الخميس 07 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إله الحرب.. عن النار التى أشعلها بوتين فى العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا أعلنت روسيا الحرب فى سوريا؟ 
لماذا قرر فلاديمير بوتين أن يزود أسطوله ببحر قزوين بمنظومة أسلحة متطورة، يخوض بها معركة أربكت العالم كله؟ 
هل يريد بوتين مساندة صديقه بشار الأسد فى أن يبقى فى منصبه رئيسًا لبلد الباقى الوحيد فيها هو الخراب؟ 
وهل من المنطقى أن يعادى بوتين العالم كله إلا قليلًا بالفعل، حتى يحظى برضا رجل واحد فقط، فقد بالفعل شرعية البقاء فى قصره الذى لا يغادره أبدًا؟ 
الإجابة التى تأتيك وعلى لسان مسئولين روس، «ديمترى بيسكوف» الناطق الرسمى باسم الرئاسة الروسية قال إن الهدف من العملية العسكرية فى سوريا، هو مساندة القوات المسلحة السورية التى تحارب الإرهاب، وحتى يؤكد المسئول الروسى أن العملية العسكرية ليست نزهة ولا نزوة عابرة، فقد أكد أن العملية ليست مرهونة بفترة زمنية محددة، يما يعنى أنهم ماضون فيما بدأوه حتى النهاية. 
لم يخف بوتين ما يريده إذن؟ 
منذ شهور وقوات التحالف الذى تقوده أمريكا يوجه ضربات إلى تنظيم داعش الذى يطلق على نفسه كذبًا وزورًا تنظيم الدولة الإسلامية، دون أن تكون هناك نتائج واضحة لهذه الضربات، ما حدث هو العكس تمامًا، تمدد داعش فى الأراضى العراقية والسورية، وتناثرت الشواهد على أن القوات الأمريكية، لم تكن تحارب، بل أسقطت أسلحة لقوات داعش، وهو ما أنكرته هذه القوات بعد ذلك، مدعية أن ما حدث للأسلحة كان سقوطًا بالخطأ وليس إسقاطًا عن عمد، وقبل أن تخلص القوات الأمريكية من هذه التهمة لاحقتها تهمة أخرى بأنها من أسقطت الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، حتى يصبح أسيرًا فى أيدى قوات داعش، وكأنها أرادت أن تمكن التنظيم من الانتقام، وإرسال رسالة إلى خصومه العرب بأنه لن يرحم. 
لم تكن قوات التحالف جادة فى محاربة داعش، فهل أراد بوتين أن يكون مسيح العالم المخلص، فيتصدى هو لذبح داعش، وإنهاء سطوتها وأسطورتها؟ 
قد يكون هذا سببًا كافيًا، لكن من قال لكم إن بوتين أو غيره من قادة الحروب بكل هذا النبل؟ 
الضربات الروسية مؤكد لها أهدافها الأخرى، قد يكون أقلها تخليص العالم من داعش، فالتخلص من هذا التنظيم قد يكون فيه نوع من الثأر القديم، فروسيا لا تنسى أبدا هزيمتها فى أفغانستان على يد تنظيمات وجماعات جهادية، تعرف هى جيدا أن داعش مجرد تطور لها، فالإرهابيون الذين خرجوا ليقتلوا ويخربوا ويعيثوا فى الأرض فسادا، ليسوا إلا أحفاد من ذهبوا للقتال فى أفغانستان لحساب المخابرات الأمريكية، وإن أعلنوا أنهم يفعلون ذلك لوجه الله. 
لو أردتم تلخيصًا لما يريده بوتين من حربه فى سوريا، فلابد أن نتابع الفيديو الذى صورته المخابرات الروسية، وبثته على العالم كله، الأسطول الروسى يطلق صواريخه العابرة للقارات من بحر قزوين، 
يبعد الأسطول الروسى عن الأراضى السورية ما يقرب من 1500 كيلو متر، انطلقت الصواريخ الروسية، لتعبر الأراضى الإيرانية، ومن بعدها الأراضى العراقية، لتستقر بعد ذلك فى الأهداف السورية التى حددتها القوات الروسية بدقة شديدة. 
ما حدث ليس مجرد استعراض عسكرى، بل رسالة كاملة لكل خصوم روسيا بأن الدب قادم، وأن لا أحد يستطيع أن يقف أمامه، بدا بوتين جادًا فى الحرب، وبدا العالم مرتبكًا إلى درجة كبيرة، وهو يتابع ما يحدث على الأراضى السورية. 
كان لابد من اتهام لروسيا، ربما ليعطل ما تريده فى سوريا، وكان الاتهام الواضح هو أن الضربات الروسية لا تستهدف تنظيم الدولة داعش، ولكنه يستهدف أيضا قوات الجيش السورى الحر، والتى يتعامل معها العالم على أنها المعارضة الحقيقية التى يعتمد عليها اعتمادًا كليًا فى القضاء على نظام الأسد، ويرى فيها الوريث الشرعى الذى لابد أن يخلف بشار فى حكم البلاد. 
من باب السياسة التى يجيدها الروس أيضا أنكروا تمامًا أن يكونوا قد استهدفوا قوات الجيش الحر، بل تساءل مسئولون روس ربما فى سخرية شديدة عن هذا الجيش الحر، لأنهم يريدون أن يتحالفوا معه ضد تنظيم الدولة، ربما فى إشارة إلى أن العالم يعرف أن هذا الجيش الحر ليس إلا قوات مستأجرة من أجل إفناء نظام بشار الأسد. 
لا يمكن أن نعتبر ما فعله بوتين فى سوريا معجزة، فالنتائج لا تزال على الأرض، وقوات داعش على الأرض، تتعرض لضربات موجعة نعم، لكن لا يزال لديها ما تقوله وتفعله، ولم يكن غريبًا أنه فى ظل الضربات الروسية التى وصلت طبقًا لتصريحاتهم الرسمية إلى 60 ضربة يوم السبت الماضى وحده، أن تتقدم داعش لتحتل مساحات كبيرة من حلب، ولتصبح هذه المدينة فى وضع مأساوى جديد، فنصفها تحت سيطرة الحكومة، ونصفها تحت سيطرة شياطين داعش، ولذلك فإن نتائج العمليات على الأرض ليست محسومة لأحد على الإطلاق. 
****
المهم فى حقيقة الأمر ليس ما يحدث داخل سوريا فقط، فما يحدث خارجها ربما يكون هو الأهم، فعلى أساسه، يمكن أن تتطور الأحداث فى المنطقة، لنجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام حرب عالمية ثالثة، أو لنجد أنفسنا أمام تسوية سياسية تخرج فيها كل الأطراف الفاعلة فى سوريا خارج المشهد تمامًا، لتبدأ هذه الدولة المنكوبة عهدًا جديدًا، لا يعرف أحد من ملامحه أو تفاصيله، إلا أنه سيكون خاليًا فقط من الوجوه والقوى والحسابات والمصالح القديمة. 
مصر لم تخف موقفها، فالدولة المصرية تعرف أن سوريا هى عمقها الاستراتيجى، استقرارها مهم وأمنها ضرورة، ولذلك كان طبيعيًا أن تعلن مصر عبر وزير خارجيتها سامح شكرى أنها تؤيد الضربات على سوريا، وتدعم طريقة التعامل مع داعش، وإن أخذت مصر فقط على روسيا أنها لم توسع نطاق التنسيق مع دول المنطقة قبل وأثناء الضربات. 
لن يمر موقف مصر بالطبع مرورًا عابرًا، فالسعودية لا يعجبها أن تناصر مصر روسيا، فالمملكة أعلنت عبر مسئول دبلوماسى بارز أنها ستدعم معارضى الأسد، وستمدهم بأسلحة فتاكة، وسيكون هذا هو الرد المناسب، فلن تترك السعودية المعارضة التى صنعتها ودعمتها ومولتها على الأرض السورية لتتحطم تحت وطأة ونيران الضربات الروسية. 
المسئول السعودى كشف عن أن أسلحة حديثة عالية القوة وصلت بالفعل لثلاثة تنظيمات معارضة، ولم يستبعد أيضًا أن يتم إمداد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، لكن مخابرات غربية حليفة للسعودية عارضت هذه الخطوة تمامًا، متخوفة من أن تسقط هذه الصواريخ فى أيدى قوات داعش، لكن ما يقوله المسئول السعودى على أية حال فيه إشارة إلى أن المملكة لن تتخلى عن موقفها فى سوريا، وهو الإطاحة بالأسد. 
ولأن السعودية تعرف حساسية الموقف فى سوريا، فقد تنبه المسئول الدبلوماسى إلى أنه لا يمكن أن يورط بلاده فى مساندة إرهابيين يرفضهم العالم كله، فقال إن الأسلحة لن تصل إلى تنظيم الدولة أو جبهة النصرة لأنها تنظيمات إرهابية، وستكون فقط فى أيدى جيش الفتح والجيش السورى الحر والجبهة الجنوبية، كاشفًا أن هذه هى فقط التنظيمات التى تشكل المعارضة السورية التى يتحدثون عنها. 
السعودية تعرف أنها لم تكن وحدها، فقد دعمت موقفها وساندتها فى محاولات الإطاحة بالأسد كل من قطر وتركيا، أمدت الجبهات الثلاث بالمال والسلاح، والآن تجمع السعودية حلفاء جددًا، ليدعموا موقفها، ويتصدوا لما يفعله بوتين على الأراضى السورية. 
التحدى العسكرى ليس هو كل ما تفعله السعودية، فبعد زيارته الأولى لروسيا يستعد ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان ليزور بوتين مرة أخرى، جدول اللقاء هذه المرة محدد جدًا، صحيح أن المباحثات بينهما ستمتد إلى مناقشة العملية العسكرية فى سوريا، لكن هناك ما هو أهم، فمن المتوقع أن يشهد لقاء بوتين ـ سلمان الاتفاق على تسوية سياسية عربية روسية، بعيدًا عن تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية. 
المملكة العربية السعودية فى موقف صعب جدًا، فأكبر حلفائها فى المنطقة (مصر والإمارات) أعلنا موقفهما بشكل واضح، تأييد الضربات الروسية فى سوريا، وهو ما لا تستطيع أن تفعله السعودية بسهولة، لكن فيما يبدو أن الضغوط التى تمارس على المملكة من ناحية ومحاولات زعزعة استقرارها التى تزايدت فى المرحلة الأخيرة، كل ذلك سيجعلها تراجع موقفها. 
****
وفى مؤتمر صحفى أعلنت أمريكا وبريطانيا وقوفهما بشكل واضح ضد ما يفعله بوتين فى سوريا، وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر قال بوضوح إن ضربات روسيا تهدد المنطقة كلها، بل تهدد موسكو نفسها، فهناك صواريخ روسية أخطأت أهدافها فى سوريا وسقطت فى إيران، وهو ما تم نفيه بعد ذلك. 
خطاب وزير الخارجية الأمريكى كان تحذيرًا أيضًا، فقد طالب روسيا بأن تراجع سياساتها فى سوريا، ودفع الأسد نحو التسوية السياسية، وإلا فإن الوضع سيزداد سوءًا، بل إن روسيا ستبدأ فى تكبد خسائر بشرية بعد توسيع دعمها لنظام الأسد، فطبقًا لما يراه وزير الدفاع الأمريكى فما تفعله روسيا طائش وغير مهنى. 
تخوف الأمريكان من روسيا لأنها تحارب داعش، فنظريًا المفروض أيضًا أن الأمريكان يحاربون داعش، لكنهم أبدوا قلقهم من أن أهداف روسيا فى سوريا لا ترتبط بداعش بقدر ما ترتبط بالجيش السورى الحر، وبقية الفصائل المعارضة لبشار. 
لم تلتزم أمريكا الصمت، جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى حديثه الهاتفى مع وزير الخارجية الروسى لافروف، قال له إن المخاوف الأمريكية تنبع من أن أكثرية الأهداف التى تضربها القوات الروسية ليست مرتبطة بتنظيم الدولة داعش، هذه المخاوف تحديدًا هى ما جعلت التعاون العسكرى بين واشنطن وموسكو يدخل فى حيز المستحيل. 
****
كل طرف يعمل ما يرى أنه فى مصلحته بالطبع، على مقربة من هذه الخطوط الواضحة يمكن أن ترى إيران التى تدعم روسيا بشكل واضح، والعراق التى طالبت بوتين بالتدخل من أجل القضاء على داعش، وفرنسا التى وجهت ضربات لداعش على الأرض بالفعل، ويمكن أن تقرأ موقف أمريكا وإنجلترا التى تسير تابعة للأمريكان علي طول الخط، والسعودية التى لا تريد أن تقر بهزيمتها أبدًا، وقطر التابعة للسياسة الأمريكية على طول الخط. 
****
بعيدًا عما سيفعله بوتين، لابد أن تسأل سؤالًا، عن شخصية هذا الرجل، الذى يبدو فى مساحة معينة كواحد من آلهة الحرب، الذى سيشعل العالم بحرب جديدة، ستكون طبقًا لكل المؤشرات حربًا عالمية ثالثة، إنه ليس مسيحًا ولا منقذًا، هو أحد مجانين السياسة فى العالم، مشروع فردى، يبنى مجده وحده، يريد أن يحتل صفحة كاملة فى التاريخ دون أن ينازعه فيها أحد، يفعل ذلك بصرف النظر عن الضحايا وعن هؤلاء الذين سيتساقطون تحت قدميه... سيدخل بوتين التاريخ من باب اللعنة، لكن هذا لا يعنيه، فما يشغله فقط أن يكون المجد حليفه، حتى لو اشتعلت الدنيا كلها من حوله.