فى مطلع أربعينيات القرن الماضى شرع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى أولى خطوات تطبيق مقولته الشهيرة «التعليم كالماء والهواء وهو حق طبيعى لكل الناس»، وذلك عبر برنامج لمجانية التعليم أطلقه بمشاركة وزير المعارف حينها دكتور أحمد نجيب الهلالى، وصدقت الحكومة فى عام 1943 على البرنامج المقترح.
وفى يناير عام 1950 اشترط لقبوله حقيبة المعارف على رئيس الحكومة وقتها زعيم الأمة مصطفى باشا النحاس إعلان استكمال خطة مجانية التعليم.
لم يخطر ببال عميد الأدب العربى أن اختلال منظومة القيم سيجعل التعليم سببا رئيسيا من أسباب تكريس الفساد الأخلاقى والقيمى على نحو يجعلنا نتعاطى معه يومياً كالماء والهواء.
فى قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة برز اسم محيى قدح مدير مكتب الوزير الشاب الذى لم يبرح الـ ٣٥ من عمره، وقليل من التأمل يكشف أن قدح نتاج هذه البنية التعليمية الفاسدة؛ فشأنه شأن أقرانه نشأ وتربى على أن الدرس الخصوصى لدى مدرس الفصل شرط لنجاحه وحساب أعمال السنة.
أى أنه يدفع ثمن الدروس الخصوصية كرشوة مقنعة لمعلمه والكل من حوله وولي أمره والمدرسة موافق على هذه الرشوة.
نهاية الأسبوع الماضى قرر محافظ كفر الشيخ إحالة 20 مدرسا بمدرسة الحامول الثانوية إلى النيابة الإدارية وأوقفهم عن العمل لثلاثة أشهر وحرمانهم من أعمال الامتحانات لمدة خمس سنوات.
التهمة تلقى بعض المدرسين رشاوى كشرط لنجاح طلاب النقل فى الثانوية العامة تبدأ بمائة جنيه فى الدور الأول وترتفع إلى مائتى جنيه فى الدور الثانى. الجديد هو أن الواقعة موثقة هذه المرة، لكن من منكم أعزائى القراء لم يشكو مع بداية كل عام دراسى من الدروس المفروضة على أبنائهم من قبل مدرسى الفصول تحت وطأة إرهاب سيف أعمال السنة، ومن منكم جرؤ على الامتناع عن دفع هذه الرشوة المقنعة.
كلنا فى الهم سواء نربى أبناءنا على أن الرشوة السبيل الأسهل والأيسر لأخذ الحق، فلماذا نغضب إذن، عندما يفسد أحدهم وهو فى موقع السلطة، «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا»، أى معلم اليوم نقوم له احتراماً ونوفيه حقه من التبجيل؛ وهو يعرض نفسه على تلاميذه الصغار كمرتش رخيص ليهدم فى وجدانهم قيمة المدرسة، وأى ولى أمر مؤتمن على أبنائه وهو يغرس بداخلهم الرشوة كأسلوب حياة.
خارج منظومة التعليم حدث عن الفساد ولا حرج، وقد صرنا نتنفسه كالهواء ونشربه كظمأى، فى كل مصلحة حكومية اتفقنا على دفع الرشوة بمسميات مختلفة «الشاي- الحلاوة- العيدية- الواجب» إلى ذلك من المسميات ذات الدلالات المنحطة، حتى أكشاك ومنافذ بيع اللحوم منخفضة السعر التى توفرها الدولة بات علينا دفع «20 جنيه شاى» على الأقل حتى نضمن قطعية صالحة للاستهلاك الآدمى، وبدون الحلاوة لن تجد إلا الدهن والشغت والفاسد من اللحم.
ارتضينا الرشوة كقيمة فى ممارستنا للحياة، ومع ذلك نصيح ونصرخ من العمارات المخالفة والبنية التحتية المهترئة وتدهور مستوى الخدمات الصحية إلخ إلخ.
فوق ذلك نعاير الحكومة بوزرائها وموظفيها الفاسدين، بينما هم فى الواقع ليسوا إلا نتاجا لأسلوب التنشئة الذى ارتضيناه جميعاً.
وكأننا صرنا مجتمعا من المنافقين والمرائين الذين يتأففون من رائحة الفساد، بينما هم غارقون فى مستنقعه سكارى حتى الثمالة بمائه العفن.
لن يكون مستقبل لمجتمعنا حتى يتعافى من إدمان الفساد، وظنى أن الحكومة معنية ببناء مصحة لنا جميعا ركيزتها وزراء التعليم والتعليم العالى والثقافة، ولا نعول على الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف؛ فالخطاب الدينى الذى يُبث لا يواجه الفساد، بل يكاد لا يحرمه؛ فقبل سنوات صدرت فتوى تجيز للراشى دفع الرشوة لأخذ حقه غير معتدٍ على حق غيره.
على الحكومة أن تُفعّل دور كل الأجهزة الرقابية وتلاحق المرتشى الصغير قبل الكبير، فالأمر يحتاج إلى عملية كبيرة ومستمرة لهدم البنية الأساسية لقلعة الفساد.
وفى يناير عام 1950 اشترط لقبوله حقيبة المعارف على رئيس الحكومة وقتها زعيم الأمة مصطفى باشا النحاس إعلان استكمال خطة مجانية التعليم.
لم يخطر ببال عميد الأدب العربى أن اختلال منظومة القيم سيجعل التعليم سببا رئيسيا من أسباب تكريس الفساد الأخلاقى والقيمى على نحو يجعلنا نتعاطى معه يومياً كالماء والهواء.
فى قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة برز اسم محيى قدح مدير مكتب الوزير الشاب الذى لم يبرح الـ ٣٥ من عمره، وقليل من التأمل يكشف أن قدح نتاج هذه البنية التعليمية الفاسدة؛ فشأنه شأن أقرانه نشأ وتربى على أن الدرس الخصوصى لدى مدرس الفصل شرط لنجاحه وحساب أعمال السنة.
أى أنه يدفع ثمن الدروس الخصوصية كرشوة مقنعة لمعلمه والكل من حوله وولي أمره والمدرسة موافق على هذه الرشوة.
نهاية الأسبوع الماضى قرر محافظ كفر الشيخ إحالة 20 مدرسا بمدرسة الحامول الثانوية إلى النيابة الإدارية وأوقفهم عن العمل لثلاثة أشهر وحرمانهم من أعمال الامتحانات لمدة خمس سنوات.
التهمة تلقى بعض المدرسين رشاوى كشرط لنجاح طلاب النقل فى الثانوية العامة تبدأ بمائة جنيه فى الدور الأول وترتفع إلى مائتى جنيه فى الدور الثانى. الجديد هو أن الواقعة موثقة هذه المرة، لكن من منكم أعزائى القراء لم يشكو مع بداية كل عام دراسى من الدروس المفروضة على أبنائهم من قبل مدرسى الفصول تحت وطأة إرهاب سيف أعمال السنة، ومن منكم جرؤ على الامتناع عن دفع هذه الرشوة المقنعة.
كلنا فى الهم سواء نربى أبناءنا على أن الرشوة السبيل الأسهل والأيسر لأخذ الحق، فلماذا نغضب إذن، عندما يفسد أحدهم وهو فى موقع السلطة، «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا»، أى معلم اليوم نقوم له احتراماً ونوفيه حقه من التبجيل؛ وهو يعرض نفسه على تلاميذه الصغار كمرتش رخيص ليهدم فى وجدانهم قيمة المدرسة، وأى ولى أمر مؤتمن على أبنائه وهو يغرس بداخلهم الرشوة كأسلوب حياة.
خارج منظومة التعليم حدث عن الفساد ولا حرج، وقد صرنا نتنفسه كالهواء ونشربه كظمأى، فى كل مصلحة حكومية اتفقنا على دفع الرشوة بمسميات مختلفة «الشاي- الحلاوة- العيدية- الواجب» إلى ذلك من المسميات ذات الدلالات المنحطة، حتى أكشاك ومنافذ بيع اللحوم منخفضة السعر التى توفرها الدولة بات علينا دفع «20 جنيه شاى» على الأقل حتى نضمن قطعية صالحة للاستهلاك الآدمى، وبدون الحلاوة لن تجد إلا الدهن والشغت والفاسد من اللحم.
ارتضينا الرشوة كقيمة فى ممارستنا للحياة، ومع ذلك نصيح ونصرخ من العمارات المخالفة والبنية التحتية المهترئة وتدهور مستوى الخدمات الصحية إلخ إلخ.
فوق ذلك نعاير الحكومة بوزرائها وموظفيها الفاسدين، بينما هم فى الواقع ليسوا إلا نتاجا لأسلوب التنشئة الذى ارتضيناه جميعاً.
وكأننا صرنا مجتمعا من المنافقين والمرائين الذين يتأففون من رائحة الفساد، بينما هم غارقون فى مستنقعه سكارى حتى الثمالة بمائه العفن.
لن يكون مستقبل لمجتمعنا حتى يتعافى من إدمان الفساد، وظنى أن الحكومة معنية ببناء مصحة لنا جميعا ركيزتها وزراء التعليم والتعليم العالى والثقافة، ولا نعول على الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف؛ فالخطاب الدينى الذى يُبث لا يواجه الفساد، بل يكاد لا يحرمه؛ فقبل سنوات صدرت فتوى تجيز للراشى دفع الرشوة لأخذ حقه غير معتدٍ على حق غيره.
على الحكومة أن تُفعّل دور كل الأجهزة الرقابية وتلاحق المرتشى الصغير قبل الكبير، فالأمر يحتاج إلى عملية كبيرة ومستمرة لهدم البنية الأساسية لقلعة الفساد.