كان أبى على خلاف دائم مع الشيوعيين، وفشلت محاولات ضمه لحزب حدتو الشيوعى، فقد كان يرى أن رئيسه هنرى كورييل صهيوني، بينما كان رأى الحزب في أبى أنه فردى وفوضوى معا، وبعد أن خرج من حبسه عام ٥٤ أجبرته السلطة على عدم الاشتغال بالسياسة أو الصحافة، ولم يكن يعرف غيرها، وذلك حتى تمنعه معركته لإبعاد شبح الجوع عن أولاده أو أي عمل آخر. ورغم ذلك بعد تأميم القناة أصدر كتابا باسم «الصهيونية أعلى مراحل الاستعمار»، وصدره بإشادة للزعيم، لا نفاقا ولكن لأنه كان قد دعا لتأميم قناة السويس قبل ظهور الزعيم، فأجرى استفتاء لقراءة جريدته «المعارضة» في يناير عام ٥٢، فوافقت الأغلبية، ورغم أن الدولة نشرت له هذا الكتاب الوحيد! فقد هاجموا منزلنا وشقوا المراتب وتفرسوا في أوراقه فلم يجدوا فيها شيئا ليتهموه. لكن بعد فترة هاجموا الشقة ثانية، وفى هذه المرة كانوا قد أعدو له تهمة، وهى أنه يعطى دروسا في الصحافة بالمراسلة لأبناء البلاد العربية، وبنفس الأوراق التي فحصوها من قبل واعتبروا ذلك هذه المرة نصبا واحتيالا، وحبسوه لأيام مع اللصوص! ثم أفرجت عنه النيابة وقضت المحكمة ببراءته من التهمتين، لكن بعد وفاة ناصر بالطبع! لكنه كان قد أصيب من وقتها بجلطة في المخ، وظل يعالج منها حتى مات.
بعدها كان عبدالناصر قد اكتشف الاشتراكية في منتصف الستينيات! بينما كل فصائل الشيوعيين وحتى اليسار في السجون، أما أمى فقد أدخلوها المعهد الاشتراكى لتتعلم الاشتراكية التي كانت تدعو لها لسنوات! وواصلت الكتابة عن قضايا المرأة والعمال لكن بلا منشورات، فحزبها الذي حل نفسه، بصم بالعشرة أن ناصر زعيم وطني واشتراكي أكثر منهم مقابل التوقيع على حل الحزب الذي كان يدعو للاشتراكية! وبعدها اكتشف الاشتراكية واختارها لنا!
أما عنى، فقد بدأ تفكيرى يتغير، فكنت أحاور أمى معارضا لسياسة ناصر، فنظل نتناقش حتى الفجر، لم تكن معه تماما لكنها لم تكن ضده، لقد غرست فىّ مبادئ الاشتراكية، لكنها علمتنى أيضا أن أكون حرا مستقلا في رأيى، وأن أعبر عنه بشجاعة، وأكون صادقا مع نفسي، وعلمتنى منهج التفكير العلمى والجدلي، وهو ما حررنى من الأفكار الثابتة والمطلقة فاختلفت معها في كثير من الرؤى. بينما ظلت هي في خندق اليسار حتى آخر لحظة في حياتها، كانت تقرأ قصصى وتناقشنى فيها وتدفعنى لأتقدم بها لمسابقة نادي القصة، وتحفزنى على قراءة الكتب من كل نوع - روايات ومسرحيات وشعر وفكر وفلسفة وفن، وتأخذنى لمسرحيات المسرح القومى، ولندوة نجيب محفوظ بكازينو أوبرا، ولم أعد اشتراكيا أو رأسماليا.
لكن كلا من اليسار واليمين كانا ينظران لى بريبة، وغالبا لا يزالان وحتى هذه اللحظة! فاليساريون يتبرأون منى حتى لا يتهموا بالاشتراكية أكثر من الزعيم مثلا! بينما يرى بعضهم أننى لا أستحق اسم لينين لأننى لست اشتراكيا! واليمين يحسبوننى على اليسار، لكنى لم أعبأ بهذا كله، فهى رقابة مستترة أحيانا لا يجاهرون بها وأحيانا يجاهرون بها علنية، أو تجاهلا كاملا لشخصي! وقد ظننت أن سنى يغفر لى بعض الشيء فلست أمثل خطرا على اليسار أو اليمين أو السلطة الحاكمة، لكن عندما وصلت لسن الشباب بدا الأمر بالنسبة لهم ليس مريحا، ثم عندما بدأت أنجح وأفرض نفسى كثرت الاتهامات وأضيف إليهم التيارات الدينية وتهمة ازدراء الأديان وغيرها فيما بعد.
واصلت كتابة القصص لكن كل محاولاتى لنشرها فشلت رغم ثقتى أنها صالحة للنشر، جاءت أمى يوما بعد لقاء صلاح جاهين، رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»، وزميلها بمؤسسة «روزا اليوسف»، وقد أعطته قصة لى فلم يقرأها إنما قال بصراحة يشكر عليها: «إذا كان يريد أن يعمل بالكتابة فلا بد من تغيير اسمه وعندئذ أنشر له كل ما يشاء»، وعادت لتخبرنى بهذا، وكانت معها صديقتها فتحية العسال الكاتبة اليسارية المعروفة، وحاولتا إقناعى بهذا الاقتراح، فرفضت، قلت إن الناس سيقولون إنى جبان. كان اسمه لينين، لكنه تخفى خلف اسم جديد، وبالتالى ستظل نظرة الشك لى مستمرة، ثم أننى لن أعرف نفسى عندما ينادينى أحد بأى اسم آخر بعد نحو عشرين عاما تقريبا، فليقبلنى من يريد ويرفضنى من يريد ثم أضفت على غرار المثل المعروف «واحد شايل اسمه، التانى زعلان ليه»، فيئستا من إقناعي، رغم أن أمى قد وافقت أبى على اسمى حين ولدت، ولم أكن أنا الذي اخترته لنفسى، ولكنى كنت قد ورثت العناد عن الإثنين، عندئذ فقط انتبهت أن اسمى وحده يكفى أن يعرضنى لرقابة الجميع، وهو سبب تكرار رفض نشر قصصي، وعندما انفردت بنفسى رحت أفكر ماذا أفعل؟
بعدها كان عبدالناصر قد اكتشف الاشتراكية في منتصف الستينيات! بينما كل فصائل الشيوعيين وحتى اليسار في السجون، أما أمى فقد أدخلوها المعهد الاشتراكى لتتعلم الاشتراكية التي كانت تدعو لها لسنوات! وواصلت الكتابة عن قضايا المرأة والعمال لكن بلا منشورات، فحزبها الذي حل نفسه، بصم بالعشرة أن ناصر زعيم وطني واشتراكي أكثر منهم مقابل التوقيع على حل الحزب الذي كان يدعو للاشتراكية! وبعدها اكتشف الاشتراكية واختارها لنا!
أما عنى، فقد بدأ تفكيرى يتغير، فكنت أحاور أمى معارضا لسياسة ناصر، فنظل نتناقش حتى الفجر، لم تكن معه تماما لكنها لم تكن ضده، لقد غرست فىّ مبادئ الاشتراكية، لكنها علمتنى أيضا أن أكون حرا مستقلا في رأيى، وأن أعبر عنه بشجاعة، وأكون صادقا مع نفسي، وعلمتنى منهج التفكير العلمى والجدلي، وهو ما حررنى من الأفكار الثابتة والمطلقة فاختلفت معها في كثير من الرؤى. بينما ظلت هي في خندق اليسار حتى آخر لحظة في حياتها، كانت تقرأ قصصى وتناقشنى فيها وتدفعنى لأتقدم بها لمسابقة نادي القصة، وتحفزنى على قراءة الكتب من كل نوع - روايات ومسرحيات وشعر وفكر وفلسفة وفن، وتأخذنى لمسرحيات المسرح القومى، ولندوة نجيب محفوظ بكازينو أوبرا، ولم أعد اشتراكيا أو رأسماليا.
لكن كلا من اليسار واليمين كانا ينظران لى بريبة، وغالبا لا يزالان وحتى هذه اللحظة! فاليساريون يتبرأون منى حتى لا يتهموا بالاشتراكية أكثر من الزعيم مثلا! بينما يرى بعضهم أننى لا أستحق اسم لينين لأننى لست اشتراكيا! واليمين يحسبوننى على اليسار، لكنى لم أعبأ بهذا كله، فهى رقابة مستترة أحيانا لا يجاهرون بها وأحيانا يجاهرون بها علنية، أو تجاهلا كاملا لشخصي! وقد ظننت أن سنى يغفر لى بعض الشيء فلست أمثل خطرا على اليسار أو اليمين أو السلطة الحاكمة، لكن عندما وصلت لسن الشباب بدا الأمر بالنسبة لهم ليس مريحا، ثم عندما بدأت أنجح وأفرض نفسى كثرت الاتهامات وأضيف إليهم التيارات الدينية وتهمة ازدراء الأديان وغيرها فيما بعد.
واصلت كتابة القصص لكن كل محاولاتى لنشرها فشلت رغم ثقتى أنها صالحة للنشر، جاءت أمى يوما بعد لقاء صلاح جاهين، رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»، وزميلها بمؤسسة «روزا اليوسف»، وقد أعطته قصة لى فلم يقرأها إنما قال بصراحة يشكر عليها: «إذا كان يريد أن يعمل بالكتابة فلا بد من تغيير اسمه وعندئذ أنشر له كل ما يشاء»، وعادت لتخبرنى بهذا، وكانت معها صديقتها فتحية العسال الكاتبة اليسارية المعروفة، وحاولتا إقناعى بهذا الاقتراح، فرفضت، قلت إن الناس سيقولون إنى جبان. كان اسمه لينين، لكنه تخفى خلف اسم جديد، وبالتالى ستظل نظرة الشك لى مستمرة، ثم أننى لن أعرف نفسى عندما ينادينى أحد بأى اسم آخر بعد نحو عشرين عاما تقريبا، فليقبلنى من يريد ويرفضنى من يريد ثم أضفت على غرار المثل المعروف «واحد شايل اسمه، التانى زعلان ليه»، فيئستا من إقناعي، رغم أن أمى قد وافقت أبى على اسمى حين ولدت، ولم أكن أنا الذي اخترته لنفسى، ولكنى كنت قد ورثت العناد عن الإثنين، عندئذ فقط انتبهت أن اسمى وحده يكفى أن يعرضنى لرقابة الجميع، وهو سبب تكرار رفض نشر قصصي، وعندما انفردت بنفسى رحت أفكر ماذا أفعل؟