الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

طظ فى الرقيب (10)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولكنه هو الذى اتصل بى بعد سنوات يعتب على سخريتى من أغنيته التى قال فيها (تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية..دى ما هيش أمانى وكلام أغاني) كانت النكسة- كما تسمى- قد وقعت ومع ذلك خجلت منه وسوف أورد الموقف فى ترتيبه الزمني.
لكنى أتوقف لحظة فقد نسيت ذكر أن انشغالى بالقراءة وكتابة القصص والمسرحيات ومشاهدتها كان طبيعيا أن يتكرر رسوبى بالقسم العلمى معه، ولم أكن أقفز من سور المدرسة كغيرى بعد الحصة الأولى بل أقف أمام المدرسة وأدعو الزملاء لنذهب لمقهى أو سينما أو حديقة لخجلى أن يرانى المارة الغرباء! ولما تكرر رسوبى صرخ أبى فى وجهى بغضب (اخرج من بيتي). ولم ينتبه لعنادى الذى ورثته عنه وعن أمي، فخرجت فورا، حتى لا أعيش عامين فى جو من الرقابة اليومية. وعدت لمنزل أمى وهناك شعرت بالحرية ثانية.
كنت قد أدركت مبكرا أن بى شيئا مختلفا لم أكن أعرف معنى الاسم لكن هذا لم يجعلنى أكرهه. بل كرهت تدخل الناس فى أمر لا يخصهم. وكان بعضهم ينادينى بالرملى كأنه فرض رقابة على اسمى الأول فشطبه طلبا للسلامة، وقررت ألا أغير اسمى وهو حقي. وقلت بعناد فليكن ما يكون.لم يكن موقفى إعجابا بشخص لينين الروسي. لكن كان موقفا وجوديا منى ربما بتأثير كتابات سارتر الذى كنت قد بدأت بقراءته بعد ما كنت أرفضه.
وهكذا مضيت أكتب متجاهلا الرقابة. فلا معنى أن تكتب عملا فنيا بعد معاناة لتضعه فى الدرج. فالإبداع ليس عملا سياسيا. ولا توجد عندنا حياة سياسية أصلا غير ما يفرضه الزعيم. ولست من السذاجة لأكتب ما يسىء لنظام الرئيس. ومن يتربصون بى لن ينجحوا فى الاستمرار فى اضطهادى . وبالتالى علىّ أن أركز فى عملى من الناحية الفكرية. فحتى لو كان عندى الحرية المطلقة فلن أكتب شيئا كالمنشورات والخطب، ثم إن السياسة متقلبة وزائلة وتضعنى فى شرك، بينما الإبداع هو الباقى وربما أغير أنا نفسى بعض أفكاري. لكنى عن طريق الفن أستطيع توصيل الأفكار والمعانى التى أريد إيصالها وأضمن تقريبا أن تظل متوهجة حتى بعد انقضاء الظروف التى كتبت فيها! ألسنا نقرأ حتى الآن ألوف الروايات والمسرحيات التى انتهى زمانها والأفكار الفلسفية، كما نعجب باللوحات والتماثيل والموسيقى بعد مئات السنين وما زالت تلهمنا؟.
هكذا قررت وقلت طظ فى الرقيب فسوف أحاوره. وأصل إلى ما أريده رغم أنفه. وحتى اليوم بعد مرور عشرات السنين لا أعبأ بما يقوله بعض أصدقائى من النقاد والمحبين لأعمالي، بأنى أكتب أعمالا سياسية وأضحك بصدق فى وجوههم فهم أحرار. ببنما أنا أفكر فى الصورة العامة. حريصا فى معظم أعمالى أن يمكن عرضها بعد مرور الزمن على قدر المستطاع.
وجعلنى التحدى أودع اليأس ولو إلى حد ما. وافترضت أننى سأنجح رغم أى معوقات. وعاهدت نفسى ألا أتوقف أبدا سواء فشلت أو نجحت.وبشرط تجاهل هذا أو ذاك فرغم الفشل سأكون قد أرضيت نفسى وشعرت بالاحترام لذاتى وهو المطلوب. وفى حالة النجاح يجب على أن أتجاوزه لغيره بسرعة وأنساه لأفكر فى أعمال جديدة من كل نوع وكأنى أحتفظ بها لترى النور ولو بعد وقت.
كنت قد حولت من القسم العلمى إلى الأدبى وواظبت على الدراسة وأنا أواصل كتابة القصص القصيرة والطويلة والمسرحيات ومزاولة الرسم مساء فى القسم الخاص الليلى فى كلية الفنون الجميلة وسماع الموسيقى الكلاسيكية وبدأت أخطط لكتابة سيناريوهات لتمثيليات تليفزيونية.
ونجحت أخيرا فى الثانوية العامة. وقدمت أوراقى للالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية قسم النقد وأدب المسرح ولم أختر غيره واثقا من نجاحى فى اختباراته، وبالفعل ملئت أوراق الإجابة عن آخرها. وظهرت النتيجة فذهبت للمعهد ووقفت أمام كشف الناجحين فكان به أربعين اسما.ولكنى لم أجد اسمى بين الناجحين. عدت أراجع الكشف مرات فلم أجده. وشعرت بالأرض تدور بى، لأن ذلك كان يعنى أن أنتظر للعام التالى لأقدم أوراقى لكلية أخرى!. ومشيت خارجا بتثاقل وأنا فى حالة من الذهول واليأس والسخط على هذا المجتمع الذى يضطهدنى بسبب اسمى أو بسبب تاريخ أبى، وثائرا على نفسى أيضا لأن غرورى جعلنى أتوهم أن نجاحى سيكون سهلا بل سأكون أول الناجحين. كانت لحظة فارقة بالنسبة لى وأظلمت الدنيا أمامي.