بعيدا عن "الهرى" الفيسبوكى العقيم، الذى أراه اكبر قاتل
للسياسة، وأهم دافع لعدم انشغال الناس بالشأن العام، بعدما تحول إلى محاكم تفتيش
مستمرة وساحات للمبارزات الكوميدية حول الوزراء وملابسهم وطريقه حديثهم، فالمسئول
المصري اما فاسد أو فاشل لحين اشعار آخر، وفى تجربة حكومة شريف اسماعيل ظهر الخوف
كمتغير مؤثر لدى العديد من الشخصيات المحترمة والقادرة التي فضلت الإحجام عن
المشاركة خشية التعرض لعمليات الحرق الإعلامي بعدما تصاعد الدخان من عشرات
الشخصيات التي قادتها أقدارها لمذابح المنصب الحكومي
الجديد ان حكومة شريف اسماعيل كسر واحد من "تابوهات" العمل
العام في مصر بعد ثورة يوليو 1952، والتي جسدتها مقوله عادل إمام في فيلم طيور الظلام" اللى بيخرج فى البلد دى مابيرجعش تانى"، وجسد خلالها الكاتب الكبير
وحيد حامد رؤيته لملمح قطع العلاقة بين النظام وبين الخارجون منه، ونهاية أي دور
للخارجين فى المستقبل، وهو ما كسرته الوزارة فلقد عاد هشام زعزوع لوزارة السياحة
ومفاجأة المفاجآت عودة أحمد ذكى بدر وزير التعليم في وزارة نظيف التي قامت ضدها
مظاهرات 25 يناير إلى الوزارة لملف التنمية المحلية .
لا أحد يعلم على وجه اليقين من وضع هذه القاعدة عند التشكيلات
الوزارية، بل إن من يخرج دائما يكون وراء الخروج أسباب تضمن عدم التفكير فيه مرة
اخرى، بل ان الخروج فى بعض الاحيان كان السبب فى السجن، حتى أن أحمد كمال أبوالمجد وزير الإعلام الأسبق كان له تعليق لافت حيث وصف المسافة بين مقعد الوزارة
وزنزانة سجن طرة بأنها أقل من متر واحد .
هذا المتغير الجديد سيعطى للسياسة المصرية زخما جديدا وسيعطى فرصا
جديده في العمل السياسي وقد يمتد النموذج الجديد إلى خروج الرئيس نفسه بعد انتهاء ولايته
ثم العودة منتخبا بعد رئيس آخر على النمط "البوتينى"، كما يعطى مجالا
ارحب للاختيارات عند أي تشكيل وزاري فلا يقتصر الامر على الأسماء الجديدة فقط بل
يمكن ان يمتد الامر الى اسماء اخرى قديمة اثبتت كفاءة أو نالت استحسان من الشارع .
الملامح السلبية للمسألة أولا أنه قد يدفع أجيالا جديدة للخوف من تأبيد أشخاص بعينها فى مناصبها، أو أن تتمحور مناصب وزارية حول عدد من الأسماء وهو امر
قاتل للسياسة ايضا، لكن الحل في اشعال المنافسة الحقيقة بينهم لأن المستفيد من
المنافسة بالتأكيد هو المواطن .
الملمح الثاني إنه يكرس لمقولة "نضوب القيادات في مصر" فالعودة لمسئولي
الماضي يؤكد أن الدولة لم تجد افضل من هذه الشخصيات لتتمكن من استبدالها، وفى حالة
زعزوع مثلا نجد انه امام مهمة مستحيلة بعد ما حدث مع السياح المكسيكيين، والتهديدات
الإرهابية التي شلت قطاعا مهم مثل السياحة، فماذا سيفعل الوزير؟ نفس الأمر فى
حالة احمد ذكى بدر رجل التعليم القاسي الذى عاد على راس وزارة تعانى من الترهل
والفساد فى ظل وجود محافظين ضعفاء أفقدوا الدولة الكثير من رصيدها بسبب تصريحاتهم أو تصرفاتهم غير المسئولة، فهل سينجح؟ سنرى .
أهم درس يمكن أن نخرج به من حكومة محلب هو التركيز على العمل والتركيز
فى التصريحات، فهناك وزراء يقدمون بتصريحاتهم وتصرفاتهم غير المسئولة أسلحة اضافية
لحرب المعلومات الدائرة ضد مصر، فلماذا لا يفكر الوزير في تلقى دروس للتعامل
الأمثل مع وسائل الإعلام على غرار ما تقدم للمرشحين الرئاسيين، حتى يضمن أن تصل
رسالته دون تشويش، والرد السريع على الشائعات قبل ان تترسخ في ذهن الناس وتنال من
جهوده أو نجاحاته، فالرأي العام أصبح حادا كالموس مع المسئولين الحكوميين، وفى كل الأحوال
الشفافية والوضوح والعمل الدؤوب يمكنها الرد إذا أحسن الوزير استخدامها .
يبقى أن يفكر الوزراء في علاقتهم بوسائل التواصل الاجتماعي، وان تعبر
عنهم صفحات رسمية يقوم على اداراتها متخصصين حتى لا يتعرضوا لعمليات الحرق
"الفيسبوكية" القاتلة مثلما حدث مع الدكتور الهلإلى الشربيني وزير
التربية والتعليم الجديد الذى كان مادة خصبة للقصف المباشر قبل ان يجلس على مقعد
الوزارة .
المنصب الوزاري الرفيع ضاعت عنه الهالة والهيبة، لقد تغير المواطن ولم
يعد يقبل بأنصاف المسئولين، ينتظر المزيد والمزيد مع سقف مطالب يرتفع يوم بعد يوم،
وسيف مكافحة الفساد مسلط على الجميع، ولك فيما حدث مع وزير الزراعة اسوه حسنة، فليس
مسموحا بالإفراط او الارتعاش في اتخاذ القرار، والتربص هو سيد الموقف، ولعل الدرس
الأهم القادم من الرئيس السيسي في تعامله مع حكومة محلب ثم إسماعيل أنه لن يتصدى
لاختيار وزراء ولن يدفع فاتورة فشل أحد أو فساده .
آراء حرة
حكومة ضد "عادل إمام"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق