وقف الرئيس روبرت موجابى قبل أيام يتحدث فى افتتاح البرلمان الزيمبابوى فقرأ خطابا آخر كان قد ألقاه فى الأسبوع الأخير من أغسطس، نسى الرئيس الذى تجاوز عمره التسعين أن ذلك الخطاب مُكرر وأن الخطاب الجديد الذى أعدوه له تركه فى منزله.
ضحك الناس من أعماق قلوبهم عندما سمعوا الرجل يقول نفس ما قاله قبل أيام دون تغيير، وهو لا يعى أن الخطاب قديم ولا يتناسب مع افتتاح برلمان جديد، ضحك البائسون سنوات طويلة من الفقر المُدقع والحياة بلا آمال، والهروب الدائم نحو الخرافات والخوارق فى بلد يعانى من الاستبداد مُنذ استقل وتحرر من الاستعمار.
ما جرى مع «موجابى» يوشك أن يحدث فى منطقتنا العربية فى بلدان تُثمن تجربة الرئيس الوسط أو الضرورة والذى دفع شعبا مثل الشعب الجزائرى إلى انتخاب رجل مُسن ومريض ومُقعد مثل بوتفليقة رئيسا للجمهورية بعد أن تجاوز مدته الدستورية الممنوحة له.
فكرة الضرورة استدعت تعديل الدستور وقبول الشارع الجزائرى استمرار اللا حاكم ولو حاكماً صورياً حتى لا تنفرط حبات الفُسيفساء الوازنة للخريطة السياسية، الخوف من التغيير صار هاجس الشعوب الفقيرة المغلوبة التى تخشى من فقرِ أشد أو بؤس ِأعنف فى حال تغيير الأنظمة. ولا شك أن ما حدث فى ليبيا وسوريا والعراق كان نموذجا مُثيرا للفزع، جعل كثيرا من الشعوب ترفض التغيير وتعتبره مقامرة أو مغامرة غير محسوبة العواقب.
الرئيس الضرورة هو أخطر ما يُهدد تجارب السياسة فى عالمنا العربى، خاصة فى ظل الصراعات والسيناريوهات التى يتم إعدادها والتى تجعل المواطنين المغلوبين على أمورهم بين أمرين كلاهما مُر هو أن يختاروا بين حُكم العصابات والميليشيات أو بين حكم المُستبدين والطغاة.
ومثلما طرح الكاتب والمفكر الكبير الدكتور مُصطفى الفقى فإن عالمنا العربى صار مدفوعا أن يختار بين حكم الإرهاب أو الاستبداد، وفى مثل هذا التخيير يُصبح الاستبداد حلاً وأملاً فى ظل اللا حكم واللا نظام السائد فى ظل الحركات الظلامية كداعش وأخواتها.
ومصر ليست بعيدة عن ذلك، فقد عُدنا فى الآونة الأخيرة نسمع كثيرا مُصطلحات كُنا ظننا أنها ولت مثل الزعيم أو القائد أو بطل العروبة أو غيرها من الصفات التى تمنح الحاكم «سوبرمانية» أسطورية تتجاوز فكرة الحاكم الخادم لشعبه، والذى ينتخبه الناس ويملكون حسابه ومراجعته، وهذا فى ظنى هو الخطر.
لقد تكررت فى صحافتنا مؤخرا إطروحات قروسطية حول حكمة الرئيس، وقدراته، وأفكاره، وانطلاقاته كالصاروخ، بينما كُل من حوله يتحركون كالسلحفاة وكأنه بشر غير البشر، وهذا ما أتمنى أن يوضع له حد.. والله أعلم.