تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا يغرنكم مظهره، يبدو طول الوقت وكأنه درويش من دراويش الطرقات الهائمين على وجوههم، ملابسه لا تدل على بساطة، بقدر ما تدل على غرور، فياسر برهامى، لا يهتم بما يرتدى، اعتقادًا منه أن ما يقوله فى حد ذاته معجزة، نادرًا ما يلتزم بالجلباب الأبيض، فتراه يجلس بين أقرانه من قيادات الدعوة السلفية، بألوان غريبة، بل هو نجم الـ«نص كم»، إذا جاز التعبير، فكثيرا ما يرتدى جلبابا بنص كم، وكأنه يريد أن يتميز بأى شىء، حتى لو كان بتقليعة لا يفعلها غيره.
ياسر، نائب رئيس الدعوة السلفية، لا يحتاج مبررًا ليكون مغرورًا فى الحقيقة، أتباعه ومريدوه ينفخون فيه، فهو بالنسبة لهم العلم الأشم، الداعية المجاهد، المربى القدوة الربانى المتفنن السمح الخلوق البسام الطيب، ولذلك فمن العبث أن نبحث عن سر تأثيره فى جمهور السلفيين فى مصر، فهم من منحوه عقولهم على بياض.
ليس صحيحًا أن ياسر مجرد فقيه، يمكن أن تستمتع بفتاواه الجنسية التى يبدو أنه هو نفسه يستمتع بها، فهو فى الحقيقة المنظّر السياسى لحزب النور، بل يمكن أن تعتبره المحرك الرئيسى لتحركات الحزب فى الشارع السياسى، مع من يتفق، ومع من يختلف، مع من يتفاوض، ومع من يعقد صفقة، يحاولون إخفاءه من الصورة، لكنه فى النهاية يحتل الجزء الأكبر منها.
استطاع برهامى أن يقنع جموع السلفيين بالمشاركة السياسية بعد ٢٥ يناير، كانت الدعوة السلفية تحرم المشاركة فى العمل السياسى، لكن برهامى جاءهم بما أقنعهم، وأعتقد أنهم اقتنعوا لأنهم كانوا يريدون ذلك.
فى المؤتمر الدورى الأول لحزب النور السلفى الذى عقد فى مدينة دمنهور، قال إن الدعوة السلفية عزفت عن المشاركة السياسية فى العهد البائد (يقصد عهد مبارك)، لأنها كانت مجرد ديكور ولعبة فى يد النظام الفاسد الذى كان يصور للعالم أن هناك معارضة وديمقراطية، وأنه كان يعرض على الدعوة السلفية المشاركة مقابل التنازل عن الثوابت والعقيدة، ولكن الدعوة ابتعدت ورفضت المشاركة نهائيا.
تلقف السلفيون ما قاله ياسر وكأنهم حصلوا على طوق نجاة، ولم يلتفتوا إلى أنه يكذب، فقد شاركت الدعوة السلفية نظام مبارك فساده واستبداده، فهى التى حرمت الخروج عليه، بل وقفت تشاهد الشباب وهو يقتل فى ميادين التحرير دون أن تنصره ولو بكلمة واحدة أو دعوة من فوق منبر، وهذا أضعف الإيمان ولن نقول أقواه.
هل نقول إنه مخادع، هو كذلك بالفعل، لكن الخداع لا يقل جرمًا وفداحة عن تبجحه فى وجه خصومه، عندما يعلن فى كل مرة جهاده غير المقدس على خصومه الفكريين والسياسيين.. عندما يجعلهم كفرة وخارجين عن شرع الله ومحاربين للإسلام، وكأنه وحده من يحمل توكيل الدفاع عن دين الله.
لا يجيد برهامى التعامل مع أنداد، لا يتقن الحديث إلا إلى أتباع، وهو ما يورده موارد الزلل السياسى، ولذلك عليه أن يعود إلى مربعه ولا يغادره..ما الذى يجعله يتحدث فى السياسة وهو لا يجيدها.. مقبول منه أن يعلم الناس صلاتهم.. أن يتحدث معهم فى الصيام والحج والزكاة.. أن يؤدبهم بآداب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أسلم له من أن يتحدث فيخطئ..ويجعل مذهبه عرضة للسهام التى لن تتردد فى الاتجاه ضده وبقوة.
إننا أمام رجل يخاصم العصر ولا يركن إليه فى شىء.. عندما تزوج من فتاة لا يتجاوز عمرها ١٧ عاما، وكان عمره وقتها ٣١ عاما اشترط على أهلها أن تترك التعليم فهى ليست فى حاجة إليه، ثم إن التعليم يعرضها إلى الاختلاط.. والاختلاط شر كله.
وعندما أنجب حرم أولاده من الذهاب إلى البحر فى موسم الصيف، وحرم عليهم مشاهدة التليفزيون لأنه مفسدة.. وقد يكون حرا فيما يقوله ويفعله.. لكن هذه الوقائع الصغيرة تدلنا على ما يريده ياسر برهامى ورفاقه من الناس.. بل يؤكد لنا أنهم عندما يحتلون المشهد السياسى – كما يخططون - لن يتسامحوا مع أحد، بل سيفرضون على الناس فكرهم ورؤيتهم بصرف النظر عما يتطلبه العصر أو يريده.
■ ■ ■
كان يمكن لياسر برهامى أن يعتصم بالصمت أن ينجو بنفسه.. لكن من قال إنه يريد أن ينجو، إنه يريد أن يعوض كل ما فاته وفات جماعته ودعوته، ولأن الدين كان سببا فى حصارهم، فهو يبحث عن مكاسب من السياسة التى دخلها دون رغبة فى الرجوع، حتى لو خسر كل ما ربحه فى سنوات دعوته، لكن الأزمة أن برهامى لن يخسر وحده، بل سيجعلنا فى مواجهة مع تيار يريد أن يحكم من أجل الحكم فقط، ومن أجل تطبيق ما يعتقد أنه شرع الله الذى يصلح الحياة.
على رقعة شطرنج حزب النور كثيرون، يعملون ويتحركون، لكن تظل ورقة ياسر برهامى هى الأكثر صخبا وإثارة، ربما لأنه الأكثر رغبة فى الصعود.
إنه الآن يعانى أزمات متلاحقة.
فعلى المستوى الدينى فقد ياسر برهامى سطوته الفقهية، أدرك الجميع من داخل الدعوة السلفية ومن خارجها أنه يفتى من أجل المصلحة، وأن فتاواه ليست نزيهة، ثم إنه كفقيه لا يمكن الاعتماد عليه، فقد طعنوه فى شرفه ونخوته عندما تحدث عن عدم تصدى الزوج لعشيق زوجته إذا ضبطهما معًا خوفًا عليه من الموت.. فحتى الفتاوى الشخصية أصبحت مجروحة.
وعلى المستوى السياسى الأمر أصعب، ينظر إليه شباب الدعوة السلفية على أنه مفتى السلطان، الذى وقف إلى جواره وأعانه على إخوانه.. وأنه ذهب ليلقى بنفسه على أعتاب السلطان من أجل الدنيا، وهو ما جعل برهامى يفشل تماما فى إقناع شباب السلفيين بوجهة نظره، فقد صرخوا فى وجهه محتجين عليه تحديدا بما حدث فى رابعة العدوية، ولم يستطع برهامى أن يقنعهم بشىء لا منطقى ولا غير منطقى، ومن خارج الدعوة السلفية ينظر إليه الجميع على أنه طامع، يعمل من أجل نفسه ومن أجل جماعته وليس من أجل الوطن.
■ ■ ■
يمكن أن تكون المعركة الانتخابية القادمة هى نهاية ياسر برهامى، أو من المفروض أن تكون كذلك، ليس لأنه خصم سياسى أو فكرى، فنحن مع الاختلاف، بشرط أن يتعايش الجميع تحت مظلة وطن واحد نعمل من أجله، لكنه هو ومن معه لا يؤمنون بالاختلاف، يريدون أن يصوغوا الحياة على هواهم، والمؤسف أنهم يستغلون كل وأى شىء من أجل تحقيق أهدافهم، لا يتورعون عن إتيان ما يخالف أفكارهم ومعتقدهم، من أجل الوصول إلى السلطة، فبئس تلك السلطة وبئس من يسعى إليها.
إننا لا نستهدف رأس ياسر برهامى هنا كشخص، ولكنه يأتى كرمز لفكر نرى أنه خطر، بل هو الشر فى حد ذاته، اسألوا الله أن ينجيكم منه، واعملوا من أجل الخلاص، فالخلاص لن يكون إلا بأيدينا.