الترهل الذى عانت منه مفاصل المؤسسة الحاكمة عبر عشرات السنين الماضية قد يكون دافعا منطقيا يبرر سلبية المواطن والتعامل معها على طريقة «اذهب أنت وربك فقاتلا.. إنا هاهنا قاعدون».. حتى تقطعت حبال الثقة كليا بين الطرفين، لكن مع المظاهر الإيجابية التى أفرزتها ثورتان انفجر سيل المطالبات والمراجعات من طرف واحد، وكأن الكل دوره اقتصر على الحشد والهتاف فى الميادين بعيدا عن ترجمة هذا الإنجاز الثورى إلى مشاركة فعلية بعد إحداث التغيير.
رغم كل الجهود الإيجابية الصادرة عن مؤسسة الرئاسة التى تهدف إلى التواصل والمشاركة مع مختلف شرائح المجتمع بعد ثورة ٣٠ يونيو.
أبرز الأمثلة الصارخة التى تصدت آراء عديدة لمحاولة إيجاد تفسير لها موقف الشباب الذى يمثل الشريحة العمرية الأعلى فى المجتمع، كل مشاعر التجاهل والإحباط حتى الغضب - أحاطها التعاطف العام سابقا فى أجواء خانقة لم تبق للشباب بارقة أمل فى المشاركة أو حتى فى فتح آفاق لتطوير وعى الشباب السياسى تمهيدا لدورهم القيادى فى المستقبل، اتخاذ سلاح السلبية فى الماضى كنوع من رد الفعل الصامت الذى يمثل عقاب الشباب للنظام الحاكم لم تعد له نفس الجدوى بعد كل التغييرات التى بدأت مصر تشهدها منذ عامين، هى حقائق لا أحد يجرؤ على إنكارها سوى جماعة «عبيد البنا»، جسور الثقة التى تسعى مؤسسة الرئاسة إلى بنائها مع الشباب عبر خطوات جادة نقلت مشاعر التعاطف مع جيل أهملت المؤسسات السابقة خلق مجالات لتوظيف طاقاته وإعداده للمستقبل.. حتى سلمته تارة إلى الإرهاب وتارة أخرى إلى الممارسة العشوائية فى السياسة.
العزوف عن المشاركة فى صنع العملية السياسية والتصويت فى الانتخابات - بكل السلبيات التى كانت تحكمها - قد يكون مفهوما فى إطار افتقاد المصداقية وتلاشى الفروق بين المشاركة والمقاطعة نتيجة اليأس من إحداث أى تغيير.. إلاّ أنه من المؤكد سيتحول إلى اتهام يدين الشباب بالسلبية إذا ما عجزوا عن إثبات تفاعلهم مع كل الضمانات والمبادرات التى تقدمها مؤسسة الرئاسة منذ بدأت تقليم أظافر الفساد والنفاق، ما يؤكد جديتها فى خلق مناخ سياسى شفاف يحتل فيه الشباب المشهد الرئيسى.
التزامن بين إطلاق مشروع البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة مع اقتراب بدء العام الدراسى بالجامعات رسالة مضيئة فى انتظار أن يتسلمها الشباب بوعى خصوصا أنه على مدى العامين الماضيين لم تنقطع المحاولات الشرسة من «بلطجية البنا» لإعاقة الدراسة فى الجامعات بكل الوسائل.. وهو أمر لا يشكل مفاجأة علما أن حسن البنا بدأ نشر سيطرة دعوته على الجامعات منذ فترة تكوين الجماعة، نتيجة هذه الممارسات الخائبة انعكست على حرية ممارسة العمل السياسى وباقى الأنشطة داخل الجامعات، ما يؤكد أهمية فتح مجالات بديلة أمام الشباب بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية سواء مؤيدين أو معارضين بعدما عجزت الأحزاب عن استقطاب الجيل القادم بما يعزز خلق قاعدة شعبية لها فى المستقبل، الحرب على الفساد ثم إطلاق برنامج تأهيل القادة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وبدء العام الدراسى فرص على طبق من ذهب مقدمة للشباب فى انتظار استثمارها بالشكل الأمثل.
مثال آخر لمشهد يتكرر -رغم خروجه عن سياق التعاطف الشعبى خصوصا بعدما لمس الشارع خلال عامين عدة متغيرات كان لها صدى إيجابى هى تجمعات المطالب الفئوية، لا أحد ينكر حق مطالبة كل فئة تحسين أحوالها المالية شرط اقتران هذه المطالبة بالفطنة والشعور بالانتماء إلى الكل وليس إلى جزئية الطائفة فقط.. خصوصا أنه فى المقابل يدرك الرأى العام تماما مدى صعوبة الوضع الاقتصادى فى إطار توقف عجلة الإنتاج وتأثر الموارد الاقتصادية خلال الأربعة أعوام الماضية بالتالى خروج مجموعات من كل فئة لتطالب بحقها الخاص فى إطار أزمة عامة تسعى مصر إلى اجتيازها لا يندرج ضمن الحلول المجدية لمعالجة الأزمة الاقتصادية التى طالت جميع فئات المجتمع، للأسف غفل أصحاب هذه الوقفات عن التقاط بارقة الأمل التى تمثل أول خطوة فى المسار نحو استعادة حقوقهم.. مع إطلاق الحرب على الفساد واختيار الرئاسة البدء باقتلاع «رءوس الفسادالكبيرة» - تأكيدا لجدية موقفها- فى رسائل صارمة إلى صغار الفاسدين، تفكيك منظومة الفساد بكل أذرعها المتشابكة فى القطاعين العام والخاص يسهم فى غلق الباب أمام عدة ممارسات فاسدة مهما تنوعت المسميات، كانت تستنزف موارد هذه المؤسسات وتؤكد بالدليل الملموس لأصحاب المطالب الفئوية أن حقوقهم لن تذهب إلى رصيد المسئول الفاسد.