السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تخريب ممنهج على الأراضي الزراعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصمت الدولة وبعدها تنتفض لمواجهة الكارثة، ومهما بذلت من جهد لتقليل المخاطر التى نجمت عن صمتها لا تفلح فى التصحيح، أقول هذا بمناسبة سرطان البناء على الأراضى الزراعية، الطوب الأحمر وأعمدة الخرسانة والحوارى الضيقة والبشر المرهقين، صاروا من العلامات المصرية المميزة، وكان من الممكن ألا نرى تلك العلامة التى هى وصمة عمار فى وجه التحضر لو انتبهت الحكومات المتعاقبة لدورها فى ترتيب أمور البشر.
الذين اعتدوا وما زالوا على الأراضى الزراعية لهم حجة واضحة وهى تسكين أبنائهم المقبلين على الزواج، وهى حجة تعجز الحكومة عن الرد عليها لأنها تركت ملف التخطيط وقضية الإسكان إلى آليات السوق حيث العرض والطلب والأسعار المجنونة، وبمتابعة قريبة لمن جرفوا أراضيهم من الزراعة واستسلموا لغابة الأسمنت لا نجد هذه الحجة صحيحة فى المطلق، ولكن يتم تقديمها لحماية سماسرة الأراضى الذين اعتدوا من خلال سلطة المال على قوت أبنائنا فاقتسموا مع المزارع الثروات وأقاموا الأبراج فى بعض المناطق (المنيب بالجيزة نموذجاً).
وما كان لهؤلاء السماسرة والمقاولين أن ينجحوا فى ذلك التخريب الممنهج لولا تحالف واضح وصريح بينهم وبين نفر من موظفى الدولة، ولأننا فى نظام وظيفى عجيب نرى كل موظف فى حدود إدارته يتعامل مع ما تحت يده باعتباره أملاكه الخاصة، فموظف الزراعة يغمض عينيه بمقابل ويعيد فتحها بمقابل آخر لتدور الدائرة الجهنمية وتضيع كل طموحات التنمية الجادة.
الغريب فى الأمر أن الاعتداء على الأراضى الزراعية لم يتوقف عند حدود الدلتا الضيقة، ولكنه امتد إلى الأراضى الصحراوية القابلة للزراعة فشاهدنا ما يسمى بالكمباوند لخدمة طبقة فاحشة الثراء، فلا تتوقف الجريمة عند حدود صاحب المال الوفير ولكنها بشكل أو بآخر تتم ممارستها لدى بسطاء بلادنا فى الريف، وأعرف أن محافظة الإسماعيلية ضربت الرقم القياسى فى تلك التجمعات العشوائية السريعة التى تقام بين ليلة وضحاها تحت سمع وبصر المسئولين، وعندما يقرر المسئول المواجهة يذهب بعدته وعتاده ليدك بيوت الأكثر فقراً، ثم يستدير ليشرب الشاى فى فيلا أو قصر مخالف للقانون.
تعلمنا من المهندس المخضرم حسب الله الكفراوى أنه لا بناء بدون ترخيص ولا ترخيص بدون تخطيط، هذه القاعدة الهندسية البسيطة لو تم التعامل بها ما شاهدنا عشوائيات تستنزف الدخل القومى لمعالجة آثارها، فالمعروف فى تلك المناطق هو تدنى الحالة التعليمية والصحية للسكان نظراً لانعدام المرافق، وهو ما ينعكس على الناس بالسلب لتدخل الدولة فى دوامة اعتمادات مالية للعلاج أو فى مواجهات أمنية مع مجرمين وبلطجية وإرهابيين نشأوا بعيدًا عن خدمات الدولة فتملكهم الغضب وخرجوا على الجميع.
الملف ليس بالبساطة التى يراها البعض، فهو ملف أمن قومى بامتياز، واقتحام ذلك الملف لن يكون بالتصريحات والشكوى ولكنه بالفعل المباشر على الأرض من خلال شراكة حقيقية مع الناس، من خلال حوار مباشر يتفهم، إذا كان الفهم حلاً، ويحسم إذا كان الحسم ضرورة، ولكن السكوت لأعوام قادمة سوف يجعل من مصر عشوائية كبيرة، فتنهار السياحة وتتهدد كل المشروعات الكبرى التى دفعنا فيه دم قلوبنا.
على المحليات ووزارة الزراعة والإسكان وغيرها الانتباه، نصرخ ومازلنا من أجل هذا البلد ومستقبله، ندفع من أعمارنا ليبقى الوطن، إذا لم تدرك الحكومة أن للصبر حدودًا، فهى تلقى بنا جميعًا إلى أتون الضياع، حروبنا على الحدود للدفاع عن كل شبر مقدس لهذا الوطن بينما يتم الاعتداء فى الداخل على مليارات الأمتار دون مواجهة علمية وجادة، دون ابتكار حلول من خارج الصندوق لتعيش بلادنا كما أرادها التاريخ تاج العلاء ودرة الشرق.