الله أكبر.. الكلمة الوحيدة التى ما زالت توحد المسلمين بمختلف جنسياتهم ولغاتهم، فينادون بها بصوت خاشع ومدوّ من البقعة المباركة مكة المكرمة التى اختارها الله لبيته الحرام، والتى يرى العالم كله فيها المسلمين من شتى بقاع الأرض وهم يقفون بين يدى الله لا فرق بينهم.
فيحنون جباههم لله ركوعًا وسجودًا وينادون نداء واحدًا تخشع منه قلوب المؤمنين ويلقى الفزع والرعب فى قلوب أعداء هذا الدين، والذين أدركوا منذ سنوات بعيدة أنه عدوهم الأول الذى يهز أعمدة عروشهم، لأنه فقط الذى يستطيع إذابة كل الفروق والحدود بين المسلمين، وطالما استمر وجوده وتأثيره عليهم سيظل هاجس الوحدة يطاردهم ويهددهم بإفشال مخططاتهم التى بنيت على مبدأ «فرق تسد»، لذلك أرادونا متنازعين ومفتتين، وللأسف استطاعوا عبر سنوات طويلة وخطط مدروسة تفريقنا وتشتيتنا، واستطاعوا تشكيك بعض المسلمين فى دينهم وزعزعة إيمانهم.. ولم تكن الحملة الشرسة ضد السنة النبوية الشريفة بالطعن فى الإمام البخارى ومسلم والتشكيك فى كل ما نقلوه من أحاديث سوى محاولة لهدم هذا الدين وضربه فى مقتل، فنحن لم نعرف طقوس الصلاة أو الكثير من العقائد والعبادات إلا من خلال السنة الشريفة.. وهذه الهجمة التى قادها بكل أسف بعض المنتمين للإسلام ليست مجرد هجمة من أشخاص أو آراء استخلصوها بعلمهم وقراءاتهم، وإنما خلاصة ما خرج به بعض المستشرقين على مر الزمان من محاولات للبحث والتمحيص عن أى نقاط ضعف فى التراث الإسلامى يمكن أن يستخدموها كمطعن يوجهونه للإسلام ليشككون به المسلمين فى دينهم.. وهذه الحملة التى بدأت على السنة وعلى علماء الأزهر الشريف لمحاولة التسفيه منهم وهز الثقة فيهم إذا مرت دون إخراس ألسنة المشككين بالحجة القوية، لن يمر من الوقت الكثير حتى نراها تنتقل إلى القرآن.. وقد كنا نسمع بالفعل عن المحاولات الغربية لاستبعاد بعض آيات القرآن الكريم من المناهج الدراسية مثل الآيات التى تدعو للجهاد والوحدة، ثم سمعنا منذ سنوات طويلة الدعوات التى أرادت تجديد الإسلام بما يتناسب مع الأفكار الغربية.. وعند هذه النقطة تحديدا عايشت تجربة فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى حيث حضرت ضمن مجموعة من طلاب الكونسرفاتوار بأكاديمية الفنون دورات صيفية موسيقية فى ألمانيا وكنت ضمن أعضاء أوركسترا «ديوان الشرق والغرب» الذى أنشأه فى ذلك الوقت المايسترو الأرجنتينى العالمى دانيال بارينبويم، الذى يحمل الجنسية الإسرائيلية، ولكن فوجئنا أن هذا الأوركسترا وهذه الدورات التى كان يقوم أفضل الموسيقيين على مستوى العالم بالتدريس فيها، تتخذ الموسيقى كستار أنيق يخفى وراءه الأهداف السياسية والاجتماعية والدينية، وكانت تنظم مناقشات يتم إجبار الطلاب- وخاصة العرب- على حضورها، ويتم فيها محاولة تبييض وجه إسرائيل تدريجيا، وهناك سمعت لأول مرة عن «الإسلام الجديد» حين أحضروا أحد الشخصيات السورية المسلمة، الذى جاء بهذا الشعار ليدعو إلى تطوير الإسلام الحالى لأنه لا يناسب العصر وهو ما سماه «نيو إسلام».. وقد غضبنا كثيرا رغم صغر أعمارنا مما سمعناه وشعرنا بالطعن فى ديننا ورفض أيضا المسئولون الموجودون معنا هذا الكلام وأعلنوا مغادرتنا فورا قبل رحيل هذا السورى، وما كان من المايسترو والقائمين على هذا المشروع سوى قيامهم بالاعتذار لنا وادعائهم عدم معرفتهم للكلام الذى قيل، ورفضهم له أيضا، وطلبوا من الرجل المغادرة فورا حتى لا نغادر ونعود إلى القاهرة.. وكانت هذه المرة هى الأخيرة التى يتم فيها مشاركتى أو يتم سفر الطلاب بشكل رسمى من خلال وزارة الثقافة، ولكنهم استمروا فى الاتصال الشخصى بالطلاب المصريين ليحضروا هذا المشروع الذى يقام سنويا، وللأسف ما زال الكثيرون يذهبون بشكل سرى وبضماناتهم الشخصية! ولكننى لم أكن أتخيل أن أسمع نفس الكلام بل أكثر شراسة وطعنا فى الدين بعدها بسنوات فى هذا البلد الأمين ودون أن نرفض أو نستهجن أو نحرك ساكنا، بل أصبح أغلب المثقفين وقادة الرأى وصفوة المجتمع يتخذون هذه الآراء قبلتهم وكأنها الوجه الآخر للتنوير، وللأسف يتفق المشككون فى نقدهم وطعنهم للإسلام ويختلف علماؤنا حتى فى اتفاقهم! لذلك أتمنى من علمائنا توحيد كلمتهم وعدم الاستهانة بتأثيرهم وأقوالهم فالحرب ليست حربهم ولكنها دول عكفت على ذلك ووضعت خططا طويلة الأمد، لتنفيذ ما أرادت فجعلونا نريد ونردد ما أرادوه، لذلك لن أمل من مطالبة أئمة الأمة الأجلاء وعلى رأسهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والشيخ الجليل الدكتور على جمعة، وعالم الحديث الدكتور أحمد عمر هاشم بالعكوف على الرد على آراء المشككين كلمة كلمة بشكل مبسط وسلس يفهمه العامة.. نريد صياغة كل الآراء المشككة فى هيئة أسئلة يتم الإجابة عنها بإجابات محددة وردود منطقية يتم مراجعتها وتدقيقها لتنشر فى الصحف ويقرأها كل من أساء الفهم، فالكثير ممن يتمسكون بدينهم ولا يقبلون التشكيك فيه بحكم فطرتهم ليس لديهم من العلم أو ربما الوقت الذى يمكنهم من البحث والرد والإقناع بالحجة، وهذا القدر من الإلحاح فى الهجوم لا يمكن أن يتبعه هذا التهوين وتجاهل الرد، وليس دائما «إماتة الباطل بالسكوت عنه».