الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

النقد بين الإسلاميين والليبراليين في الجامعة الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- تلقيت دعوة كريمة من الإعلامي المهذب والمتميز أ.حافظ الميرازي، المشرف على وحدة كمال أدهم للإعلام التليفزيوني، لعمل ندوة في الجامعة الأمريكية حول موضوع “,”الهجاء السياسي بين القبول والرفض“,” مع د.باسم يوسف، صاحب أشهر برنامج سياسي ساخر في الوطن العربي وهو “,”البرنامج“,” والذي أصبح ظاهرة سياسية وإعلامية ساخرة تستحق الدراسة سلبًا أو إيجابًا.
- وقد قبلت هذه الدعوة ورحبت بها، ثقة في حسن خلق أطرافها الميرازي وباسم.. ولأن الموضوع جديد يستحق الدراسة والبحث.. وقلت لنفسي: سأطرح دراسة مبسطة عن “,”فقه النقد الذاتي في الإسلام“,”.. في مقابل طرح د.باسم لرؤيته النظرية وتجربته العلمية في النقد السياسي الساخر.
- لقد تحدثت مع أ.حافظ الميرازي على أن تكون الندوة نموذجًا يقتدى ويحتذى في الحوار بين الفرقاء السياسيين والفكريين.. وقد وافقني الرجل على ذلك.. وراهنا سويًّا على خلق وأدب د.باسم الذي يحظى بشعبية كبيرة عن أمثالنا في الجامعة الأمريكية.. وقد كان الرجل عند حسن ظننا، وأعطى نموذجًا راقيًا للخلاف السياسي أو الفكري وقبول الرأي الآخر وكبح جماح أي محاولة من أي من الشباب الحاضر للإساءة أو إخراج الندوة عن سياقاتها الأخلاقية الراقية.
- وقد جلسنا الثلاثة سويًّا قبل الندوة بنصف ساعة، تبادلنا فيها الحديث الودي ودخلنا القاعة أنا ود.باسم بيدين متشابكتين، حتى نعلم الجميع أن اختلافنا الفكري والسياسي لن يتحول أبدًا إلى سباب أو شتائم أو صراع.. بل سنقدم نموذجًا حضاريًّا راقيًا للحوار بين المختلفين فكريًّا والمتوافقين أخلاقيًّا.. والمتحابين إنسانيًّا ومهنيًّا.
- وكان الحضور أكبر من المتوقع بكثير، فتم نقل الندوة إلى قاعة “,”باسيلي“,” وهي أكبر قاعة في الجامعة الأمريكية.. فضاقت هذه القاعة أيضًا رغم سعتها الكبيرة.. فقد حضر الندوة قرابة سبعة آلاف طالب لم يجد بعضهم مكانًا يجلس فيه فوقف خارج القاعة.. وبعضهم جلس على سلالم المدرجات.. وبعضهم جلس على الأرض.. وبعضهم وقف خلف الصفوف.
- وقد حضر عدد قليل من أساتذة الجامعة الكبار ومنهم أ.د.عمرو عزت عالم الهندسة العالمي ووزير التعليم العالي الأسبق.. وقد استطاع أ.حافظ الميرازي أن يعبر بالندوة إلي بر الأمان وأشرف مع فريق عمله على حسن إدارتها بدقة وحنكة وهدوء وقليل كلام وكثير حكمة.
- وكان من اللافت حرص د.باسم على التصفيق لي عقب كلماتي، وهذا من حسن خلقه.
- كما أنه طلب من القاعة أن تصفق لطالب من الجماعة الإسلامية سأله سؤالَا قاسيًا.. فاستهجنت القاعة سؤاله “,”وصفرت“,” ضده.. ولكن القاعة استجابت لطلب د.باسم بالتصفيق له لشجاعته الأدبية بين هذه الجموع الغريبة عليه.. وكان هذا مسلكًا حضاريًّا جيدًا.
- ومما لفت نظري أيضًا أن طالبًا كفيفًا من الجامعة الأمريكية يجيد الإنجليزية والعربية تقدم بسؤال لي باللغتين العربية والإنجليزية.. وهذا يدل على حرص الجميع على حضور الندوة واهتمام طلاب الجامعة الأمريكية بالشئون السياسية والدينية.
- لقد تحدث أ.الميرازي في البداية عن تاريخ الهجاء السياسي من أيام الفراعنة مرورًا بالعرب وحتى أيامنا هذه.. وساق أمثلة حية من التاريخ الأمريكي وأحكام المحاكم الأمريكية الخاصة بهذا الأمر.
- ثم تحدثت عن الحكم الإسلام في النقد.. وبدأتها بسؤال هام:
- هل يجوز نقد الحركات الإسلامية أو الحكم ذي المرجعية الإسلامية؟
- وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نفرق بين الإسلام المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبين الحركة الإسلامية البشرية غير المعصومة.. وبين الإسلام المعصوم والحكم الإسلامي غير المعصوم .. وبينه وبين الإسلامي غير المعصوم.. وبين الفكر الإسلامي غير المعصوم.
- وهذا التفريق المهم جدًّا هو المدخل الرئيسي والأساسي لفهم قضية النقد في الإسلام.
- فنقد الحركة الإسلامية غير المعصومة جائز.. شريطة أن يكون نقدًا موضوعيًّا.. وذلك لأنها حركة بشرية تخطئ وتصيب.. فيها النجاح والإخفاق.. فيها النصر والهزيمة.. ولكن لا يجوز نقد الإسلام المعصوم لأنه وحي السماء.
- وكما يجوز نقد الحركات الإسلامية يجوز أيضًا نقد الحكم الإسلامي ونقد الفرد الإسلامي.. لأن هؤلاء بشر يصدق فيهم قوله،صلى الله عليه وسلم، “,”كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون“,”.
- كما أن الإسلام ليس فيه متحدث حصري ووحيد باسمه، وذلك بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وانقطاع الوحي.
- هذا التفريق يفيد الإسلاميين.. فلا يعتبروا أن من ينتقدهم بحق وصدق ينتقد الإسلام.. ويفيدهم كذلك في قبول هذا النقد البناء المبني على قواعد منضبطة وحقائق ثابتة.
- وهذا التفريق يفيد خصوم الإسلاميين أيضًا من العلمانيين والليبراليين.. حيث يلزمهم بألا يقفزوا من نقد الإسلامي غير المعصوم إلي نقد الإسلام المعصوم.
- والسؤال الذي يلح علينا جميعًا الآن:
- ما هو موقف الإسلام من النقد عامة ومن النقد الذاتي خاصة؟!
- وهنا يمكنني الجزم بأن الإسلام هو أعظم دين على وجه الأرض دعا إلى النقد الذاتي وحث عليه.. وربطه بيوم القيامة.. “,”لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.. وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ“,”.. وهي النفس التي تنقد ذاتها وتلوم نفسها وتراجع نفسها.
- وهذا سيدنا موسى، عليه السلام، يعتذر للخضر عليه السلام قائلًا: “,” قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا“,”.
- وهذا آدم عليه السلام يراجع نفسه ويستغفر ربه قائلا ً: “,”رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ“,”.
- وهذا العبقري العظيم عمر بن الخطاب يقول لقاضيه أبي موسى الأشعري في حكمة تهدي الزمان بأسره “,”لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه إلى رشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم “,”.
- وقد أطلقها عمر مدوية عبر الأجيال “,”أصابت امرأة وأخطأ عمر“,”.
النقد المر
- ثم تحدثت عن مرارة النقد فقلت:
- نقد الآخر مر وشاق على النفوس ومؤلم لها.
- فالنقد مر فلا نزده مرارة بجفوة أو غلظة أو سخرية أو تجريح.
- النقد مر فلا نزده مرارة بالاستهزاء والسخرية من الناس.. فالنقد البناء لا علاقة له بالسخرية التي لا تقرها كل الأديان “,” لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ“,”.
- النقد مر.. فلا نزده مرارة بافتقاده للعدل والإنصاف.
- النقد مر.. فلا نزده مرارة بالتشهير بأي إنسان وجمع كل مسالبه وغمطه كل حسناته.
- النقد مر.. فلا نزده مرارة بأن نستهدف حياة الإنسان الخاصة أو خلقته أو أموره الذاتية.
- النقد مر.. فلا نزده مرارة بأخذ صورة مجتزأة من الواقع والتركيز عليها.
- النقد مر.. فانقد الفكرة والعمل.. ولا تهتم بالنقد الشخصي.
ثم تحدث د.باسم يوسف وقال: “,”إنني لم أنقد الإسلام أبدًا.. ولا يمكن أن أنقده ولكنني مصر على نقد الحركة الإسلامية.. وخاصة التي وصلت إلي السلطة.. ومن وصل إلى السلطة فعليه أن يتحمل النقد مادام صحيحًا“,”.. ثم توالت الأسئلة والإجابات حتى انتهت الندوة بسلام.