المتابع لتصريحات إدارة العمليات فى هيئة الأركان العامة الروسية، يلمح بوضوح خطاب المنتصر كما يرى أن ما صدر رسميًا من أخبار عن سير المعركة على الأراضى السورية، لم يتوقف عند عدد الطلعات الجوية وآثارها على الأرض، ولكن حرص الجانب الروسى على مخاطبة الشعوب الأوروبية وكذلك الشعب الأمريكى، وجاءت تلك المخاطبات الذكية عندما أوضح الفريق أول أندريه كارتابولوف قائد العمليات فى حديثه للصحفيين أن «الاستخبارات تسجل مغادرة المسلحين للمناطق التى كانوا يسيطرون عليها»، مؤكدا أن الذعر بدأ يدب فى صفوفهم، حيث أخلى حوالى ٦٠٠ مرتزق مواقعهم قاصدين أوروبا.
وعندما يقصد ٦٠٠ إرهابى مرتزق أوروبا فهذا معناه خطير وهو ببساطة أن بضاعة الغرب ردت إليهم، وأن ما شهدته الأراضى السورية قبل عام من وهم اسمه التحالف الدولى الذى استهدف داعش وأخواتها لم يكن إلا ساترا لتحرك الدواعش بحرية، وعندما قالت روسيا كلمتها العسكرية بحسم لم يجد هؤلاء الدواعش ملاذا آمنا سوى العودة إلى ديارهم التى نشأوا فيها، وإذا كانت بعض الدول الأوروبية تعتقد أن ذكاءها يؤهلها للعب مع الثعابين السامة، فعليهم مراجعة قصة أسامة بن لادن ونشأته فى رحاب المخابرات المركزية الأمريكية ثم عودته إلى أمريكا لتفجير أبراجها الشهيرة.
أما اللقطة الثانية فى حديث الروس للشعوب، فقد جاءت فى ذات التصريحات عندما تعامل رئيس الأركان بمكايدة واضحة، حيث أشار إلى أن الجانب الروسى أوصى واشنطن خلال اتصالاته معها بضرورة سحب كل المدربين والمستشارين من المنطقة، بالإضافة إلى أولئك الخبراء الذين كان قد تم تدريبهم بتمويل من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين.
ونضع ـ من عندنا ـ تحت جملة دافعى الضرائب الأمريكيين عشرة خطوط حمراء، حيث ضاعت أموال أمريكا هباء فى تدريب معارضة مسلحة زعمت أنها معتدلة، وحكاية الاعتدال هذه جديدة تماما فى قاموس المعارضة وحركات التغيير، يمكن لأصغر تلميذ كشفها ببساطة حيث لا يتفق السلاح مع الاعتدال، ولكنها أمريكا وهى المؤامرة التى تمت حياكتها لخداع المجتمع الدولى الذى هو بالأساس مستعد لتقبل الخداع طالما الأمر بعيد عن ذقنه.
نرجع إلى جوهر الخطاب ونرى خطاب المنتصر من اللحظة الأولى بتأكيده على أن الجانب الروسى أوصى من يسمون أنفسهم بالتحالف الدولى بوقف طلعات الطائرات الخاصة بهم فى مناطق عمل الطيران الحربى الروسى.
إذن روسيا تغلق بوضوح صفحات التردد التى عاشها المجتمع الدولى وتمسح دموع التماسيح التى ذرفها نشطاء من هنا ومن هناك على حال الشعب السورى المهجر، ويوضح المركز الوطنى الروسى لإدارة الدفاع الموقف العسكرى على الأرض بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الضربات أن الضربات كانت تشن على مدار الساعة من قاعدة «حميميم» فى كل عمق الأراضى السورية.. وأن الجانب الروسى استطاع خلال ثلاثة أيام فقط تقويض القاعدة المادية والتقنية للإرهابيين وتقليص قدرتهم الحربية بشكل ملموس.
وبذلك تؤكد المعركة فى سوريا أن القضاء على الإرهاب لا يحتاج إلا إرادة صارمة، فليس من المعقول مقارنة روح مقاتل مرتزق بروح مقاتل يحارب من أجل تطوير المستقبل، نعم.. هذه الحرب المفتوحة الآن فى سوريا ربما هى كلمة الختام فى مشروع التقسيم، وفى سيناريو الفوضى الخلاقة الذى عملت عليه أمريكا كدولة شر منذ سنوات، والجدير بالذكر فى هذا السياق أن تلك المعركة أعتبرها الخطوة الثانية فى سبيل تدمير المشروع التخريبى الأمريكى، حيث كانت الخطوة الأولى هى صمود الشعب المصرى فى ٣٠ يونيه وإزاحة نظام عملاء الغرب المعروف إعلاميا باسم تنظيم الإخوان المتأسلمين.
ستتغير الخريطة العالمية حتما، وستنتصر إرادة الشعوب التى تبحث عن الأمن فى بلادها والسيادة لأوطانها، وسيذهب إلى الجحيم طابور التخريب الذى اصطف كذبا تحت شعار ديمقراطى كاذب.