أثبت فنُ الطهى وعلمُ الكيمياء على حدٍ سواء أن خلطَ أشياءٍ وعناصرَ معينة بعضَها ببعض إما أن يؤدى إلى خلطةٍ شهية أو صالحة للناس، وإما أن يؤدى إلى توليدِ عناصرَ ذاتِ سُمْيَةٍ عالية فى الخلطة الناتجة تورد من يتناولها موارد الهلاك، وليست خلطةُ الإسلامِ السياسى بعيدةً مطلقاً عن هذه الحقيقةِ الدامغة.
بَيْدَ أن خلطَ الإسلامِ كدين بالسياسةِ كعلمٍ وفن وممارسة، بما يُعرف بالإسلام السياسى، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها خلطةٌ من النوعِ الخطير الذى ينتج عنه آثارٌ سامة على الفرد والمجتمع والدولة والمنطقة والعالم، ليس هذا فقط بل على الجماعات والحركات والتيارات التى قامت بدمج عنصريْ الدينِ والسياسة، وليس أدلَ على ذلك من الفشلِ الذريع الذى صادف هذه الخلطة عندما وصلت جماعةُ الإخوانِ المسلمين إلى الحكم، بما أدى إلى ثورةِ الشعب الذى اختارها عليها، وليس أدلَ على ذلك من ارتدادِ البعضِ عن الإسلام وبزوغ ظاهرة الإلحاد فى مصر باعتبار أن هذه الجماعة تتحدث باسم الله وباسم الإسلام، فَكَفَرَ البعضُ باللهِ وبالإسلام نِكايةً فى الجماعة.
وهكذا، فإن جماعةَ الإخوانِ المسلمين أحدُ الوكلاءِ الرئيسيين لترويج خلطةِ الإسلام السياسى فى مصر والمنطقة العربية والعالم أثبتت عند خلطِها الإسلامَ بالسياسة مدى سُمية هذه الخلطة ومدى فشلها؛ فلا هى أقامت ديناً، ولا هى مارست سياسة، بل قدمت نماذجَ غيرَ مسبوقة من الفشل وتدنى الأداء يشهدُ عليه القاصى والدانى باستثناء الجماعة التى تُمارس حالةً غيرَ مسبوقة من الإنكارِ لم يشهدها أيَ تنظيمٍ سياسى على مدارِ التاريخ.
ورغم أنه من المنطقى أنه إذا جربَ إنسانٌ خلطةً وثبتت خطورتُها وسُميتُها الشديدة، وجب عليه ألا يجربها مرةً أخرى، لأن خلطَ العناصرِ والمكونات نفسها سوف يؤدى بالقطع إلى النتائجِ ذاتها، إلا أن حزبَ النورِ السلفى يريدنا أن نُجربَ الخلطةَ نفسها، ولكن بدلاً من أن يضعَ على الخلطة عبارة «خُلِطَت بمعرفةِ جماعةِ الإخوان المسلمين»، فإنه يريدنا أن نجربَ الخلطةَ مع اختلافِ الطابع الموجود عليها «خُلطت بمعرفة الدعوة السلفية» أو«خُلطت بمعرفة حزب النور السلفى»، ولا يريد أن يفهم السلفيون أن الخلطةَ فاسدة من الأساس، ويُصرون على تجريبها فى الشعبِ المصرى تارةً أخرى.
ويحاولُ حزبُ النور أن يقدمَ لنا نفسه فى الآونةِ الأخيرة على أنه البديلُ الشرعي للإخوان، وأنه الأجدر على تبوءِ موقعِ الإخوان فى البرلمان القادم وربما فى المحليات والحكومة والمحافظين والوزراء، وتكرم علينا بعدم منافسته على منصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية، ولا أعلم من أين أتى حزبُ النور بهذا اليقين بأن الشعبَ المصرى يريد أن يُجربَ خلطةً مسمومة سبق له أن جربها فى زمنِ الإخوان الرديء، وكلُ ما هنالك من تغييرٍ فيها أن الذى يُقدمها لنا هو حزبُ النور الذراعِ السياسية للدعوةِ السلفية.
إن ما يفعله حزبُ النور هذه الأيام سبق أن فعله الإخوانُ الذين كانوا يذوبون اعتدالا وتوافقا وديمقراطية، وما إن اعتلوا كرسى السلطة قلبوا لنا ظهرَ المِجَن، وظهر لنا وجهٌ آخرَ لم نَرَهُ من قبل، وما أدرانا ألا يفعلُ حزبُ النور مثلما فعل حليفه السابق الإخوان، والذى انقلب عليه وانضم لخارطةِ المستقبل ليجدَ له مكانَ الصدارة فى النظام الجديد، وفى الوقت ذاته تشارك قواعدُه فى اعتصام رابعة العدوية، لكى يستفيدَ فى الحالتين؛ سواء بقى الإخوان أم ذهبوا إلى الجحيم، إن حزبَ النور السلفي الذى باع إخوانَه «المسلمين» قد يبيع الشعبَ المصرى كلَه بعد وصولِه إلى السلطة.
إن نجاحَ النظام سيكون مرتبطاً بتحقيقِ أهداف ثورتيْ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، والخطأُ الأكبرُ الذى ارتكبه ثوارُ يناير أنهم تركوا الميدانَ لكى يعتلى الإخوانُ كرسى الحكم دون أن يكون لهم فضلٌ فى ثورةٍ كانوا آخرَ من لحقَ بها وأولَ من نزلَ منها، لكى تصطدم الثورةُ وأهدافُها بالجُدرِ الخرسانية التى أحاطت بميدانِ التحرير فى عهدهم البائس، والخطأُ الأكثرُ فداحة أن يتركَ ثوارُ يونيو الميدانَ للسلفيين لكى يصلوا إلى الحكمِ وهم لم يشاركوا أصلاً لا فى ثورةِ يناير ولا ثورةِ يونيو، ويجب أن يُدركوا أن السلفيين يسيرون على دربِ الإخوان فى الانتهازيِة السياسية.
إن السلفيين يحاولون أن يقدموا لنا أنفسَهم من جديد، ولكن بالخلطةِ المسمومةِ نفسِها التى قدمها الإخوان، وكأن المصريين قد أصابهم فقدانَ الذاكرة، ولم يخبروا مواقفَ السلفيين من ثورتيْ يناير ويونيو، ولم يشهدوا حرقَ المتشددين منهم للكنائس واضطهادهم للإخوةِ الأقباط، ولم يَروْا أداءَهم السيئ فى مجلسِ الشعب المنحل، ولم يجربوا عليهم كَذِبَ مِنْخَاِر البلكيمى، ولم يروْا أنهم لا يقفون احتراما للعلمِ المصرى.. علمِ الدولةِ التى يتطلعون لحكمِها، ولم يَروْا من فتاوى مشايخِهم العجبَ العُجَاب بدايةً من تحريمِ الخروجِ على الحاكمِ أيامَ مبارك ومرورا بتحريمِ المعايدةِ على الإخوةِ المسيحيين فى أعيادِهم وانتهاءً بفتوى مضاجعةِ الوداعِ مع الزوجةِ بعدَ وفاتِها.
أيها السلفيون: استقيموا يرحمكم الله.. أيها المصريون: لا تجربوا خلطةَ الإسلامِ السياسى.. لأن الخلطةَ بها سمٌ قاتل.
هذا ما كتبته على موقع «البوابة نيوز» يوم الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠١٤ ترى هل اختلف الوضع؟.
بَيْدَ أن خلطَ الإسلامِ كدين بالسياسةِ كعلمٍ وفن وممارسة، بما يُعرف بالإسلام السياسى، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها خلطةٌ من النوعِ الخطير الذى ينتج عنه آثارٌ سامة على الفرد والمجتمع والدولة والمنطقة والعالم، ليس هذا فقط بل على الجماعات والحركات والتيارات التى قامت بدمج عنصريْ الدينِ والسياسة، وليس أدلَ على ذلك من الفشلِ الذريع الذى صادف هذه الخلطة عندما وصلت جماعةُ الإخوانِ المسلمين إلى الحكم، بما أدى إلى ثورةِ الشعب الذى اختارها عليها، وليس أدلَ على ذلك من ارتدادِ البعضِ عن الإسلام وبزوغ ظاهرة الإلحاد فى مصر باعتبار أن هذه الجماعة تتحدث باسم الله وباسم الإسلام، فَكَفَرَ البعضُ باللهِ وبالإسلام نِكايةً فى الجماعة.
وهكذا، فإن جماعةَ الإخوانِ المسلمين أحدُ الوكلاءِ الرئيسيين لترويج خلطةِ الإسلام السياسى فى مصر والمنطقة العربية والعالم أثبتت عند خلطِها الإسلامَ بالسياسة مدى سُمية هذه الخلطة ومدى فشلها؛ فلا هى أقامت ديناً، ولا هى مارست سياسة، بل قدمت نماذجَ غيرَ مسبوقة من الفشل وتدنى الأداء يشهدُ عليه القاصى والدانى باستثناء الجماعة التى تُمارس حالةً غيرَ مسبوقة من الإنكارِ لم يشهدها أيَ تنظيمٍ سياسى على مدارِ التاريخ.
ورغم أنه من المنطقى أنه إذا جربَ إنسانٌ خلطةً وثبتت خطورتُها وسُميتُها الشديدة، وجب عليه ألا يجربها مرةً أخرى، لأن خلطَ العناصرِ والمكونات نفسها سوف يؤدى بالقطع إلى النتائجِ ذاتها، إلا أن حزبَ النورِ السلفى يريدنا أن نُجربَ الخلطةَ نفسها، ولكن بدلاً من أن يضعَ على الخلطة عبارة «خُلِطَت بمعرفةِ جماعةِ الإخوان المسلمين»، فإنه يريدنا أن نجربَ الخلطةَ مع اختلافِ الطابع الموجود عليها «خُلطت بمعرفة الدعوة السلفية» أو«خُلطت بمعرفة حزب النور السلفى»، ولا يريد أن يفهم السلفيون أن الخلطةَ فاسدة من الأساس، ويُصرون على تجريبها فى الشعبِ المصرى تارةً أخرى.
ويحاولُ حزبُ النور أن يقدمَ لنا نفسه فى الآونةِ الأخيرة على أنه البديلُ الشرعي للإخوان، وأنه الأجدر على تبوءِ موقعِ الإخوان فى البرلمان القادم وربما فى المحليات والحكومة والمحافظين والوزراء، وتكرم علينا بعدم منافسته على منصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية، ولا أعلم من أين أتى حزبُ النور بهذا اليقين بأن الشعبَ المصرى يريد أن يُجربَ خلطةً مسمومة سبق له أن جربها فى زمنِ الإخوان الرديء، وكلُ ما هنالك من تغييرٍ فيها أن الذى يُقدمها لنا هو حزبُ النور الذراعِ السياسية للدعوةِ السلفية.
إن ما يفعله حزبُ النور هذه الأيام سبق أن فعله الإخوانُ الذين كانوا يذوبون اعتدالا وتوافقا وديمقراطية، وما إن اعتلوا كرسى السلطة قلبوا لنا ظهرَ المِجَن، وظهر لنا وجهٌ آخرَ لم نَرَهُ من قبل، وما أدرانا ألا يفعلُ حزبُ النور مثلما فعل حليفه السابق الإخوان، والذى انقلب عليه وانضم لخارطةِ المستقبل ليجدَ له مكانَ الصدارة فى النظام الجديد، وفى الوقت ذاته تشارك قواعدُه فى اعتصام رابعة العدوية، لكى يستفيدَ فى الحالتين؛ سواء بقى الإخوان أم ذهبوا إلى الجحيم، إن حزبَ النور السلفي الذى باع إخوانَه «المسلمين» قد يبيع الشعبَ المصرى كلَه بعد وصولِه إلى السلطة.
إن نجاحَ النظام سيكون مرتبطاً بتحقيقِ أهداف ثورتيْ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، والخطأُ الأكبرُ الذى ارتكبه ثوارُ يناير أنهم تركوا الميدانَ لكى يعتلى الإخوانُ كرسى الحكم دون أن يكون لهم فضلٌ فى ثورةٍ كانوا آخرَ من لحقَ بها وأولَ من نزلَ منها، لكى تصطدم الثورةُ وأهدافُها بالجُدرِ الخرسانية التى أحاطت بميدانِ التحرير فى عهدهم البائس، والخطأُ الأكثرُ فداحة أن يتركَ ثوارُ يونيو الميدانَ للسلفيين لكى يصلوا إلى الحكمِ وهم لم يشاركوا أصلاً لا فى ثورةِ يناير ولا ثورةِ يونيو، ويجب أن يُدركوا أن السلفيين يسيرون على دربِ الإخوان فى الانتهازيِة السياسية.
إن السلفيين يحاولون أن يقدموا لنا أنفسَهم من جديد، ولكن بالخلطةِ المسمومةِ نفسِها التى قدمها الإخوان، وكأن المصريين قد أصابهم فقدانَ الذاكرة، ولم يخبروا مواقفَ السلفيين من ثورتيْ يناير ويونيو، ولم يشهدوا حرقَ المتشددين منهم للكنائس واضطهادهم للإخوةِ الأقباط، ولم يَروْا أداءَهم السيئ فى مجلسِ الشعب المنحل، ولم يجربوا عليهم كَذِبَ مِنْخَاِر البلكيمى، ولم يروْا أنهم لا يقفون احتراما للعلمِ المصرى.. علمِ الدولةِ التى يتطلعون لحكمِها، ولم يَروْا من فتاوى مشايخِهم العجبَ العُجَاب بدايةً من تحريمِ الخروجِ على الحاكمِ أيامَ مبارك ومرورا بتحريمِ المعايدةِ على الإخوةِ المسيحيين فى أعيادِهم وانتهاءً بفتوى مضاجعةِ الوداعِ مع الزوجةِ بعدَ وفاتِها.
أيها السلفيون: استقيموا يرحمكم الله.. أيها المصريون: لا تجربوا خلطةَ الإسلامِ السياسى.. لأن الخلطةَ بها سمٌ قاتل.
هذا ما كتبته على موقع «البوابة نيوز» يوم الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠١٤ ترى هل اختلف الوضع؟.