الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قضية رجال الأعمال في الانتخابات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا ينبغى علينا اعتياد مشهد ظهور رجال الأعمال على الساحة العامة والسياسية بالذات من دون التوقف أمامه وإطالة التفكير. أينعم، أن هناك رجل أعمال يعتبر قطبا فى سوق العقارات الأمريكية هو دونالد ترامب، ترشح ليكون رئيسًا للولايات المتحدة فى انتخابات 2016، وأبدى من الآراء شديدة اليمينية ما يعتبر لافتا بكل مقياس
وأينعم، فإن الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى ارتبط ببعض رجال الأعمال على نحوٍ كبيرٍ، ولكن ذلك صار-على أى حال- مثار تحقيق قانونى وبخاصة حول المدى الذى بلغته هذه العلاقة فى تأثيرها على قرارات وسياسيات ساركوزى أو مبررات قبوله بعض مزايا شخصية، مثل الموافقة على قيامه برحلة بحرية فى يخت أحد أصدقائه.
أما تونى بلير، ففى غمرة محاولته إزالة الصبغة الحمراء عن حزبه (العمال البريطاني) فقد اندمج فى علاقات قوية جدا مع زمرة من رجال الأعمال، ضمنهم روبرت ميردوخ ملياردير الإعلام المشهور، أو لورد سينزبورى الذى عينه وزيرا للعلوم، ولكن ذلك كله كان فى إطار ارتباط إظهار حسن نواياه بشأن التوجه الجديد لحزب العمال، أو استمالة اللوبى اليهودى (كما فى حالة لورد سينزبوري)، أو الاستفادة من مساندة المنصات الإعلامية التى يملكها ميردوخ.
ولكن فى حالة رجال الأعمال المصريين، نحن أمام وضع مختلف، فهم على عداء حقيقى مع الرئيس السيسى ومشروعه لإطلاق مصر الجديدة، وقد تمثل ذلك فى العديد من النقاط وهي: أولاً موقفهم من دعوة الرئيس لإنشاء صندوق (تحيا مصر)، وثانيها الهجوم المبطن على مؤسسات الدولة التى جعلها الرئيس- منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية- هدفه الأجدر بالحماية، وهم يفعلون ذلك فى وسائل إعلامهم بطرق بالغة الخبث وأحيانا وسط عملية ممنهجة كمديح الرئيس والتهليل له.
وبالطبع، لا يخفى على فطنتنا جميعا أن ولاءات رجال الأعمال المصريين فى المعظم هى لدول خارجية وشركات متعددة الجنسيات، ومن ثم فإن ارتباطهم بالمشروع الوطنى يظل محل شكوك، ومواقف أولئك الناس لا تستند إلى الثقافة الوطنية على أى مستوى، وحتى إذا قبلنا منطق الاستمرار فى المقارنة بين حالات غير متكافئة، فإن دونالد ترامب، مثلاً وللمرة الثانية، يمثل جناحا موجودا بالفعل فى الحزب الجمهوري، وهو متشدد فى يمينيته، ودعم ذلك مؤخرا بالهجوم على الأجانب، وعلى فكرة قيام بعض أولئك الأجانب باصطحاب نسائهم الحوامل إلى أمريكا يلدن هناك، ويصبح مواليدهن أمريكيين.
يعنى لدى ترامب اعتقاد ثقافى يمينى فيه قدر كبير من الزينوفوبيا أو (العداء للأجانب)، وذلك تعبير عن حالة وعن قطاع موجود بالفعل فى المجتمع الأمريكى وفى الحزب الجمهوري، وقد وطد ذلك مؤخرا بزيارته وتصريحاته الحارة الموالية لحزب الشاى، وهو مجموعة من النواب الجمهوريين فى مجلسى الكونجرس تترأسهم سارة بالين التى كانت مرشحة كنائبة للرئيس على تذكرة جون كيرى الانتخابية وزير الخارجية الآن فى انتخابات ٢٠٠٩.
يعنى ترامب عزز وعمق ثقافة اليمينية بامتداحة حزب الشاي، وتبنيه الزينوفوبيا أو العداء للأجانب، بعد انفجار قنبلة المهاجرين مؤخرا.
هذا رجل يعبر عن شىء موجود مهما كانت إدانتنا لهذا الشىء، إنما عن ماذا يعبر رجال الأعمال المصريين؟
لا شيء إلا مصالحهم المادية، وهم يفعلون ذلك بجهل شديد، لا يفهم أهمية ما يسمى شبكة الأمان الاجتماعى فى الأنظمة الرأسمالية، وإن فعلوا شيئا من ذلك فإنما يكون بتعال شديد وبشكل أقرب إلى التصدق والإحسانات، وليس على نحو مؤسسى منهجى تقره الدولة بنظام ضرائب فعال. هم ضد الدولة، فمعظمهم قام بتهريب أمواله إلى الخارج، ولا يعترف بأى سياسة تقوم بها الدولة، ولا يرى الناس الذين يعيشون معهم فى إطار تلك الدولة إلا سائقين وطبابخين وسفرجية وخدم، ومدلكين، ومانكريست.
هناك خلل كبير فى ثقافة رجال الأعمال (وبالذات طبقتهم القائدة التى تشكل وعيها فى أحضان الأجانب ولوبيات البترول فى تكساس والاتصالات فى أوروبا وأمريكا وغير ذلك).
هناك خلل فى فهمهم لمعنى الدولة ولوظيفة الدولة ولعلاقتهم بتلك الدولة، وهي من المفترض سيدة لهم وليست خادمة.ومن ذلك الخلل- بالذات- أخشى تماما مما يسود المشهد الانتخابى البرلمانى الحالى فى مصر من ظهور وحضور لنفوذ رجال الأعمال، وخصوصا النوع القائد لطبقتهم فى مصر، الجاهل سياسيا ووطنيا، والتابع لإرادة الولايات المتحدة التي- بالطبيعة- دولة تتأمر علينا وعلى المنطقة العربية، والرافض لأية درجة من فكر العدل الاجتماعي، إلا بالمقدار الذى يحدده وعلى النحو الذى يتوافق مع هواه وكيفه ومزاجه، والكاره لنهضة مصر الجديدة ولزعامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم أخيرا هو المتحالف مع الإخوان الإرهابيين فى معظم حالتهم، وتحت غطاء ليبرالية زائفة، ما دامت الولايات المتحدة تريد ذلك، وقد أرادت. الأمر فعلاً بهذا الوضوح وتلك البساطة، ومن ثم فإن قلقى شديد من سيطرة رجال الأعمال على البرلمان الوشيكة انتخاباته.. هكذا قول واحد.. أبيض وأسود!