يوم الأحد ٧ أكتوبر ١٩٧٣، خيم ظل النكبة على دولة إسرائيل ومنذ طلوع فجر ذلك اليوم حتى غروب شمسه، كان مصير إسرائيل كدولة متوقفا على قدرتها على الصد ولم تتعرض إسرائيل منذ أن أصبحت دولة مستقلة وذات سيادة وخلال خمس وعشرين سنة منذ قيامها لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث فى ذلك اليوم المصيري. فى تلك الساعات من يوم السابع من أكتوبر هدد إسرائيل خطر الهزيمة العسكرية الساحقة، ولم يكن لمثل هذه الهزيمة فى المعطيات الخاصة لدولة إسرائيل، سوى معنى واحد لا احتلال، ولا فقدان للاستقلال، بل محو للشعب ولدولته من الخريطة.
لقد صدر هذا التقدير الإسرائيلى لحجم ما حدث فى أكتوبر ١٩٧٣م ولم تمض على الحرب شهور قليلة. بعد انقشاع غبار المعارك بما يقرب من عام عقدت الجمعية الدولية لعلماء النفس اجتماعها السنوي العام ١٩٧٥ فى تل أبيب، وكان الموضوع الرئيسى لهذا الاجتماع هو «الضغوط النفسية، والتوافق النفسى فى الحرب والسلام»، وكان من بين المتحدثين الرئيسيين عالم النفس الاجتماعى الشهير ريتشارد لازاروس الذى اختار عنوانا لمداخلته: «سيكولوجية المواقف العصيبة ومواجهتها مع إشارة خاصة إلى إسرائيل».
ويحدد لازاروس موقعه منذ البداية قائلاً: «إننى أخاطبكم اليوم من موقعين: أولا، كواحد من علماء النفس تركزت بحوثه وإسهاماته النظرية فى مجال دراسة المواقف العصيبة، والتصرف حيالها، ثانيا، كأمريكى يهودى فى أواسط العمر يشعر- شأن غالبية أمثاله- بتوحد كامل مع نضال إسرائيل القومى من أجل خلق وتأمين مكان ليهود العالم فى مجتمع إنسانى متسامح».
ثم يمضى مقررا إن الإسرائيليين كأفراد يواجهون ما يواجه البشر عامة من أضرار ومخاطر. ويبدون حيال ذلك ما يبديه غيرهم من تصرفات. ولكنهم -بالإضافة إلى ذلك -يعيشون فى ظل توقع القتل أو فقدان الأحبة أو الأصدقاء نتيجة للحرب أو للأعمال الإرهابية.
ثمة خطر مستمر لهجوم معاد قد يسبقه نذير وقد يكون مفاجئا... ويعانى الإسرائيليون أيضاً إحساساً مستمراً بالوحدة فى عالم كاره أو غامض، ولابد أن هذا الإحساس قد تزايد بحدة فى الخريف الماضى. ويمضى لازاروس مبرزا لآثار حرب أكتوبر على رد الفعل الإسرائيلي قائلا: «لقد أدت حرب يوم الكيبور بنتائجها غير الحاسمة، وخسائرها الكبيرة إلى تغير التقييمات الإسرائيلية السابقة تغيراً جذرياً، وقد حدد لى بعض أصدقائى وزملائى الإسرائيليين عدداً من المسلمات والافتراضات الشائعة التى انهارت نتيجة لهذه الخبرة.
ومنها على سبيل المثال أن العرب لن يتحدوا أبداً ضد إسرائيل. إنهم لن يحاربوا بشجاعة أبداً. إن قوات الدفاع الإسرائيلية على درجة عالية من الكفاءة، وأن المخابرات الإسرائيلية تضمن انتصارا دائما بأقل قدر من الخسائر. إن لدى قيادة الدولة من الحكمة والخبرة ما يسمح بترك كل شيء لتصرفها. إن الرأى العالمى سوف يبقى مؤيداً لإسرائيل.
إن الوقت فى صالحنا». ويؤكد لازاروس «أن الجمهور الإسرائيلى كان على ثقة فى بداية حرب الكيبور من القدرة على التصدى لما يواجه الأمة من مصاعب، ولم يفقد الثقة كثيرا فى القدرة القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية فى البداية إلا أن مسار الحرب بعد ذلك قد تطلب تعديلات أساسية لتقييم طبيعة ومدى التهديدات، وكيف ينبغى مواجهتها»،
ويستشهد لازاروس بما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية بعد مضى عام على الحرب، حيث قالت: «ثمة شيء ما قد تحطم فى حرب يوم الكيبور فى العالم الماضي لقد أنقذت الدولة حقا، ولكن إيماننا قد تداعى، ويقيننا قد تحطم وقلوبنا قد تمزقت حتى الأعماق وفقدنا ما يقرب من جيل كامل».
ويبرز لازاروس الفرق بين حرب أكتوبر وبقية الحروب التى خاضتها إسرائيل قائلاً: «... ورغم أن الحروب مع العالم العربى كانت بمثابة النمط السائد منذ البداية، إلا أنها كانت لحسن الحظ حروباً قصيرة، وكان كل انفجار للعنف يترك إسرائيل أكثر قوة، بل واتساعاً إلى حد ما، لقد كانت النتائج إيجابية دائما، حتى مؤخراً، فرغم أن الحروب المستمرة قد كبدت إسرائيل الكثير، إلا أنها لم تعان أبداً من هزيمة كبيرة»، وبعد أن يعرض لأثر حرب أكتوبر فى كشف زيف الاعتقاد بأن إسرائيل تسيطر تماما على ميدان الصراع، وتضمن فرض النتيجة التى تريدها على العرب؛ يقول لازاروس بٍوضوح: «لقد كانت حرب يوم الكيبور كارثة سيكولوجية، بمعنى أنها قد هددت أو دمرت هذه العقيدة، ولسنا نعرف على وجه اليقين ما الذى حل أو سوف يحل محلها، والخطر الأعظم هو أنه يمكن أن تستبدل بتعاظم الإحساس بالتهديد، وانعدام الحياة...».
ولا يفوت لازاروس قبل أن ينهى خطابه أمام المؤتمر أن يقدم نصائحه وتحذيراته للإسرائيليين مقررا أنه «ينبغى على الإسرائيليين إيجاد أسلوب عمل جديد للتصدى للخطر العربى المستمر، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى الجماعي»، ويمضى لازاروس محددا ملامح هذا الأسلوب المقترح، ناصحا الأجيال الشابة من الإسرائيليين بتمثل الخبرة التى اكتسبها يهود الدياسبورا فى ظروف العزلة والاضطهاد، وذلك لأن حرب الكيبور، والموقف السياسى العالمى المؤيد للعرب الذى تبلور بعد هذه الحرب سوف يحيى الصورة القديمة لليهودى كعاجز معزول، لا يستطيع الاعتماد على نفسه بل على معونة الآخرين، لذلك فإنه لمن الضرورى تماماً تقوية وتدعيم وتشجيع الروابط السيكولوجية بين الإسرائيليين الجدد وأسلافهم، وكذلك بينهم بين يهود الأقطار الأخرى».
وللحديث بقية
لقد صدر هذا التقدير الإسرائيلى لحجم ما حدث فى أكتوبر ١٩٧٣م ولم تمض على الحرب شهور قليلة. بعد انقشاع غبار المعارك بما يقرب من عام عقدت الجمعية الدولية لعلماء النفس اجتماعها السنوي العام ١٩٧٥ فى تل أبيب، وكان الموضوع الرئيسى لهذا الاجتماع هو «الضغوط النفسية، والتوافق النفسى فى الحرب والسلام»، وكان من بين المتحدثين الرئيسيين عالم النفس الاجتماعى الشهير ريتشارد لازاروس الذى اختار عنوانا لمداخلته: «سيكولوجية المواقف العصيبة ومواجهتها مع إشارة خاصة إلى إسرائيل».
ويحدد لازاروس موقعه منذ البداية قائلاً: «إننى أخاطبكم اليوم من موقعين: أولا، كواحد من علماء النفس تركزت بحوثه وإسهاماته النظرية فى مجال دراسة المواقف العصيبة، والتصرف حيالها، ثانيا، كأمريكى يهودى فى أواسط العمر يشعر- شأن غالبية أمثاله- بتوحد كامل مع نضال إسرائيل القومى من أجل خلق وتأمين مكان ليهود العالم فى مجتمع إنسانى متسامح».
ثم يمضى مقررا إن الإسرائيليين كأفراد يواجهون ما يواجه البشر عامة من أضرار ومخاطر. ويبدون حيال ذلك ما يبديه غيرهم من تصرفات. ولكنهم -بالإضافة إلى ذلك -يعيشون فى ظل توقع القتل أو فقدان الأحبة أو الأصدقاء نتيجة للحرب أو للأعمال الإرهابية.
ثمة خطر مستمر لهجوم معاد قد يسبقه نذير وقد يكون مفاجئا... ويعانى الإسرائيليون أيضاً إحساساً مستمراً بالوحدة فى عالم كاره أو غامض، ولابد أن هذا الإحساس قد تزايد بحدة فى الخريف الماضى. ويمضى لازاروس مبرزا لآثار حرب أكتوبر على رد الفعل الإسرائيلي قائلا: «لقد أدت حرب يوم الكيبور بنتائجها غير الحاسمة، وخسائرها الكبيرة إلى تغير التقييمات الإسرائيلية السابقة تغيراً جذرياً، وقد حدد لى بعض أصدقائى وزملائى الإسرائيليين عدداً من المسلمات والافتراضات الشائعة التى انهارت نتيجة لهذه الخبرة.
ومنها على سبيل المثال أن العرب لن يتحدوا أبداً ضد إسرائيل. إنهم لن يحاربوا بشجاعة أبداً. إن قوات الدفاع الإسرائيلية على درجة عالية من الكفاءة، وأن المخابرات الإسرائيلية تضمن انتصارا دائما بأقل قدر من الخسائر. إن لدى قيادة الدولة من الحكمة والخبرة ما يسمح بترك كل شيء لتصرفها. إن الرأى العالمى سوف يبقى مؤيداً لإسرائيل.
إن الوقت فى صالحنا». ويؤكد لازاروس «أن الجمهور الإسرائيلى كان على ثقة فى بداية حرب الكيبور من القدرة على التصدى لما يواجه الأمة من مصاعب، ولم يفقد الثقة كثيرا فى القدرة القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية فى البداية إلا أن مسار الحرب بعد ذلك قد تطلب تعديلات أساسية لتقييم طبيعة ومدى التهديدات، وكيف ينبغى مواجهتها»،
ويستشهد لازاروس بما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية بعد مضى عام على الحرب، حيث قالت: «ثمة شيء ما قد تحطم فى حرب يوم الكيبور فى العالم الماضي لقد أنقذت الدولة حقا، ولكن إيماننا قد تداعى، ويقيننا قد تحطم وقلوبنا قد تمزقت حتى الأعماق وفقدنا ما يقرب من جيل كامل».
ويبرز لازاروس الفرق بين حرب أكتوبر وبقية الحروب التى خاضتها إسرائيل قائلاً: «... ورغم أن الحروب مع العالم العربى كانت بمثابة النمط السائد منذ البداية، إلا أنها كانت لحسن الحظ حروباً قصيرة، وكان كل انفجار للعنف يترك إسرائيل أكثر قوة، بل واتساعاً إلى حد ما، لقد كانت النتائج إيجابية دائما، حتى مؤخراً، فرغم أن الحروب المستمرة قد كبدت إسرائيل الكثير، إلا أنها لم تعان أبداً من هزيمة كبيرة»، وبعد أن يعرض لأثر حرب أكتوبر فى كشف زيف الاعتقاد بأن إسرائيل تسيطر تماما على ميدان الصراع، وتضمن فرض النتيجة التى تريدها على العرب؛ يقول لازاروس بٍوضوح: «لقد كانت حرب يوم الكيبور كارثة سيكولوجية، بمعنى أنها قد هددت أو دمرت هذه العقيدة، ولسنا نعرف على وجه اليقين ما الذى حل أو سوف يحل محلها، والخطر الأعظم هو أنه يمكن أن تستبدل بتعاظم الإحساس بالتهديد، وانعدام الحياة...».
ولا يفوت لازاروس قبل أن ينهى خطابه أمام المؤتمر أن يقدم نصائحه وتحذيراته للإسرائيليين مقررا أنه «ينبغى على الإسرائيليين إيجاد أسلوب عمل جديد للتصدى للخطر العربى المستمر، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى الجماعي»، ويمضى لازاروس محددا ملامح هذا الأسلوب المقترح، ناصحا الأجيال الشابة من الإسرائيليين بتمثل الخبرة التى اكتسبها يهود الدياسبورا فى ظروف العزلة والاضطهاد، وذلك لأن حرب الكيبور، والموقف السياسى العالمى المؤيد للعرب الذى تبلور بعد هذه الحرب سوف يحيى الصورة القديمة لليهودى كعاجز معزول، لا يستطيع الاعتماد على نفسه بل على معونة الآخرين، لذلك فإنه لمن الضرورى تماماً تقوية وتدعيم وتشجيع الروابط السيكولوجية بين الإسرائيليين الجدد وأسلافهم، وكذلك بينهم بين يهود الأقطار الأخرى».
وللحديث بقية