لماذا يلجأ الرئيس أى رئيس إلى تغيير الحكومة التى تعاونه؟
يتسلم رئيس كل حكومة خطاب تكليف من الرئيس، يتضمن ما يمكن أن نعتبره طموح الرئاسة فى الرجل الذى اختارته ليكون المسئول عن تنفيذ خطط وأفكار ساكن القصر، تمر الأيام والشهور، تبدأ الحكومة عملها بمنتهى الحماس تقع فى أخطاء، تصبح صيدا سهلا للإعلام الذى لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها، ويعدها، وعندما تتحول الحكومة إلى عبء على الرئيس، يسارع إلى التخلص منها، ليس إرضاءً للشارع فقط، ولكن لأن من جاء بهم ليعاونوه أصبحوا قيدا فى رقبته.
يتسلم رئيس كل حكومة خطاب تكليف من الرئيس، يتضمن ما يمكن أن نعتبره طموح الرئاسة فى الرجل الذى اختارته ليكون المسئول عن تنفيذ خطط وأفكار ساكن القصر، تمر الأيام والشهور، تبدأ الحكومة عملها بمنتهى الحماس تقع فى أخطاء، تصبح صيدا سهلا للإعلام الذى لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها، ويعدها، وعندما تتحول الحكومة إلى عبء على الرئيس، يسارع إلى التخلص منها، ليس إرضاءً للشارع فقط، ولكن لأن من جاء بهم ليعاونوه أصبحوا قيدا فى رقبته.
فى عصر مبارك الذى امتد لما يقرب من ثلاثين عاما، كان هناك نمط من الأداء
السياسى المحبط للرأى العام، لم يكن مبارك حاكما مرنا، يستجيب للتقارير
التى تقدمها له أجهزته الأمنية والرقابية، بل على العكس تماما، كان يستعمل
كل مواهبه فى العناد، ومن بين ما يعرف عنه قوله: أنا معايا دكتوراه فى
العناد.
أذكر أننا ظللنا لعشر سنوات متواصلة نكتب عن أحد وزراء مبارك،
كشفنا فساده، وإهداره للمال العام، وإغواءه للمسئولين الآخرين فى الدولة،
فلم يكتف بفساده، بل حول عددا كبيرا من مسئولى الدولة إلى فاسدين، فالفاسد
لا يمكن أن يعيش وحده.
لم يصمت هذا الوزير، ذهب بالصحفيين إلى مكتب
النائب العام– كنت واحدا منهم– كان يصر على إخراس الجميع، ولأنه يعرف بطحات
جميع المسئولين، لم يخش شيئا، تحدى، وبقى لسنوات طويلة، يعرف الجميع أنه
فاسد، تكتب الجهات الأمنية والرقابية عن مخالفاته، وعن كراهية الناس له،
ومع مطالبات لا تنقطع بإخراجه من وزارته، إلا أن مبارك كان يتمسك به، بل
قالت زوجة الرئيس وقتها إنها تتمنى لو أن كل الوزراء فى إخلاصه ووفائه
وتفانيه، وبالطبع كانت صادقة فقد كان الوزير مخلصا للرئيس وعائلته فقط.
كان عند مبارك هو السبب فى قصم ظهره، كان يمكنه أن يتفادى ما جرى له فى 25 يناير وما لحقها ولاحقها من أحداث، لكنه كان يأتى كل مرة متأخرا، ولذلك لم يسمع له أحد، ولم يقتنع بما أراده أحد، لأن الأحداث كانت تتجاوزه.
لم
يشبه محمد مرسى مبارك فى شىء، اللهم إلا فى عنده، أعرف أنه كان هناك فارق
جوهرى بينهما، فمبارك كان حرًا طليقًا، عنده كان قناعة خاصة به وحده، أما
مرسى فكان عنده مدعوما بعند جماعة خططت لاختطاف البلد، وسارعت فى تنفيذ ما
أرادت.
كانت هناك طلبات محددة من محمد مرسى، بتعديل بعض المواد فى الدستور، وتغيير النائب العام الذى تم تعيينه بالمخالفة لكل القوانين والأعراف، وإبعاد بعض الوزراء الذين لم يكونوا على قدر المسئولية ولا المنصب، وأن يعلن أنه رئيس لكل المصريين، وليس مجرد مندوب لجماعته فى قصر الاتحادية.
رفض مرسى كل ما عرض عليه، ورفضت جماعته أى محاولة لتطويعه، وكان الطبيعى أن يسقط تحت أقدام الشعب بلا رحمة.
فى تجربة عبدالفتاح السيسى، الأمر يختلف كثيرا، فهو ليس عنيدا على الإطلاق، بل أكثر مرونة مما تسمح به طبيعته العسكرية، وهذا كلام لن أقوله على إطلاقه، بل له ما يؤكده وعليه ما يؤيده.
كانت السقطة التى وقع فيها
وزير العدل السابق محفوظ صابر كبيرة، فى حوار تليفزيونى صرح بما يرى هو أنه
صحيح، قال: «إنه لا يمكن لابن الزبال أن يكون قاضيا».
قامت الدنيا ولم
تقعد على الوزير، كان ما قاله عنصريا ومهنيا وطبقيا جدا، لم يناقش أحد
منطقه، ولم يسمح له أحد بالدفاع عن نفسه، زادت المطالبات بأن يتم إقصاؤه،
فالوزير الذى يهين المصريين بهذه الطريقة ليس من العدل أن يبقى وزيرًا
للعدل.
بعدد ساعات قليلة من انفجار حرب الاعتراض على وزير العدل، صدر
قرار من الرئيس السيسى بإقالته، وكانت هناك معانى كثيرة للقرار، أعتقد أن
كثيرين لم يلتفتوا لها ومن بينها:
أولاً: الرئيس ليس بمعزل أبدا عما
يحدث فى الشارع، بل هو على دراية كاملة بما يحدث، وما يردده الناس يلقى
لديه صدى، فقد انتهى عصر الآذان فى مالطا، وهو العصر الذى كان يشعر فيه
المصريون أنهم فى واد والرئيس فى واد آخر تماما، بل كان هناك يقين بأن
الرئيس لا يعرف شيئا عن شعبه من الأساس.
ثانياً: انتهى العصر الذى كان
فيه الرأى العام بلا قيمة، لقد شهدنا قضايا كثيرة، مطالبات الناس فيها كانت
واضحة، ما يريدونه كان محددا، لكن كانت هناك حالة من التجاهل مريبة، وكأن
النظام يبنى شرعيته على مخالفة شعبه، أو أن هناك من أقنعه أنه إذا استجبت
للناس مرة، فلن تستطيع أن تحكمهم بعد ذلك.
ثالثاً: طلب الرئيس تقارير
سريعة عن رد فعل الناس على تصريحات وزير العدل، ولما وصلته التقارير، وتأكد
أن الأمر يتجاوز خط عابر لوزير يمكن التجاوز عنه، إلى إهانة كاملة
للمصريين، قرر أن يخرج الوزير من منصبه تاكيدًا على أنه رئيس لكل المصريين،
ولا يقبل أبدا أن يهان شعبه تحت سمعه وبصره.
رابعاً: كان يمكن للسيسى
ببساطة شديدة أن يتصرف مثل سابقيه، أن يقرأ التقارير التى وصلته، ثم يضعها
فى درج مكتبه، وهو على ثقة أن الناس سرعان ما ستنسى ما جرى، بعد أن تكون
بدأت فى حديث آخر عن أزمة أخرى، لكنه توقف أمام ما جرى، وأكد معنى جديدا،
كان مفاجئا لكثيرين، وهو أن كرامة المواطن من كرامة رئيسه.
****
تراكمت
كل هذه المعانى أمامى وأنا أراقب تصرف السيسى فى أزمة حكومة «محلب» التى
تفجرت بعد أن تسربت أخبار تورط وزير الزراعة السابق فى قضية فساد، لن أقول
هى الأكبر فى وزارة الزراعة، وذلك لسبب بسيط وهو أن كل قضايا فساد وزارة
الزراعة كبيرة.
لم نكن أمام زلة لسان من وزير، ففى النهاية وزير العدل
كان يعبر عن ثقافته وعن قناعته التى لا تزال راسخة عند الكثيرين، ولكننا
أمام قضية فساد متورط فيها وزير، ويتردد أن آخرين متورطون أيضا فيها، وكان
الانتظار تحديدا لما سوف يفعله الرئيس.
لقد تعبنا من مراقبة الرؤساء الذين يعتبرون أن من
يختارونهم من وزراء هم رجالهم، الذين إذا فشلوا فمعناه أن الرئيس فشل فى
الاختيار، مع أن المسألة بسيطة جدا، فإذا اختار الرئيس وزيرا وبان فشله،
ففشله على نفسه وليس على الرئيس، والعبرة بهل يتمسك به الرئيس أم يتخلص منه
على الفور؟
لم يخيب السيسى أمل أحد فيه، كان حاسما فيما يتعلق
بأمر الوزارة التى أصبحت عبئا عليه، طلب من محلب أن يتقدم باستقالته، رغم
أنه ذهب إليه طمعا فى أن يحميه هو ووزراءه من الإعلام، كانت التقارير
الرقابية قد سبقت محلب، قرأها السيسى، تأكد أن هذه الحكومة لن يمكن أن
تبقى، فأخذ قراره على الفور.
****
لا يمكن أن نعفى الرئيس السيسى من
مسئولية الاختيارات التى يتضح بعد ذلك أنها فاشلة، فهو رجل معلومات، ثم
إننا لم نصل إلى الدرجة التى لا يتدخل فيها الرئيس فى التشكيل الحكومى، حتى
لو قالوا غير ذلك، وعليه فهو مسئول أيضا عمن جاءوا فى حكومة إبراهيم محلب،
ومن جاءوا فى حكومة شريف إسماعيل.
لكن السؤال الذى أعتقد أن الإجابة
عليه واجبة الآن هو: هل يقوم الفريق الذى يعمل مع الرئيس بواجبه، سواء من
المستشارين أو الأجهزة الأمنية والرقابية التى يقع على كتفيها عبء جمع
المعلومات عن الوزراء والمعاونين للرئيس.
أعتقد أن عيوبا كثيرة تطارد عمل هذه الأجهزة، ولو لم تكن هناك عيوب لما وقعنا فى فخ وزراء ليسوا على قدر المسئولية.
أعرف
أنه من الصعب أن يُقال وزير بعد يومين من تعيينه، فلو حدث هذا فلن نكون
أمام دولة، ولكن من الصعب أيضا أن نتحمل وجود وزراء فى سجلهم ما يعيبهم.
لقد
احتج البعض على استقبال الإعلام العنيف لبعض الوزراء، قيل إن هذا
الاستقبال كان محبطا لهم، وأنهم لن يجيدوا العمل فى ظل الإحباط، هذا منطق
معوج بالطبع، ومن الأفضل ألا نناقشه، لكن اللافت للانتباه هنا، أن وسائل
الإعلام بمختلف مستوياتها وتوجهاتها، استطاعت أن تحصل على معلومات مهمة عن
وزراء شريف إسماعيل، كل معلومة فيها قادرة بمفردها على أن تحول بين صاحبها
وبين الوزارة، فهل عجزت الأجهزة عن الحصول على هذه المعلومات، أم أنها
تعرفها ولها وجهة نظر أخرى.
صحيح أننا لا نعرف كثيرا مما يدور فى
الكواليس، وهناك أشياء كثيرة فى مصر، لا تستطيع أن تحسمها أو تصل فيها إلى
رأى قاطع، لكن هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى أن منظومة اختيار الوزراء فى
مصر معيبة، وليس منطقيا أن نتحمل مزيدا من العبث.
يمكن أن تقول إن
الأخطاء واردة.. وهو كلام صحيح إلى درجة كبيرة، لكن يمكننا أن نقلل الأخطاء
إلى أقصى درجة، فأنا لا أتحدث عن نسبة الأخطاء المعقولة أو المحتملة،
ولكننى أشير إلى حالة الفوضى التى تنتاب المعلومات فى مصر، وهى حالة وصلت
إلى درجة أن الأجهزة المعنية بالمعلومات أصبحت غير قادرة على أن تصل
لمعلومات دقيقة وصحيحة عن معاونى الرئيس، وهو ما يجعلنا نشعر بالخطر.. أم
أنكم لا ترون فيما أقوله خطرًا؟