الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إنها حقًا ليلة من ألف ليلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سعدت كثيرًا بمشاهدة المسرح القومى مجددًا بعد أن ظل مغلقًا عدة سنوات لتجديده وتطوير أنظمة الإطفاء بعد الحريق الذى ناله عام 2008، فهو مبنى أثرى ويعد أقدم المسارح المصرية، فقد أنشأه الخديو إسماعيل عام 1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس، حتى يتخصص فى المسرح الكوميدى الفرنسى، ويجاور الأوبرا القديمة التى بناها بمناسبة افتتاح القناة أيضا..ولكن أخيرًا عاد بثوبه الجديد أكثر إبهارًا بعد أن اجتمعت فيه العراقة والحداثة، لتدب فيه الروح من خلال أحد إبداعات المبدع الراحل بيرم التونسى بلغته السلسة وأشعاره الرشيقة، وهى مسرحية «ليلة من ألف ليلة وليلة» والتى قُدمت فى أربعينيات القرن الماضى كحلقات إذاعية، شارك فيها عدة مطربين هم الفنانون: كارم محمود وشهرزاد وسيد إسماعيل، ثم قدمها الفنان القدير يحيى الفخرانى عام 1994 فى مسرح الجمهورية بمشاركة الفنان على الحجار والفنانة أنغام، ليقرر إعادتها من جديد بمناسبة افتتاح المسرح القومى الذى نتمنى ألا تنطفئ أضواؤه أبدًا ويظل منارة حقيقية للفن المصرى والعالمى، وقد جاءت البداية بهذا العرض الرائع الذى أخرجه الأستاذ المبدع محسن حلمى، وتُوج باسم العملاق يحيى الفخرانى، والذى يمتلك الجمهور ببريقه وكاريزمته الطاغية فيجعل المشاهد أسيرًا له حتى بعد أن ينتهى العمل الفنى، فيترك أثره فى النفس بأدائه المعبر الذى لا ينسى، وتعبيرات صوته التى تجعله يخترق القلب ويمتلك المشاعر ليحركها كيفما شاء.. كذلك الباقة المختارة من الفنانين وعلى رأسهم الفنان المبدع لطفى لبيب الذى أبدع فى جميع أدواره وأضاف لهذا العرض بأدائه الراقى وروحه المرحة التى تثير البهجة رغم صغر دوره.. أما الفنانة الجميلة والمبدعة هبة مجدى بوجهها البرىء وضحكتها الطفولية، والتى أبدعت فى العرض غناء وتمثيلًا وأداء راقصًا، ولكنى لم أتفاجأ كالكثيرين بموهبتها الغنائية لمعرفتى بها منذ سنوات من خلال الأوبرا، فقد عرفتها كمطربة قبل أن تشتهر فى مجال التمثيل، والحمد لله أنها وجدت طريقها فيه، ولولا ذلك لكانت لا تزال فى الأوبرا التى يتفنن قياداتها فى إطفاء بريق نجومها وإخماد مواهبهمم.. أما مفاجأة العرض فكان المطرب محمد محسن بوجهه المصرى الصميم وصوته الشجى والذى فاجأنى بتمثيله المتميز وأدائه السلس وحضوره على المسرح.. ورغم بساطة القصة وعدم تعقيدها إلا أنها كأغلب هذه النوعية من المسرحيات تنقل المشاهد إلى حالة من المتعة والإشباع لا يدركها إلا من يعيشها من خلال توظيف كل عناصر العرض من موسيقى وديكور وإضاءة وملابس، فالديكور الرائع للمهندس محمد الغرباوى نقل الجمهور للأجواء الخيالية للعرض، كما تم استخدام الإضاءة بشكل يعبر عن سياق الأحداث من خلال المهندس أبوبكر شريف، أما الأزياء فأبدعتها نعيمة العجمى لتكتمل الصورة الفنية من خلال الألوان والتصميم.. أما الأغانى والموسيقى الراقية المصاحبة للعرض فهى للملحن الراحل أحمد صدقى، والتى وضعها وقام بإعدادها الموزع المبدع يحيى الموجى فجاءت معبرة عن الأحداث والشخصيات والجو النفسى، فتنقل أحيانًا البهجة وأحيانًا أخرى الشجن، كذلك أضفت الرقصات التى صممها الدكتور مجدى صابر بهجة على العرض، وإن كان قد غلب عليها طابع الأداء الحركى البسيط دون أن نرى حركات أو رقصات مبهرة، وربما كان ذلك بسبب ضيق المكان ولكنه استطاع توظيف الفنانين بشكل جيد.. وأعتقد أن الإقبال الجماهيرى الشديد، وانتظاره بالأيام لينال فرصة الحضور، وتحقيق المسرحية لأعلى الإيرادات يبطل الادعاءات التى تقال عند تلويث آذاننا وأبصارنا بالفن الردىء والذى يتحجج من يقدمه أن «الجمهور عايز كده»، فقد ثبت وعى الجمهور وعشقه وشوقه للفن الراقى، وأدعو كل من لم يحالفه الحظ حتى الآن لمشاهدة هذا العرض ألا يتكاسل فتفوته فرصة الاستمتاع بهؤلاء النجوم، فنحن جميعا نحتاج تنقية آذاننا وعيوننا من القبح الذى نراه ونسمعه حتى على شاشات التليفزيون!!..ونظرا لاستمتاعى الشديد بالعرض، لذلك لن أكتفى بمشاهدته مرة واحدة وسأحاول حضوره مجددًا كما فعلت مع مسرحية «الملك لير» والتى لم أكتف بمشاهدتها مرة واحدة بل حرصت على الاستمتاع بها عدة مرات، وفى كل مرة كانت المتعة تتضاعف، فهذا الفنان العملاق لا يكف عطاؤه وإبداعه مهما نهلنا منه، ونتمنى أن يبارك الله فى عمره ويستمر فى عطائه وإثراء الفن المصرى.. وأتمنى من كل القائمين على المسرح أن يهتموا بالدعاية والتسويق، فإذا كانت المسرحية قد حققت هذه الإيرادات رغم عدم تغير منظومة الدعاية وآلياتها فذلك بسبب اسم يحيى الفخرانى الذى يكفى لنرى حالة الشغف والنهم من الجمهور، ولكن هناك الكثير من المسرحيات الرائعة، والتى لا تنال حقها من الاهتمام ولا يراها إلا قلة قليلة، لأن الجمهور لم يسمع عنها من الأساس، وقد أحزننى كثيرًا حضورى لبعض المسرحيات الرائعة التى كانت المقاعد الفارغة فيها تزيد أحيانا على المشاهدين رغم أنها لنجوم غاية فى الإبداع وإن كانوا لم ينالوا من الشهرة ما يستحقونه.. ولكن نتمنى أن يكون هذا العرض نقطة انطلاق جديدة تقوم بتشجيع القائمين على المسرح على بذل جهد أكبر، ووضع أياديهم على مواطن الضعف الحقيقى حتى نستعيد أمجادنا الفنية بعد طول غياب.