ثمة تخصص بل تخصصات فى أحوال التعليم وفنيات العملية التعليمية تضمها مظلة ما يعرف بعلوم التربية. ولست للأسف من أبناء هذا التخصص. لست سوى باحث فى علم النفس الاجتماعى. ولكننى أعتقد اعتقادا راسخا أن التعليم وأحواله أشبه فى ظروفنا الراهنة بقضايا الحرب والسلام.
تلك القضايا التى يجب أن يتسع تناولها ليشمل نطاقًا أوسع من دائرة أهل الاختصاص، فنحن جميعًا على علاقة ما بأحوال التعليم: متعلمين ومعلمين ومفكرين وعوام. علاقتنا بالتعليم علاقة تشملنا جميعا.
ومن ثم فإن أى سياسات تتعلق بالتعليم تمسنا جميعا وتؤثر فى واقعنا ومستقبلنا.
علم النفس الاجتماعى - مجال تخصصي - يهتم أول ما يهتم بأحوال الجماعات. تصرفات أفرادها. ورؤاهم لحاضرهم ولماضيهم ومستقبلهم. علم يهتم بسلوك العامة. ومن هذا المنطلق سوف أحاول أن أبدأ برصد ملامح رؤية أولئك العامة لمشكلات التعليم الراهنة فى مصر.
لا أزعم أننى بصدد عرض دراسة علمية مضبوطة شاملة. فقد اعتمدت فحسب على معايشتى الحياتية المباشرة، بالإضافة إلى نظرة متأنية لما تعكسه أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية فى هذا المجال. إنه كم هائل من الكتب. والمقالات. والأحاديث الصحفية والتليفزيونية. آلاف البيانات والمقارنات والجداول الإحصائية. والشهادات. والإحالات. ولعلى لا أضيف جديدًا للقارئ إذا عرضت ما خلصت إليه:
شكاوى أولياء الأمور عديدة ولعل فى مقدمة شكاواهم ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية. واضطرارهم للاعتماد عليها بشكل أساسى ليس لكى ينجح الأبناء فحسب - كما كان عليه الحال بالنسبة للأبناء المتعثرين كما كان يحدث فى الجيل السابق - بل لكى يحصلوا على مجموع مرتفع فى ظل ارتفاع أعداد الحاصلين على أعلى الدرجات. إلى جانب اتساع الفجوة بين تكلفة تعليم الخاصة وتعليم العوام، ويؤكد أولياء الأمور بحق أنهم يبذلون ما يفوق طاقتهم لضمان أفضل مستوى متاح لتعليم أبنائهم. إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
شكاوى المدرسين عديدة أيضا: المرتبات متدنية. ورغم ذلك فإنهم يبذلون أقصى طاقتهم لأداء ما هو مطلوب منهم فى حدود ازدحام الفصول. إنهم أيضًا أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
أبناؤنا من التلاميذ يرون أنهم يبذلون فى التحصيل غاية جهدهم بدليل ارتفاع مستوى الدرجات فى الثانوية العامة ارتفاعًا مضطردًا. إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
وزارة التربية والتعليم تعترف بوجود سلبيات فى أحوال التعليم فى مصر على رأسها زيادة تكلفة التعليم على ميزانية الدولة. إلى جانب مشكلات الدروس الخصوصية. والكتاب الموازى للكتاب المدرسى. وكثافة الفصول. وتزايد المشكلات السلوكية من غش فى الامتحانات. وعنف فى التعامل إلى آخره. ولكنها تبرز بالأرقام والمستندات بل والشهادات الدولية أن الدولة لا تألوا جهدًا فى نشر وتحسين التعليم فى حدود الإمكانات المتاحة.
الجميع إذن يجأرون بالشكوى من أحوال التعليم فى مصر. يستوى فى ذلك التلاميذ وأولياء الأمور. والمدرسون. بل والمسئولون عن التعليم كذلك. ومن ناحية أخرى فإنهم جميعًا يعلنون وبأعلى الصوت. أنهم أبرياء من أى سلبيات تشوب تلك الأحوال. وإنهم يبذلون فوق ما فى طاقتهم. بل ويوثقون براءتهم بكافة أشكال التوثيق والإثباتات الممكنة. ولا أظنهم يجاوزون الحقيقة كثيرًا.
أين المشكلة إذن؟ هل ثمة متهم غريب خارج هذه الحلقة؟ ثم هل هذه المشكلات جديدة؟ ترى متى نشأت؟ ومتى تفاقمت وبلغت ذروتها؟ أم أنها لم تبلغ تلك الذروة بعد؟ هل هى فى سبيلها للتصاعد؟ أم أنها آخذة فى الذبول؟
فلنتفق بداية أن مثل تلك المشكلات لا تظهر فجأة. بل أزعم وقد أكون مخطئًا أن الغالبية العظمى من مشكلات التعليم التى نحن بصددها مشكلات تراكمية ترجع بجذورها إلى بعيد. ولا يسمح المجال للتفصيل.
ترى هل يعنى ذلك أنه لا جديد هناك؟ الإجابة بالقطع لا هناك جديد بل وخطير الجديد ليس بزوغ ظاهرة من عدم. بل ولا مجرد الاتساع الكمى لظاهرة معينة بل تحول الاستثناء إلى قاعدة. وتحول المرفوض إلى مقبول.
إن ذلك الجديد والخطير إنما وقع - فيما أري - خلال السبعينيات وبالتحديد فإننى أتصور أن ما جرى ويجرى فى مجال التعليم إنما هو وجه من استحقاقات هزيمة يونيو ٦٧ التى ما زال سدادها جاريا، لقد كان أكتوبر ٧٣ انتصارا وردا لاعتبار العسكرية المصرية. ولكنه للحقيقة لم يكن كافيا لسداد المستحقات الاجتماعية الباهظة لهزيمة ٦٧. والتى تمثل جوهرها فى إرجاع الهزيمة إلى الابتعاد عن صحيح الدين، ومن ثم أصبح المناخ الاجتماعى جاهزا لضعف جهاز المناعة الثقافى المصرى واستقبال ثقافة وافدة تدعم هذا التصور.
وللحديث بقية
تلك القضايا التى يجب أن يتسع تناولها ليشمل نطاقًا أوسع من دائرة أهل الاختصاص، فنحن جميعًا على علاقة ما بأحوال التعليم: متعلمين ومعلمين ومفكرين وعوام. علاقتنا بالتعليم علاقة تشملنا جميعا.
ومن ثم فإن أى سياسات تتعلق بالتعليم تمسنا جميعا وتؤثر فى واقعنا ومستقبلنا.
علم النفس الاجتماعى - مجال تخصصي - يهتم أول ما يهتم بأحوال الجماعات. تصرفات أفرادها. ورؤاهم لحاضرهم ولماضيهم ومستقبلهم. علم يهتم بسلوك العامة. ومن هذا المنطلق سوف أحاول أن أبدأ برصد ملامح رؤية أولئك العامة لمشكلات التعليم الراهنة فى مصر.
لا أزعم أننى بصدد عرض دراسة علمية مضبوطة شاملة. فقد اعتمدت فحسب على معايشتى الحياتية المباشرة، بالإضافة إلى نظرة متأنية لما تعكسه أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية فى هذا المجال. إنه كم هائل من الكتب. والمقالات. والأحاديث الصحفية والتليفزيونية. آلاف البيانات والمقارنات والجداول الإحصائية. والشهادات. والإحالات. ولعلى لا أضيف جديدًا للقارئ إذا عرضت ما خلصت إليه:
شكاوى أولياء الأمور عديدة ولعل فى مقدمة شكاواهم ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية. واضطرارهم للاعتماد عليها بشكل أساسى ليس لكى ينجح الأبناء فحسب - كما كان عليه الحال بالنسبة للأبناء المتعثرين كما كان يحدث فى الجيل السابق - بل لكى يحصلوا على مجموع مرتفع فى ظل ارتفاع أعداد الحاصلين على أعلى الدرجات. إلى جانب اتساع الفجوة بين تكلفة تعليم الخاصة وتعليم العوام، ويؤكد أولياء الأمور بحق أنهم يبذلون ما يفوق طاقتهم لضمان أفضل مستوى متاح لتعليم أبنائهم. إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
شكاوى المدرسين عديدة أيضا: المرتبات متدنية. ورغم ذلك فإنهم يبذلون أقصى طاقتهم لأداء ما هو مطلوب منهم فى حدود ازدحام الفصول. إنهم أيضًا أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
أبناؤنا من التلاميذ يرون أنهم يبذلون فى التحصيل غاية جهدهم بدليل ارتفاع مستوى الدرجات فى الثانوية العامة ارتفاعًا مضطردًا. إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم فى مصر.
وزارة التربية والتعليم تعترف بوجود سلبيات فى أحوال التعليم فى مصر على رأسها زيادة تكلفة التعليم على ميزانية الدولة. إلى جانب مشكلات الدروس الخصوصية. والكتاب الموازى للكتاب المدرسى. وكثافة الفصول. وتزايد المشكلات السلوكية من غش فى الامتحانات. وعنف فى التعامل إلى آخره. ولكنها تبرز بالأرقام والمستندات بل والشهادات الدولية أن الدولة لا تألوا جهدًا فى نشر وتحسين التعليم فى حدود الإمكانات المتاحة.
الجميع إذن يجأرون بالشكوى من أحوال التعليم فى مصر. يستوى فى ذلك التلاميذ وأولياء الأمور. والمدرسون. بل والمسئولون عن التعليم كذلك. ومن ناحية أخرى فإنهم جميعًا يعلنون وبأعلى الصوت. أنهم أبرياء من أى سلبيات تشوب تلك الأحوال. وإنهم يبذلون فوق ما فى طاقتهم. بل ويوثقون براءتهم بكافة أشكال التوثيق والإثباتات الممكنة. ولا أظنهم يجاوزون الحقيقة كثيرًا.
أين المشكلة إذن؟ هل ثمة متهم غريب خارج هذه الحلقة؟ ثم هل هذه المشكلات جديدة؟ ترى متى نشأت؟ ومتى تفاقمت وبلغت ذروتها؟ أم أنها لم تبلغ تلك الذروة بعد؟ هل هى فى سبيلها للتصاعد؟ أم أنها آخذة فى الذبول؟
فلنتفق بداية أن مثل تلك المشكلات لا تظهر فجأة. بل أزعم وقد أكون مخطئًا أن الغالبية العظمى من مشكلات التعليم التى نحن بصددها مشكلات تراكمية ترجع بجذورها إلى بعيد. ولا يسمح المجال للتفصيل.
ترى هل يعنى ذلك أنه لا جديد هناك؟ الإجابة بالقطع لا هناك جديد بل وخطير الجديد ليس بزوغ ظاهرة من عدم. بل ولا مجرد الاتساع الكمى لظاهرة معينة بل تحول الاستثناء إلى قاعدة. وتحول المرفوض إلى مقبول.
إن ذلك الجديد والخطير إنما وقع - فيما أري - خلال السبعينيات وبالتحديد فإننى أتصور أن ما جرى ويجرى فى مجال التعليم إنما هو وجه من استحقاقات هزيمة يونيو ٦٧ التى ما زال سدادها جاريا، لقد كان أكتوبر ٧٣ انتصارا وردا لاعتبار العسكرية المصرية. ولكنه للحقيقة لم يكن كافيا لسداد المستحقات الاجتماعية الباهظة لهزيمة ٦٧. والتى تمثل جوهرها فى إرجاع الهزيمة إلى الابتعاد عن صحيح الدين، ومن ثم أصبح المناخ الاجتماعى جاهزا لضعف جهاز المناعة الثقافى المصرى واستقبال ثقافة وافدة تدعم هذا التصور.
وللحديث بقية