كثيرًا ما نمر على أماكن نجهل قيمتها، خاصة فى هذا البلد الذى يحمل فى كل شبر منه تاريخًا وحضارة، فقد ساقنى الحظ لزيارة أحد المشروعات المهمة التى تعد أحد الإنجازات التى ساهمت فى جذب الاستثمار وتوفير مناخ جيد لازدهاره فى عصر الرئيس الأسبق مبارك، حيث ذهبت لزيارة إلى القرية الذكية التى تعد أحد أهم المشروعات الكبرى التى تأسست فى بداية القرن الواحد والعشرين، والتى بلغت عائداتها عام 2010 حوالى 7 مليارات جنيه، وتضم الآن كبرى الشركات المصرية والعالمية، بالإضافة للعديد من المنشآت المهمة مثل مركز المؤتمرات، وجامعة النيل، ومركز التوثيق الحضارى..
فقد تأسست شركة القرية الذكية عام ٢٠٠١، بدعم الحكومة المصرية لكونها شراكة (حكومية وخاصة) حيث قدمت الحكومة الأرض وقامت الشركة بالمرافق مقابل ٨٠٪ للشركة و٢٠٪ للحكومة، وكان لحماس رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور أحمد نظيف، دور كبير فى إتمام المشروع.. وللأسف رغم اعتقادى مسبقًا كالكثيرين أن الدكتور نظيف كان من أسوأ رؤساء الوزراء إلا أن الأيام لا تزال تثبت مع مرورها أنه قام بالعديد من الإنجازات التى لم ندركها فى حينها بسبب التركيز على السلبيات فقط دون الاعتراف بأى فعل إيجابى كانت الحكومة تقوم به، وبالطبع هذا لا يعفيهم من المسئولية المباشرة لما وصلنا له بعد ذلك، ولكن يجب أن ننسب الفضل لأهله حين نرى أى إنجاز أو عمل إيجابى يستحق الإشادة.. لذلك بعد أن أدركت أهمية هذا المشروع وحجم الإنجاز الذى تم فيه وجدت أنه من الضرورى الإشارة له، حتى نعلم جميعًا أنه فى الوقت الذى يحاول البعض الهدم فيه هناك أياد كثيرة تمتد للبناء، ربما تحدث أخطاء ولكنها لا تنفى الجهد، والعرق، حيث يحاولون ألا تقتصر حضارتنا على قدماء المصريين فقط، بل نساهم نحن أيضًا فى مواكبة العصر والتكنولوجيا.. وهذا ما وجدته بزيارتى إلى القرية الذكية والتى استقبلتنا فيها الأستاذة منى فرانسيس، مديرة العلاقات العامة لشركة تنمية وإدارة القرية الذكية، بوجهها البشوش ورقيها شكلا وموضوعا، لتعطى منذ الوهلة الأولى الصورة الإيجابية وتعكس التحضر والرقى لهذا المشروع وإدارته، فرغم مرورى كثيرًا على هذا المكان وانبهارى بشكله الخارجى عند رؤيته لأول مرة إلا أننى لم أكن أتخيل قدر ما يحويه أو ما يحمله من جهد وعمل فائق الإتقان، ففى البداية قدمت السيدة منى عرضًا عامًا عن القرية من خلال الشرح على النموذج المصغر للقرية (الماكيت) الذى يعبر عن دقة وجودة التصميم المعمارى للقرية، ثم عرضت ظروف إنشائها والخصائص التى تميزها وطريقة العمل بها، وطبيعة العاملين بها ومؤهلاتهم، وفى نفس الوقت ما وفرته لهم القرية من خدمات ومميزات للترفيه عنهم وتثقيفهم.. وروت نجاح تجربتهم التى أدت لتكرارها مجددًا فى بعض الدول التى طلبت ذلك، مثل الأردن وتونس، والآن تحاول بعض الدول الإفريقية الاقتداء بهذا المشروع، مثل أوغندا التى وقعت مذكرة تفاهم فى هذا الشأن، وشرحت أهمية إقامة مثل هذا المشروع الذى يؤدى للنهوض بالإقليم الذى يحيط به، كما تطرقت أثناء النقاش للصعوبات التى واجهتهم، خاصة بعد عام ٢٠١١.. وقد شاهدت داخلها أيضًا متحفًا مصغرًا وهو ما يطلق عليه اسم مكتبة الإسكندرية أو مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى الذى يتبع مكتبة الإسكندرية ووزارة الاتصالات، وتمنيت لو يشاهده كافة الأطفال فى المدارس والشباب فى الجامعات ويتلقون فيه دروسًا أو محاضرات فى التاريخ والجغرافيا والفلك، فهو يضم قاعتين الأولى لعرض نماذج طبق الأصل من بعض المقتنيات الأثرية التى تعود للتاريخ العربى وتختص جميعها بعلم الفلك وطريقة التقويم وتقسيم الشهور ومعرفة التوقيت، وتضمنت على سبيل المثال أول ساعات فى التاريخ العربى كالساعة المائية والساعة الرملية.. كذلك احتوت القاعة على نموذج للكرة الأرضية وقتما كان العرب قد توصلوا لمعرفة الخريطة من الصين وحتى الأندلس بشكل يقترب كثيرًا من الخريطة فى العصر الحديث، أما النصف الآخر من الكرة الأرضية فكان باللون الأسود، لأن العرب لم يكونوا قد توصلوا فى ذلك الوقت إلى معرفة الجزء الآخر من الكرة الأرضية وبالتالى كانوا يسمونها بحر الظلمات.. أما القاعة الثانية فهى قاعة العرض الحضارى أو البانوراما الحضارية والتى تأخذ الزائرين فى رحلة عبر تاريخ مصر منذ ٥٠٠٠ عام من خلال شاشة عرض بانورامية تتكون من تسع شاشات رقمية منفصلة مركبة فى شكل نصف دائرى، وهى الأولى من نوعها فى العالم، ومن خلال الإشارة بجهاز التحكم على إحدى الصور تنتقل إلى المزيد من التفاصيل، وتلقى الضوء على التاريخ المصرى الفرعونى والقبطى والإسلامى والحديث مع عرض نماذج لكل منها وهى بالطبع تحتاج ليوم كامل أو ربما أكثر.. وقد سعدت بمشاهدة هذا المشروع العملاق وشعرت بفخر وبمزيد من الانتماء لأننا نملك هذا التقدم والرقى على مستوى البشر قبل الحجر.