حسنا.. ستقول المال ورغبة ملحة فى أن يعيد اعتباره ويسترد كرامته التى تبعثرت تحت أقدام الثورة، وهى الرغبة التى يمكن أن تدفعه إلى إنفاق معظم ثروته، ليس لدخول البرلمان فقط، فهو لا يسعى لامتلاك كرسى واحد، بل لوضع يده على أكبر عدد من المقاعد، بما يمكنه من أن يكون شريكا فى السلطة.
لكن ما رأيك لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية مختلفة، فأحمد عز يبدو فعليا كأسد عجوز، بلا أنياب، قلّمت الثورة أظافره، ومؤكد أنه لا ينسى السنوات التى قضاها فى السجن، وحالة الشماتة والفرحة الشعبية التى شيّعته إلى زنزانته المظلمة، ومؤكد أنه يعرف أن هناك حالة رفض لوجوده السياسى من جديد، وأعتقد أنه من الذكاء للدرجة التى يدرك فيها جيدا أن من يحيطونه بتأييدهم ليسوا إلا أصحاب مصلحة مباشرة، سواء كانوا العاملين فى مصانعه بدائرته الانتخابية، أو أهالى الدائرة الذين يحظون بدعمه وعطاياه المادية الكثيرة، أو حتى نواب الحزب الوطنى السابقين الذين يطمعون فى مساندته المادية لهم، معتقدين أن عجلة الزمن يمكن أن تعود إلى الوراء.
أحمد عز نفسه وعبر خطاب إعلامى معلن، قال إنه يريد أن يدخل البرلمان لأن هذا حقه السياسى، وإذا كان القانون يحمى له حقوقه السياسية والدستورية فلا يجب أن يعرقله أحد لأسباب سياسية، ثم إنه يريد خدمة أهالى دائرته، وهذا حقه وحقهم، من ناحية أخرى فهو وعبر خطاب لا يعلنه، بل أفضى به إلى عدد من المحيطين به، يؤيد المشروع السياسى لنظام «٣٠ يونيو»، وإذا ما قدر له أن يفوز بالمقعد فسوف يسعى لتكوين تكتل داخل البرلمان يساند الرئيس، بل لديه ما هو أكثر، فهو يتبنى فكرة إعادة النظر فى الدستور مرة أخرى، تحديدا فيما يخص صلاحيات الرئيس، ليس هذا هو كل شىء بالطبع، فإذا كان القانون يسمح لأحمد عز بالترشح فى الانتخابات البرلمانية فلا يجب أن يحول بينه وبين ذلك أحد، لأى سبب سياسى، وذلك ببساطة، لأننا عندما نمنع أحمد عز من الترشح، فإننا نحوله بذلك إلى أسطورة يكون محورها، أنه الرجل الذى وقف النظام ضد ترشحه فى البرلمان، لأنه يشكل خطرا جسيما عليه، وسيظل هو متمسكا بأنه كان قادرا على أن يشارك بفاعلية سياسية فى قضايا الوطن الكبرى، لولا أن هناك من منعه، وهى صيغة أعتقد أننا لسنا فى حاجة إليها، فلسنا مضطرين إلى صناعة أساطير سياسية من فراغ مطلق.
إذا كانت لدينا رغبة حقيقية لنؤكد لأنفسنا أن نظام ما قبل 25 يناير انتهى، فلا بد أن نترك أحمد عز يمارس حقه فى الترشح، أن يكون الشعب هو صاحب الكلمة الفصل فيما يخصه، وإذا كانت هناك رغبة فى ذلك، فليس أقل من أن ندعم خصمه فى الدائرة، لنثبت لأنفسنا أننا جادون فى عدم عودة أشباح الماضى مرة أخرى، لكن أن نمنعه من المنبع، فمعنى ذلك أننا ضعفاء أكثر مما ينبغى، لا نستطيع أن نحمى نسق القيم الذى بنيناه بعد ثورتى «٢٥ يناير» و«٣٠ يونيو».
هذا النسق الذى يقوم على حماية المواطنة بمعناها الشامل، فأحمد عز مواطن فى النهاية له كل الحقوق السياسية والدستورية، ولا يجب أن يجتهد أحد ليمنعه من ممارستها تحت أى حجة مهما كانت، لكن علينا أن نتيح له الدخول فى التجربة، ونتيح لأنفسنا كذلك أننا قادرون على الفرز والاختيار.
لا يمكن أن يزايد أحد علينا هنا فى «البوابة» فى موقفنا من أحمد عز، فموقفنا معروف للقاصى والدانى، لكننا أيضا لا نميل إلى مصادرة حقوقه السياسية والدستورية، ولا ننحاز إلى فرض الوصاية على الناس، فنقول لهم اختاروا فلانا أو لا تختاروا فلانا، فما أنجزته الثورتان يشير إلى أن المواطنين أصبحوا أحرارا، يمتلكون القدرة على الاختيار، وحسم أمورهم، دون أن ينتظروا توجيها من أحد، فقد انتهى زمن التوجيهات.
ستقول حسنا، لكن ما رأيك فى قدرات أحمد عز المالية، وسيطرته على دائرته الانتخابية من خلال الخدمات التى يقدمها، واحترافه العملية الانتخابية التى يمكن أن يحسمها لصالحه لسابق خبرته بها؟
سأقول لك إننى أتفق معك تماما فيما تقوله، لكن الحل أيضا ليس فى أن نمنعه، ونحول بينه وبين التجربة، لكن الأفضل أن نجعله ينزل إلى ساحة المنافسة، وندعم من يقفون ضده، فليس وحده مَن يمتلك المال، وليس وحده من يقدم خدمات إلى أبناء الدائرة، وليس وحده من يملك الخبرة فى إدارة العملية الانتخابية.
إننى هنا أبحث عن معنى أهم، أن نرسخ معنى دولة القانون، ودولة المواطن، ومبلغ علمى أن أحمد عز مواطن من حقه أن يمارس حقوقه السياسية والدستورية، لكن كونه يحصل على ما يخطط له، فهذه كلمة الشارع التى لا يجب أن نتدخل فيها، اتركوه للناس حتى يلقنوه درس عمره الأخير، أما إذا فاز فى الانتخابات فلا بد أن نبحث عن الخطأ الذى وقعنا فيه.