رحلت حكومة المهندس إبراهيم محلب، وأتت حكومة المهندس شريف إسماعيل، وهى حكومة تسيير أعمال، من وجهة نظرى، لأن مدة بقائها في السلطة لن تتجاوز شهرين، تجرى فيهما الانتخابات البرلمانية، ثم تتقدم باستقالتها لكى يقوم البرلمان -وفقا للدستور- بتشكيل حكومة أخرى. رحلت حكومة «محلب» بعدما أدت ما عليها من واجبات في ظروف دقيقة للغاية، وسط ضجيج وصخب لا يستحقه الرجل ولا حكومته، فقد خدموا البلاد في أصعب وأحلك الظروف، ولم يتوانوا في الدفاع عن مصالح الناس ليل نهار. والحقيقة أن خبر رحيل الحكومة لم يكن مستغربًا، فقد ناقش عدد من الوزراء في اجتماع عاصف يوم الأربعاء الماضى، عقب القبض على وزير الزراعة، قضية طرح الثقة في الحكومة عبر التقدم باستقالتها إلى الرئيس، وقد تخلل هذا الاجتماع العاصف بكاء البعض وارتفاع صوت البعض الآخر، احتجاجا على التعامل الإعلامي المهين مع الحكومة ووزرائها، عبر إطلاق الاتهامات الجزافية، التي طالت المجلس بكامله دون تمييز، في بعض وسائل الإعلام، وخصت وزراء بعينهم عبر وسائل إعلامية أخرى، وذلك عقب واقعة إلقاء القبض على وزير الزراعة بتهمة تلقى رشوة من رجال أعمال لتسهيل الاستيلاء على أراضٍ بغير حق.
لقد أديرت الأزمة، من وجهة نظرى، بشكل خاطئ أعطت للجميع فرصة الطعن دون دليل في ذمة الحكومة، هيئة ووزراء، فاتحة الباب نحو مزايدة على الرئيس وخياراته، ما اضطر البعض من مستشارى الرئيس إلى التقدم بهذا الاقتراح الذي يريح الجميع، وهى تجربة يجب أن نستخلص منها الدروس في كيفية إدارة الأزمات السياسية بشكل عقلانى، بعيدًا عن الانفعال الذي يضر أكثر مما ينفع. لا يوجد بالطبع مواطن صالح في مصر يقف ضد مواجهة الفساد بشكل حازم وبمسئولية ترقى لرئيس الدولة نفسه، لكن مواجهة الفساد شيء وإطلاق العنان لوحش الشائعات يطال الشرفاء شيء آخر، فليس من قبيل رد الجميل أن يُتهم محلب وحكومته بالفساد ويودع هو وحكومته بهذه الاتهامات. كل التقدير لمحلب وحكومته، وكل الاحترام لخيارات الرئيس القادم، وكل الأمل في انتخابات نيابية شريفة ومحترمة تقودنا إلى برلمان وطنى قوى، تستحقه مصر ويستحقه المصريون.