرئيسى للكتيبة، قرأت الفاتحة على أرواح الشهداء وبدأت أتخيل المشهد، مشهد الهجوم الإرهابى الكبير الذى تخللته بطولات لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
لا أعرف لماذا عندما نظرت فى عيون الضباط وضباط الصف والجنود، قفزت إلى ذهنى مباشرة مقولة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الاحتفال بالعيد الثانى والأربعين لنصر أكتوبر المجيد، عندما قال: «انتوا فاكرين إنكم تقدروا تهدوا مصر، لا والله لن تستطيعوا طالما هذا الجيش موجود».
كان الرئيس يوجه حديثه إلى طيور الظلام وحلفائهم وهو يتحدث عن الدروس المستفادة من نصر أكتوبر المجيد وأولها الوحدة العضوية بين الجيش والشعب، واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.
سواعد عفية وعيون لا تعرف النوم، اللهم إلا لحظات تناور بها فى مجابهة الخطر.
قال لى أحدهم: أنت رجل وطنى وأسرتي، جميعهم، يحبونك، فمواقفك واضحة منذ اليوم الأول وقد كشفت لنا الكثير، دمعت عيناى على الفور، قلت له: إنكم من فتحتم لنا، أنتم وزملاؤكم، طاقات الأمل فى غدٍ أفضل، فدماء الشهداء من زملائكم كانت الجسر الذى عبرنا عليه نحو النور بعد عام من حجب الشمس عن الأرض والزرع والضرع.
التفت أحد أصدقائه قائلا: نحن من حملناهم فوق أكتافنا لنودعهم الثرى مضرجين فى دمائهم، وكانت آخر كلماتهم وهم يودعون الحياة وصيتهم أن نواصل تصدينا للخونة حتى نطهر البلاد من قوى الغدر والطغيان.
حكى لى أحد الضباط كيف حاول إنقاذ زميله من الموت لساعات وسط نيران كثيفة تتابعت بعد الانفجار الرهيب، لكنه فشل فى النهاية، وكيف يطارده وجه صديقه مطالبا بالثأر.
وجوه من نور ونار وقلوب قدت من صخر المحبة تلين لكل من زاملوهم فى رحلة الكفاح من أجل أمن وأمان مصر والمصريين وتقوى على الأعداء حتى تصير رعدًا ونارًا.
شعرت بالفخر وأنا أقف بينهم فقد كتبت كثيرا عنهم قبل أن ألتقيهم والآن ها أنا ذا بينهم أبصر وجوههم عن قرب وأشم رائحة الأجساد عبقة طرية رغم الأجواء التى تشع بالقسوة والجدب.
إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.