تعجبنا من جرأة الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، فقد اختار طواعية أن يدخل بقدميه إلى أرض الألغام، عندما قرر منع التدريس بالنقاب فى قاعات ومدرجات الجامعة، حتما كان يعرف أن هناك من سيحاصره ويلعنه، ويقف به على أبواب الجحيم بحجة أنه يحارب الله ورسوله، ويسعى إلى هدم الإسلام.
أعرف أن جابر نصار سيمضى لتنفيذ قراره، لن يثنيه عن ذلك شيء، وأعتقد أن دورنا ليس أن نصفق له، بل واجبنا أن نساعده وندعمه، ليس بالكلام ولكن من خلال مطالبة واضحة وصريحة لا تقبل تراجعا، بأن يقوم المشرع وهو الآن رئيس الجمهورية بإصدار قانون يقضى بمنع النقاب ليس فى قاعات التدريس فى الجامعات، ولكن بمنع ارتدائه فى جميع المصالح الحكومية التى يقتضى فيها التعامل مع الجماهير.
هذا القانون إذا صدر لن يجعل جابر نصار يقف وحده فى مواجهة شيوخ الفتنة والتطرف والجهل، هؤلاء الذين ينزعون عن المرأة إنسانيتها ويجعلون منها مجرد جسد يخافون أن يفتنهم، يحرمونها من أبسط حقوقها، وهى أن تكون موجودة أمام الناس بدون وجهها الذى هو مفتاح شخصيتها.
لن أسير خلف هزال ما ردده بعض السلفيين من أنه من حق الطلاب أن يروا شفايف من تعلمهم وهى تتحدث، فحتى وهم يدافعون عن القرار يبحثون عن حقوق الطلاب، ولا يلتفتون إلى حقوق المرأة التى ينبغى أن تكون حاضرة أمام من تعلمهم بوجهها، بما يعنى أنها إنسانة مكتملة الأهلية، وليست مجرد كيس أسود، لا يختلف فى قليل أو كثير عن غيره من الأكياس السوداء التى تقابلنا فى الطرقات.
لا تسمحوا لأحد أن يجركم لمناقشة النقاب على أرضية الدين، فلو اتفقنا على أنه جزء من الدين، فليس من حقنا أن نناقشه أو نعترض عليه، فليس من حقك أن تسأل لماذا الصلاة خمس مرات فى اليوم، ولا الصيام شهرا كاملا، ولا الحج فى ميقات معين، ولا للزكاة مقدارها المحدد، فنحن ننفذ ذلك كله دون مناقشة لإقرارنا أنها من فروض الإسلام الأساسية، لكن النقاب ليس كذلك، فلا هو فرض ولا هو سنة، ولكن مجرد عادة وتراث اجتماعى، من حقنا أن ننقده ونرفضه لأنه لا يتناسب مع مقتضيات العصر الذى نعيشه.
الأمر يحتاج إلى مواجهة، ستحدثنى عن الحرية الشخصية، فمن حق المرأة أن ترتدى ما تريده، وتشعر أنه يحقق لها راحة نفسية فى ظل مجتمع تربى على مطاردة النساء، حسنا سأقول لك إنك لا تتحدث بالدين الآن، وهذا إقرار منك بأنه ليس من فروض الإسلام، وهنا أقول لك: إذا كنت تتحدث عن حرية المرأة فى ارتداء النقاب، فإننى أحدثك عن حرية مجتمع كامل من حقه أن يعرف مع من يتعامل، أن يرى وجه من يتحدث إليها، أن يتعرف على شخصية من تريد أن يكون لها دور فى المجتمع، أستاذة فى الجامعة أو موظفة أو طبيبة أو ممرضة أو حتى طالبة تجلس فى قاعات الدرس، وهو ما يجب أن ينتبه إليه الدكتور جابر نصار، فليس عليه أن يمنع من تقوم بالتدريس من ارتداء النقاب، ولكن عليه أن يمنع من تتلقى العلم فى مدرجات الجامعة من ارتدائه.
المعركة جادة، وأرجو أن تكون هذه نهايتها، فكم من قرار صدر بمنع النقاب فى الجامعة، ووصل الأمر إلى القضاء، وانتهى الأمر إلى لا شيء على الإطلاق، ولذلك فلا بديل عن تدخل القانون ليحمى المجتمع من أخطار الاستخدام السياسى والاجتماعى للنقاب، فهو ليس رداء ترتديه المرأة طاعة لله أو ترضية لزوج أو هروبا من مجتمع منافق، ولكنه خطر على حالة المجتمع النفسية، لأنه يمثل فى النهاية شذوذا هائلا، فمن ترتديه تعتقد أنها إلى الله أقرب، ومن لا ترتديه يراودها الشك أحيانا أنها ليست على صواب، وذلك بضغوط دينية واجتماعية هشة ومنافقة، وليس أمامنا إلا أن ننهى هذه الازدواجية الدينية التى هى جزء من الازدواجية الكبرى التى نعيشها دون أدنى محاولة منا لإصلاحها أو ترويضها.