هذه القصة حقيقية، وأحداثها جرت منذ شهور، وأحد شهودها رجل أعمال مصرى يقيم فى مدينة نيويورك.. فى عيد الشكر اشترت سيدة فى بوسطن «ديك رومى» متوسطًا لتطهيه لأسرتها احتفالا بيوم شكر الله على نعمه. عادت السيدة إلى بيتها، ووضعت الديك فى وعاء به ماء وأشعلت النار، ثُم انشغلت فى حديث تليفونى طويل نسيت فيه الديك حتى احترق.
فى المساء التفت الأسرة حول الديك المحترق ليشكروا الله، قبل أن تمتد أيديهم إليه ليجدوه محترقا إلا قليلا. حزنت السيدة لما آل إليه الديك، وحزنت أكثر أن أحدا لم يأكل منه شيئا. وفى الصباح دفعها الغيظ أن تحمل الديك مرة أخرى إلى المحل وتطلب من البائع أن تعيده وتسترد أموالها. نظر البائع إلى الديك المحترق، لكنه فكر قليلا وتذكر قواعد إعادة البضاعة التى تنص على إعادة البضاعة خلال ٢٤ ساعة ما لم تستخدم، لكنه نظر إلى وجه السيدة الحزينة وقرر استرجاع الديك وهو يعلم أنها أحرقته، وطلب إليها أن تأخذ كوبونات بنفس القيمة لتشترى بعد ذلك، لكنها رفضت وأصرت على الحصول على ٣٠ دولارا دفعتها ثمنا للديك، وبالفعل رد لها المبلغ وهو معتذر عن أى شىء يكون قد تسبب لها فى ضيق.
وفى التقييم الأسبوعى لأداء البائعين بالمحل اختير البائع كبائع مثالى، وتم منحه مكافأة تحفيز. واستغرب البعض من تصرف مدير المنشأة لأن القواعد تقول إن الاستبدال يتم فى حال عدم طهى السلعة، لكنه شرح للعاملين عبقرية قرار البائع ملخصا المنافع فى ثلاثة؛ الأول أن السيدة تشترى من المحل شهريا بنحو ٦٠٠ دولار وهو ما يعنى أن منحها ٣٠ دولارا لمرة واحدة للحفاظ عليها كعميلة أفضل من إعطائها درسا فى أصول رد السلع. الثانى أن ذلك التصرف يُعد إعلانا مباشرا عن خدمات المحل بدلا من عمل إعلان يكلفه آلاف الدولارات، حيث ستقوم السيدة بسرد قصة الديك لصديقة أو جارة أو أحد أقاربها وهو ما يُمثل دعاية عظيمة للمكان. ثالث المنافع أن السيدة ستشعر بالامتنان للمكان وللعاملين فيه لأنه ساعدها فى التفريج عن ضيق ألم بها لعدم تمكنها من الاحتفال بعيد الشكر، وذلك الامتنان سينعكس ولاء واهتماما بالمحل.
تصوروا: لو كان هُناك متجر أو سلسلة محلات فى مصر تبيع منتجاتها بمثل هذه السياسة! تخيلوا: لو تحول البيع إلى فن، والتسويق إلى مهارة، وصار لدينا مسوقون مهرة يكسبون الزبائن قبل أن يكسبوا جيوبهم!
البزنس فن ومهارة، والتسويق علم ومنهج، وما زال أمامنا الطريق طويلا. طويلا.
والله أعلم.