كثيرا ما أشرت إلى أربعة من الرجال أفضوا بالعراق إلى عتبة التقسيم، وإلى تآكل صيغة: (عراق موحد متعدد الطوائف والأعراق) التى كان الأمريكان يقومون بتسويقها على نطاق واسع بعد قيامهم بغزو الرافدين عام ٢٠٠٣.
وهؤلاء الرجال هم على التوالى: (جاى جارنر)، أول حاكم للعراق وهو جنرال متخصص فى الصواريخ والإلكترونيات يعيش فى ولاية فلوريدا، ويرتبط على نحو وثيق بإسرائيل، وقد أمضى فترة مسئوليته فى تأسيس شركات تخدم مصالح أفراد من الزمرة الحاكمة فى أمريكا، وقتها مثل كولن باول، ودونالد رامسفيلد، وديك تشينى، وخليل زلماى زادة، وهى شركات- فى التحليل الأخير- تعمل على امتصاص ثروات العراق، وبالذات النفطية.
أما الشخص الثانى فهو بول بريمر أول حاكم مدنى للعراق، وهو الذى أفشى ثقافة المحاصصة عبر تشكيلة ما يعرف باسم المجلس الانتقالى، الذي يتكون بحصص معلومة من الشيعة والسنة والتركمان والأكراد والمسيحيين، وقد رافق ذلك بحله الجيش العراقى والشرطة والمخابرات وحزب البعث، يعنى أخلى الساحة من مؤسسات الدولة التى تعتبر أدوات للضبط المادى، وتركها لمجلس انتقالى مقسم على أساس حصص عرقية ومذهبية وطائفية، وتصور وفقا لما أسميه الهندسة الجينية السياسية الأمريكية التى يتم تشكيلها واختراعها فى الغرف المغلقة دون علاقة بالواقع، أنه سيقنع الآخرين بأن غرضه هو (عراق موحد)، ولكن القاعدة التى أسسها بول بريمر أفضت إلى (التقسيم) وليس إلى (عراق موحد متعدد الطوائف).
ثم كان ثالث الرجال هو نوح فيلتمان، الباحث والدارس التاريخى والاجتماعى فى الجامعات البريطانية والأمريكية الذى كان صاحب باع كبير فى دراسة تاريخ العراق والسنة والشيعة فيه- بالذات- وقد أوكل الاحتلال مهمة وضع دستور العراق الجديد لنوح فيلتمان الذى صاغ نصوصه على هدى أفكار (الهندسة الجينية الوراثية الأمريكية)، متصورا أن ما يثبت عبر التصور النظرى يطابق- بالضرورة وبالطبيعة- ما يجرى على أرض الواقع الذى تدخل عوامل نفسية ومزاجية معقدة فى تشكيله، فضلاً عن عدم قدرة أية قوة، أو أى مخلوق على تثبيت متغير واحد يريده أو يزعم قدرته على تحقيقه، وهو(عراق موحد متعدد الطوائف)، فيما تتحرك كل المتغيرات الأخرى وعلى رأسها تلك المترتبة على حل الجيش والشرطة والمخابرات وحزب البعث.
وأخيرا، فإن الرجل الرابع هو جيفرى فيلدمان مساعد وزير الخارجية الأمريكى الذى هندس من قبل الصراع بين قوى (١٤ مارس) و(٨ مارس) فى لبنان، ثم جاء ليفعل نفس الشيء بين المذاهب والأعراق والطوائف العراقية!
يعنى الولايات المتحدة كانت تدعى أنها مع (عراق موحد متعدد الطوائف) وفقاً لصيغة نظرية اخترعتها فى بعض القاعات المغلقة فى وزارة الخارجية أو مجمع المخابرات الأمريكية، (يضم ٤١ وكالة فيدرالية للمخابرات ضمنها المخابرات المركزية الأمريكية CIA)، فيما تعمل نفس الولايات المتحدة على الأرض (عملياتيا) على إذكاء الحزازات بين مكونات المجتمع العراقى، وبما يفضي- بالطبيعة- إلى التقسيم فى نهاية المطاف.
اليوم.. العراق مطالب بالإجابة على سؤالين نتيجتهما هى ذلك التقسيم والولايات المتحدة طرف أساسى فى الإجابة عليهما، وهما: (داعش) و(إيران).
إذ نجح الإيرانيون عبر عميلهم نورى المالكى، رئيس وزراء العراق السابق، فى حكم العراق، ومماسة ألوان من الإقصاء للسنة والأكراد، وتمددت تنظيماتهم مثل حزب الدعوة والمجلس الإسلامى الأعلى فى العراق، كما ميليشياتهم (عصائب أهل الحق) و(جيش المهدي) وأخيرا (سرايا السلام) و(الحشد الشعبي).
وحين خلقت الولايات المتحدة (داعش) لتساعدها على التقسيم، افتقد جنود الجيش العراقى فى الموصل دافع المواجهة سواء كانوا من السنة أو من الشيعة.
فالشيعة من جنود الجيش رغم اقتناعهم بأن المالكى هو مندوب إيران وعميلها ولم يجدوا فى نفوسهم أى حماس للدفاع عن المدينة التى ينتمى أغلب سكانها إلى السنة، كما أن السنة من الجيش لم يجدوا فى نفوسهم ذات الحماسة، وهم يشعرون أن من يحكم العراق (المالكي) بالوكالة عن طهران، وهكذا سقطت الموصل، ثم من بعدها الأنبار ذلك السقوط الكارثى.
اليوم وجد حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى القادم- كذلك- من حزب الدعوة ذى الروابط الوثيقة بإيران، نفسه أمام واقع سكانى ديمغرافى تاريخى جغرافى، يفرض نفسه فى العراق، فالأكراد يقتربون على نحو حثيث من حلمهم بنشأة دولتهم القومية كردستان فى شمال العراق، وفى سوريا (الكرد البياديين)، وفى تركيا عبر جناحين، أحدهما مدنى فى حزب الشعوب الديمقراطى بقيادة صلاح الدين ديمرطاش، والآخر مسلح فى حزب العمال الكردستانى، بقيادة عبد الله أوجلان، وأخيرا فى إيران، ومن ثم فإنهم بدأوا خطواتهم- بالفعل- نحو الانفصال.
أما مناطق السنة فقد سيطر عليها تنظيم داعش المتوحش الذى خلقته الولايات المتحدة لتحقق- عبر وحشيته- زجر كل من ليس من السنة للابتعاد.
وأخيرا، بقى الشيعة فى مناطقهم بالوسط والجنوب العراقى.
العبادى تعامل بواقعية مع ذلك التقسيم الحادث فعليا، وبخاصة بعد اتفاق إيران حول الملف النووى مع دول (٥+١) الذى منحها فرصا لدور إقليمى أكبر مع مباركة أمريكية. إذ رأى العبادى استغلال ذلك التقارب فى توجيه ضربات إلى داعش بحشد عسكرى إيرانى وغطاء جوى أمريكى بما يتيح إجلاء داعش بعد أن فرغ من دوره، مع منح المناطق السنية قدراً من الحكم الذاتى، وبخاصة مع تصاعد الغضب فى تلك المناطق من قيام العبادى بالإطاحة بمزيد من العناصر السنية فى بلاط الحكم، ومنهم بعض نواب رئيس الجمهورية، ومحافظ نينوى أثيل النجيفى شقيق أسامة النجيفى رئيس البرلمان.
الهوة النفسية تتسع بين السنة والشيعة والأكراد، وتفتح بابا كبيرا للتقسيم، وانكشاف حقيقة الموقف الأمريكى الذى يسعى إلى ذلك التقسيم متدثرا بادعاء (صيغة عراق موحد ومتعدد الطوائف والمذاهب).
ولضمان تأييد إيران للعبادى، فقد قام بذلك التصعيد ضد السنة، ومن جانب آخر ضد فلول المالكى، ووصل به الأمر إلى توحيد اتهام رسمى لنورى المالكى ليوجه رسالة لإيران مفادها (إن كنت تريدين عميلاً يحقق تقسيم العراق، ويعطيك فرصا للسيطرة على أغلب العراق فهو أنا وليس المالكي).
ولن يستطيع داعش إذا نجح العبادى فى الوصول إلى اتفاق يضمن حشد قوات إيران العسكرية تحت غطاء جوى أمريكى، حتى لو استخدم داعش وسائل إقناعه وتجييشه لقواته مثل (القسوة) التى ترهب أعداءه وتشعر أفراده بالقوة، و(الرحمة) التى يشيعها خطابه الزائف عن التوبة، و(الضحية) أو (المظلومية) التى يفشيها حديثه عن المؤامرة الدولية ضد الإسلام، و(الحرب) التى يقوم بالتسويق لقدرته عليها بأفلام ضحايا الذبح وطوابير عربات الدفع الرباعى المسلحة التى ترتفع فوقها أعلامها السوداء، و(الانتماء) الذى يبرز كيفية التكافل والتكاتف بين أعضاء التنظيم، و(المدينة الفاضلة) التى تبين الخلافة باعتبارها المجتمع الفاضل الذى تسوده قيم الحق والخير ويسلم أبناءه إلى الجنة.
المشهد العراقى الحالى برغم ما يسوده من غطاءات تدعى مكافحة الفساد والإقصاء هو مشهد التمهيد النهائى لإيران من الرافدين، وتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم على الأقل، وسقوط وانكشاف صيغة (عراق موحد متعدد الطوائف) التى لطالما ادعت أمريكا تبنيها.
وهؤلاء الرجال هم على التوالى: (جاى جارنر)، أول حاكم للعراق وهو جنرال متخصص فى الصواريخ والإلكترونيات يعيش فى ولاية فلوريدا، ويرتبط على نحو وثيق بإسرائيل، وقد أمضى فترة مسئوليته فى تأسيس شركات تخدم مصالح أفراد من الزمرة الحاكمة فى أمريكا، وقتها مثل كولن باول، ودونالد رامسفيلد، وديك تشينى، وخليل زلماى زادة، وهى شركات- فى التحليل الأخير- تعمل على امتصاص ثروات العراق، وبالذات النفطية.
أما الشخص الثانى فهو بول بريمر أول حاكم مدنى للعراق، وهو الذى أفشى ثقافة المحاصصة عبر تشكيلة ما يعرف باسم المجلس الانتقالى، الذي يتكون بحصص معلومة من الشيعة والسنة والتركمان والأكراد والمسيحيين، وقد رافق ذلك بحله الجيش العراقى والشرطة والمخابرات وحزب البعث، يعنى أخلى الساحة من مؤسسات الدولة التى تعتبر أدوات للضبط المادى، وتركها لمجلس انتقالى مقسم على أساس حصص عرقية ومذهبية وطائفية، وتصور وفقا لما أسميه الهندسة الجينية السياسية الأمريكية التى يتم تشكيلها واختراعها فى الغرف المغلقة دون علاقة بالواقع، أنه سيقنع الآخرين بأن غرضه هو (عراق موحد)، ولكن القاعدة التى أسسها بول بريمر أفضت إلى (التقسيم) وليس إلى (عراق موحد متعدد الطوائف).
ثم كان ثالث الرجال هو نوح فيلتمان، الباحث والدارس التاريخى والاجتماعى فى الجامعات البريطانية والأمريكية الذى كان صاحب باع كبير فى دراسة تاريخ العراق والسنة والشيعة فيه- بالذات- وقد أوكل الاحتلال مهمة وضع دستور العراق الجديد لنوح فيلتمان الذى صاغ نصوصه على هدى أفكار (الهندسة الجينية الوراثية الأمريكية)، متصورا أن ما يثبت عبر التصور النظرى يطابق- بالضرورة وبالطبيعة- ما يجرى على أرض الواقع الذى تدخل عوامل نفسية ومزاجية معقدة فى تشكيله، فضلاً عن عدم قدرة أية قوة، أو أى مخلوق على تثبيت متغير واحد يريده أو يزعم قدرته على تحقيقه، وهو(عراق موحد متعدد الطوائف)، فيما تتحرك كل المتغيرات الأخرى وعلى رأسها تلك المترتبة على حل الجيش والشرطة والمخابرات وحزب البعث.
وأخيرا، فإن الرجل الرابع هو جيفرى فيلدمان مساعد وزير الخارجية الأمريكى الذى هندس من قبل الصراع بين قوى (١٤ مارس) و(٨ مارس) فى لبنان، ثم جاء ليفعل نفس الشيء بين المذاهب والأعراق والطوائف العراقية!
يعنى الولايات المتحدة كانت تدعى أنها مع (عراق موحد متعدد الطوائف) وفقاً لصيغة نظرية اخترعتها فى بعض القاعات المغلقة فى وزارة الخارجية أو مجمع المخابرات الأمريكية، (يضم ٤١ وكالة فيدرالية للمخابرات ضمنها المخابرات المركزية الأمريكية CIA)، فيما تعمل نفس الولايات المتحدة على الأرض (عملياتيا) على إذكاء الحزازات بين مكونات المجتمع العراقى، وبما يفضي- بالطبيعة- إلى التقسيم فى نهاية المطاف.
اليوم.. العراق مطالب بالإجابة على سؤالين نتيجتهما هى ذلك التقسيم والولايات المتحدة طرف أساسى فى الإجابة عليهما، وهما: (داعش) و(إيران).
إذ نجح الإيرانيون عبر عميلهم نورى المالكى، رئيس وزراء العراق السابق، فى حكم العراق، ومماسة ألوان من الإقصاء للسنة والأكراد، وتمددت تنظيماتهم مثل حزب الدعوة والمجلس الإسلامى الأعلى فى العراق، كما ميليشياتهم (عصائب أهل الحق) و(جيش المهدي) وأخيرا (سرايا السلام) و(الحشد الشعبي).
وحين خلقت الولايات المتحدة (داعش) لتساعدها على التقسيم، افتقد جنود الجيش العراقى فى الموصل دافع المواجهة سواء كانوا من السنة أو من الشيعة.
فالشيعة من جنود الجيش رغم اقتناعهم بأن المالكى هو مندوب إيران وعميلها ولم يجدوا فى نفوسهم أى حماس للدفاع عن المدينة التى ينتمى أغلب سكانها إلى السنة، كما أن السنة من الجيش لم يجدوا فى نفوسهم ذات الحماسة، وهم يشعرون أن من يحكم العراق (المالكي) بالوكالة عن طهران، وهكذا سقطت الموصل، ثم من بعدها الأنبار ذلك السقوط الكارثى.
اليوم وجد حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى القادم- كذلك- من حزب الدعوة ذى الروابط الوثيقة بإيران، نفسه أمام واقع سكانى ديمغرافى تاريخى جغرافى، يفرض نفسه فى العراق، فالأكراد يقتربون على نحو حثيث من حلمهم بنشأة دولتهم القومية كردستان فى شمال العراق، وفى سوريا (الكرد البياديين)، وفى تركيا عبر جناحين، أحدهما مدنى فى حزب الشعوب الديمقراطى بقيادة صلاح الدين ديمرطاش، والآخر مسلح فى حزب العمال الكردستانى، بقيادة عبد الله أوجلان، وأخيرا فى إيران، ومن ثم فإنهم بدأوا خطواتهم- بالفعل- نحو الانفصال.
أما مناطق السنة فقد سيطر عليها تنظيم داعش المتوحش الذى خلقته الولايات المتحدة لتحقق- عبر وحشيته- زجر كل من ليس من السنة للابتعاد.
وأخيرا، بقى الشيعة فى مناطقهم بالوسط والجنوب العراقى.
العبادى تعامل بواقعية مع ذلك التقسيم الحادث فعليا، وبخاصة بعد اتفاق إيران حول الملف النووى مع دول (٥+١) الذى منحها فرصا لدور إقليمى أكبر مع مباركة أمريكية. إذ رأى العبادى استغلال ذلك التقارب فى توجيه ضربات إلى داعش بحشد عسكرى إيرانى وغطاء جوى أمريكى بما يتيح إجلاء داعش بعد أن فرغ من دوره، مع منح المناطق السنية قدراً من الحكم الذاتى، وبخاصة مع تصاعد الغضب فى تلك المناطق من قيام العبادى بالإطاحة بمزيد من العناصر السنية فى بلاط الحكم، ومنهم بعض نواب رئيس الجمهورية، ومحافظ نينوى أثيل النجيفى شقيق أسامة النجيفى رئيس البرلمان.
الهوة النفسية تتسع بين السنة والشيعة والأكراد، وتفتح بابا كبيرا للتقسيم، وانكشاف حقيقة الموقف الأمريكى الذى يسعى إلى ذلك التقسيم متدثرا بادعاء (صيغة عراق موحد ومتعدد الطوائف والمذاهب).
ولضمان تأييد إيران للعبادى، فقد قام بذلك التصعيد ضد السنة، ومن جانب آخر ضد فلول المالكى، ووصل به الأمر إلى توحيد اتهام رسمى لنورى المالكى ليوجه رسالة لإيران مفادها (إن كنت تريدين عميلاً يحقق تقسيم العراق، ويعطيك فرصا للسيطرة على أغلب العراق فهو أنا وليس المالكي).
ولن يستطيع داعش إذا نجح العبادى فى الوصول إلى اتفاق يضمن حشد قوات إيران العسكرية تحت غطاء جوى أمريكى، حتى لو استخدم داعش وسائل إقناعه وتجييشه لقواته مثل (القسوة) التى ترهب أعداءه وتشعر أفراده بالقوة، و(الرحمة) التى يشيعها خطابه الزائف عن التوبة، و(الضحية) أو (المظلومية) التى يفشيها حديثه عن المؤامرة الدولية ضد الإسلام، و(الحرب) التى يقوم بالتسويق لقدرته عليها بأفلام ضحايا الذبح وطوابير عربات الدفع الرباعى المسلحة التى ترتفع فوقها أعلامها السوداء، و(الانتماء) الذى يبرز كيفية التكافل والتكاتف بين أعضاء التنظيم، و(المدينة الفاضلة) التى تبين الخلافة باعتبارها المجتمع الفاضل الذى تسوده قيم الحق والخير ويسلم أبناءه إلى الجنة.
المشهد العراقى الحالى برغم ما يسوده من غطاءات تدعى مكافحة الفساد والإقصاء هو مشهد التمهيد النهائى لإيران من الرافدين، وتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم على الأقل، وسقوط وانكشاف صيغة (عراق موحد متعدد الطوائف) التى لطالما ادعت أمريكا تبنيها.