اضطررت هذا الأسبوع للسفر إلى بلدتى التابعة لمدينة دسوق محافظة كفرالشيخ، وذلك بغرض تقسيم الأرض الزراعية التى ورثتها عن أبى رحمه الله، ومنذ زمن بعيد لم أجالس الفلاح وأستمع إليه وكانت لقاءاتى تقتصر دوما على السلام والترحاب والسؤال عن الأحوال، أما هذه المرة فقد جالست مجموعة من الفلاحين وذهبنا سويا إلى الجمعية الزراعية لقرية كفر مجر.
وأنصت كثيرا إلى المشاكل الجمة التى يعانى منها الفلاح المصرى والتى سيعود صداها علينا جميعا إذ لم تنتبه الحكومة إلى ضرورة حل هذه المشكلات فى أسرع وقت، ودعونى أبدأ بالملاحظة التى استرعت انتباهى وهى أن الفلاحين الذين يهتمون بشئون الأرض أصبحوا قلة وكلهم تقريبا من جيل الآباء، أما الشباب فقد هجروا الأرض إلى الوظيفة، ولما سألت عن هذا قيل لى إن الوظيفة سواء كانت حكومية أو خاصة تدر دخلا لا يقل عن الألف جنيه فى الشهر الواحد بينما محصول الأرض لا يمكن أن يعطه هذا المبلغ، وهذه المشكلة نبعت من تفتيت الأرض نتيجة الميراث، فإذا كانت أرض الجد تبلغ خمسة فدادين فإن كل حفيد لا يملك إلا أسهما أو قيراطا واحدا وهكذا أصبحت الأرض بلا جدوى ثم إن زراعتها أصبحت مكلفة للغاية وعائدها غير محفز للشباب، ومن ثم هجروا الفلاحة وتركوها لكبار السن فقط وضحك أحدهم وهو يقول: أهى بتسلينا ورايح فين رايح الغيط وجاى منين جاى من الغيط، ولما رأيت معظم الأراضى التى كانت مزروعة بالأرز محروقة قالوا لى لا توجد عمالة لجمع الأرز وإذا وجدت فهى مكلفة للغاية ولذا لجأنا إلى الميكنة وبالفعل تأتى الماكينة لجمع الأرز لكن هذه الماكينة تترك الجذور فى الأرض، فكيف لنا أن نتخلص منها إلا بالحريق، ثم ماذا نفعل بهذا الكم الهائل من قش الأرز؟ إن أحدًا لا يشتريه اليوم والمصانع التى كانت تعتمد على إعادة تصنيعه كعلف للماشية أو خشب أغلقت أبوابها بعدما فتح باب الاستيراد من الخارج لمثل هذه الأشياء بحجة أنها أقل ثمنا وأكثر جودة وباتت مشكلة قش الأرز المتراكم عند الفلاح بلا حل حتى قرر التخلص منه بالحرق وقيل إن وزارة الزراعة وزعت على الجمعيات الزراعية مادة كيميائية للتخلص من القش وذلك تجنبا لآثار الحرائق التى تأتى للقاهرة بالسحابة السوداء وتسبب الاختناق لأبناء الأمة كلهم ولكن هذه المادة على أرض الواقع غير موجودة أو هى لا تكفى لسد الاحتياجات، وإذا سألت عنها بداخل الجمعيات الصغيرة قيل لك: الوزير بيتكلم عن المادة دى فى التليفزيون وأحنا ماشفنهاش ولا نعرف عنها حاجة، ومما استرعى انتباهى أيضا أن المساحات المزروعة بالبرسيم قد قلت هذا العام بشكل ملحوظ وعرفت أن السبب يكمن فى بيع الفلاح للماشية لأن الأمراض التى تلاحقها أصبحت كثيرة والطبيب البيطرى يعجز عن تشخيص الحالة وأغلب الجاموس البلدى يتعرض للموت بعدما يصاب بالمرض أو يتناول الأدوية التى يقررها البيطرى والتى أصبحت غالية الثمن أيضًا وضحك أحدهم وهو يقول لى: هو إحنا هانعالج عيالنا ولا البهايم، وسمعت أرقام مفزعة للأدوية الخاصة بالماشية التى تسبب ندرتها فى غلاء ثمن اللحوم، ومن هنا فإن الإقبال على شراء محصول البرسيم أصبح ضعيفاً، وقد توصلت فى نهاية زيارتى إلى أن حل مشكلات الفلاح المصرى تحتاج إلى نزول المسئول إليهم والسماع لأصواتهم، أما البقاء فى المكاتب المكيفة واتخاذ القرارات الفوقية فإنها ستؤدى إلى كارثة حقيقية، وفى الوقت الذى يطمح فيه الرئيس السيسى إلى زيادة الرقعة الزراعية ويتبنى مشروع المليون فدان فإن الأرض المزروعة من أيام الفراعنة ومن عهد محمد على تتعرض للخطر والذى لا يكمن فقط فى البناء عليها بل الأخطر من ذلك هو هجر الفلاح للأرض وعدم دعم المبيدات والتقاوى والأسمدة والأدوية البيطرية.. انتبهوا أيها السادة استمعوا للفلاح قبل فوات الأوان.