الخميس 07 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حيثيات اختيار رئيس حكومة

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز الكاتب الصحفي ورئيس التحرير جريدة البوابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشهد (1)
وزير الزراعة فى طريقه من الوزارة إلى مجلس الوزراء، يستوقفه ضباط الرقابة الإدارية، يلقون القبض عليه، يسألهم: أنا عملت إيه؟ يرد أحدهم: إنت عارف إنت عملت إيه.
مشهد (2)
محلب يقف فى مؤتمر صحفى إلى جوار رئيس الوزراء التونسى، يقتحمه صحفى إخوانى موَجَّه يسأله عن تورطه فى قضية القصور الرئاسية، فيترك المؤتمر وعلى وجهه علامات الضيق، والتوتر.
مشهد (3)
اتصال تليفونى بين رئيس الوزراء والرئيس عبدالفتاح السيسى، ومصادر مطلعة تشير إلى أن السيسى كان غاضبًا ومستاءً وعنيفًا مع الرجل الذى لم يكن على قدر مسئولية اسم مصر فى مؤتمر صحفى مذاع على الهواء.
مشهد (4)
محلب يجلس بين وزرائه، من حامت حولهم شبهات الفساد، يلحون فى عدم خروجهم وحدهم من الحكومة، لأن خروجهم معناه نهاية مستقبلهم السياسى، إذ لا معنى له إلا أنهم فاسدون، وإلا فلِمَ يتم الاستغناء عنهم.
محلب يستجيب لوزرائه، ويصدر بيانا يبرأ ساحتهم من قضايا الفساد، ويستجيب لاقتراح أن تكون الحكومة كتلة واحدة، فإما أن تخرج كلها، أو أن تبقى كلها.
مشهد (5)
يجلس محلب مع الرئيس السيسى، ويتم الاتفاق على أن تقدم الحكومة استقالتها، ليس مهما من طلب، هل محلب هو من وضع الاقتراح الذى دخل به الاتحادية، وهو أن تخرج الحكومة جميعها أو تظل كلها، وهو ما لم يعجب الرئيس، فطلب أن تتقدم الحكومة باستقالتها، أم أن السيسى هو من طلب دون أن يستمع من رئيس وزرائه شيئا.. الأمر يتساوى، خاصة أن أمراض الحكومة وزلاتها وأخطاءها وإخفاقها، كان يمثل عبئا على أعصاب الجميع.
مشهد (6)
يكلف الرئيس عبد الفتاح السيسى المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول فى حكومة محلب، بتشكيل الحكومة الجديدة، ويمنحه أسبوعا فقط، يدير خلاله محلب ورجاله أعمال الحكومة، فى إشارة إلى أن الرئيس لا يغلق الباب تماما وراء ما مضى، ولكنه يستعين بمن عملوا فى حكومة محلب.
مشهد (7)
بدأت بورصة الترشيحات فى العمل.. قوائم جاهزة بمن سيخرجون من الوزارة، توقعات بأن يتم التحقيق مع عدد من الوزراء، وفتح ملفات فسادهم... كل هذا دون أن يجلس شريف إسماعيل مع أحد أو يتشاور مع أحد، ودون أن تكون هناك معلومات دقيقة، اللهم إلا المعلومات التى تسربها جهات أمنية بعينها، ترى أنه من مصلحتها أن يتم الإبقاء على وزراء بأعينهم، ودخول وزراء محددين.
****
يمكن أن يكون لدينا أكثر من مدخل لقراءة ما جرى فى لمح البصر، فلم يكن أحد يتوقع أن يتم التغيير بهذه السرعة، وبهذا الشكل الحاد، كل التحليلات السياسية كانت تشير إلى أن الرئيس متمسك بحكومة محلب حتى الانتخابات البرلمانية، وأنه يمكن أن يجرى تغييرات بسيطة، كعملية جراحية يطهر بها ما لحق بالحكومة بعد قضية وزير الزراعة، وهى القضية التى لا نستطيع إطلاقا أن نتجاهل تأثيرها على مجريات الأحداث الآن، وهو ما يشير إلى أن الرئيس السيسى ليس عنيدا، بل يتجاوب مع التقارير التى تصله، تحديدا عن رد فعل الشارع على ما ينسب للحكومة، وهذه حسنة فى حد ذاتها، فقد مضت على مصر عصور، كان التغيير لا يحدث فيها إلا لمجرد أن الرئيس يمارس نوعًا من العناد، ولا يريد أن يتجاوب مع ما يحتاجه الناس.
لكن الأهم من ذلك أننا أمام نظام يمتلك حساسية مفرطة تجاه الفساد، لقد تورطت حكومة محلب فى ملفات فشل كثيرة، وكانت سببًا فى ممارسات سحبت من شعبية السيسى، وأشير هنا تحديدًا إلى الملفات الاقتصادية التى لم تحرز الحكومة فيها نجاحا ملحوظا، وكانت هناك أسباب عديدة تدعو الرئيس إلى أن يتخلص من هذه الحكومة، بل إن حملات هجوم طاغية تعرضت لها رأس محلب والذين يعملون معه، دون أن يكون هناك أى تجاوب.
لكن عندما تماست الحكومة مع قضية فساد، صدر القرار سريعا، فى إشارة واضحة للجميع، بأن الفساد هو الجريمة الوحيدة التى لن تغتفر، ولن يصمت الرئيس عليها، يمكن أن تكون الحكومة لديها رؤية معينة، أداؤها فيه بعض القصور، بعض الوزراء لا يستطيعون السيطرة على ألسنتهم، فيتورطون فى تصريحات تقلب الرأى عليهم، ولأنهم محسوبون على النظام، فيجلبون اللعنة على النظام، لكن كل هذا تم استيعابه، وعندما ظهر الفساد، تحول إلى اللقمة التى وقفت فى زور النظام، فلم يمررها.
****
يمكن أن تشكك فيما أقوله، ولديك الحق فى ذلك تماما، فإذا كان النظام جاد فى التغيير، فلماذا يستعين بواحد من وزراء حكومة محلب؟ ألم يكن من الأولى أن يختار وجها من خارج الكادر الذى احترق، خاصة أن شريف إسماعيل لم يحظ بترحيب كبير من قطاعات كثيرة، وقد يكون لكثيرين ممن اعترضوا عليه لديهم الحق، فهو لا يملك تاريخا سياسيا، ولم يكن له حضور كبير فى الحياة العامة، وهو ما لا نستطيع أن نحاسبه عليه، فهو فى النهاية رجل تنفيذى، إطار عمله وتخصصه بعيد عن صخب الحياة السياسية.
لكن لماذا نتعامل طول الوقت مع ما يجب أن يكون، ونغفل أننا أمام واقع التعامل معه أولى، فقد أصبح لدينا الآن رئيس وزراء جديدًا، يمكنك بسهولة أن تتعرف عليه وعلى تاريخه، إذا بحثت قليلًا على محرك البحث جوجل.
صحيح لن تتعرف على حيثيات اختيار الوزير بمحرك البحث جوجل ولا أى محرك بحث آخر، وهو ما يجعل من اللازم على الرئاسة أن تصدر بيانا واضحا تبين فيه لماذا تم تكليف شريف إسماعيل دون سواه، وأعتقد أن هذا يمكن أن يحسب لنظام السيسى، فليس مطلوبًا منا أن نبصم على من يتم اختياره، لا لشىء إلا لأن القيادة السياسة رأت ذلك.
****
المهمة صعبة، ما فى ذلك شك.. لا يدركها إلا من اقترب منها، ولا يعرف أهوالها إلا من عانى منها، وقد يكون مطلوبا من شريف إسماعيل أن ينجز حكومته فى أسرع وقت ممكن، لأن الملفات التى تنتظره كثيرة، على رأسها وأهمها جميعًا، ملف الانتخابات البرلمانية، وهو ملف متخم بالأوراق الساخنة، وليس بعيدًا أن تشهد هذه الانتخابات حالة عنف سياسى، لأن البرلمان هذه المرة سيمكن من يستولون عليه من أن يقتسموا السلطة مع الرئيس.
يدخل شريف إسماعيل مكتبه كذلك، وهو يحمل على رأسه حالة الريبة التى أصبحنا نتعامل بها مع الحكومة، أى حكومة، خاصة أن كثيرين من وزراء محلب سيستمرون فى مناصبهم، ولا يمكن أن ينسى الناس فى يوم وليلة ما تردد عنهم قبل التغيير الأخير.
مهمة الحكومة الجديدة، أيا كان عمرها، ليس إنجاز تكليفات الرئيس فقط، عليها مهمة معنوية ونفسية، وهى أن تعيد الثقة للناس فى الحكومة التى تعمل، وهى مهمة أعتقد أنها ليست هينة.
ما الذى يجب علينا أن نفعله نحن؟
قد يكون السؤال الأصح والأنسب هو: ما الذى نستطيع أن نفعله من الأساس؟
كل ما نستطيعه أن ننتظر فقط.
يمكننا أن نرسم سيناريوهات لمستقبل الحكومة الجديدة، نتنبأ بنجاحها أو فشلها.
قد يكون ما عندى مختلفًا.. فنحن نتابع أعمال الحكومات انتظارًا فى اليوم الذى نشيعها فيه، هكذا قدرنا.. أما أنتم فليس أمامكم إلا أن تتمنوا للحكومة النجاح، فالفشل لم يعد خيارًا.. بل انتحار.