هل شاركت في المندبة الكبرى التي نصبناها على جثة الطفل السوري القتيل على الشواطئ التركية؟ هل كتبت عبارة مؤثرة وموجهة على صفحتك على الفيس بوك؟ هل لعنت الأنظمة العربية والحكام العرب جميعًا هؤلاء الذين نموت على أيديهم بلا ثمن؟ هل مدحت السيدة ميركل التي قالت إنها ستقول للأجيال المقبلة، إنه في الوقت الذي دخل فيه اللاجئون السوريون إلي ألمانيا، أغلقت مكة، الأقرب لهم، أبوابها فى وجوههم؟ هل لعنت الصحف العربية لأنها لم تهتم بصورة الطفل، كما اهتمت الصحف الغربية؟ هل جلست إلي مكتبك لتكتب رسالة إلي الطفل المسكين وهو بين يدي خالقه؟ هل أعدت نشر صورته، وبحثت عن قصته، واستمعت إلي أبيه وحامل جثته وهو يروى اللحظات الأخيرة فى حياته القصيرة؟ هل بكيت عليه عندما عرفت أنه مات دون أن يدرى سببًا منطقيًا لموته؟
حسنًا، فعلت كل هذا، وربما أكثر منه بكثير، ما الذي ستفعله بعد ذلك؟
أقول لك أنا: لا شىء، لا شىء على الإطلاق، فالمأساة الحقيقية ليست فى موت الطفل بهذه الطريقة البشعة اللا إنسانية، ولكن لأن هناك مصورًا محترفًا سجل اللحظة، صدّرها لنا، وضعها أمام أعيننا، فترجم لنا قلة حيلتنا وتواطؤنا وانشغالنا لأنفسنا، الصورة هى التى حركتنا، وليس الموت أبدًا، فالموت يمرح فى شوارع سوريا وبيوتها دون أن نتوقف أمامه، لأننا ببساطة لم نر وقائعه، لم نسمع صرخات ضحاياه، وهم يسلمون الروح، لم نشاهد تعبيرات وجوههم، وآلة القتل الجبانة تطحن عظامهم، لم نلمس أجسادهم الباردة بعد أن أصبحوا جثثًا هامدة.
بعد أسبوع واحد من نشر صور الطفل القتيل سيختفى كل أثر، ويتبدد كل شعور، ويجف الإحساس، ليس لأننا أعدنا له حقه، وحاصرنا الألم بحماية أقرانه من نفس مصيره، ولكن لأننا أبدينا عليه حزنًا زائفًا، فقد أنقذنا نفاقنا، عندما جعلنا نمثل حالات الحزن والغضب والأسف، وهو النفاق نفسه الذي جعلنا نستكمل حياتنا، وكأن شيئًا لم يكن، وسيكون عليه أن يجعلنا قادرين على تمثيل نفس الأدوار لو اعترضت طريقنا صورة مؤلمة أخرى، فنحن لا نملك حيال المآسي الإنسانية سوى الدموع الزائفة والمشاعر الكاذبة.
وقبل أن تسألني عما يجب أن نفعله، سأقول لك: ليس مطلوبًا منك أن تفعل أي شىء، فالحياة مأساة كبيرة، نعيشها كما هي، لن نستطيع إيقافها أو ترويضها، قد يكون شاغلك هو تأخير وقوع المأساة، لكنك أبدًا لا تستطيع أن تمنعها، ولذلك هون عليك، ولا تتحمل عبء مشاعر زائفة تبيدها عندما ترى مأساة غيرك أمامك، لأن الإحساس الحقيقي الذي يسيطر عليك، هو أنك تحمد الله أنك لم تكن الضحية هذه المرة، تفعل ذلك وأنت واثق أنك يومًا ما ستكون الضحية.
سيقولون لك إن صورة الطفل القتيل جرحت ضمير العالم، لا تصدقهم، فالعالم بلا ضمير من الأساس، ولو كنا نملك ضميرًا لما وصل اللاجئون السوريون إلى حافة الموت الرخيص بهذه السهولة، ولما ضاعت سنوات الناس فى سجون مظلمة، ولما غرق الشباب فى موجات هجرة غير شرعية، نسميها نحن ذلك، رغم أنها تستمد شرعيتها من الألم والعجز والضياع، ولما قضى ملايين البشر نحبهم فى حروب عبثية، يديرها أصحابها، لأنهم لا يطيقون بقاء الأغيار إلى جوارهم، ولما نام الملايين على وجه الأرض وهم جوعى، لا يجدون ما يرحم صغارهم من صراخ الحاجة.
كلنا مدانون، ولا تستثن نفسك، لأنك بكيت أو أبديت مشاعر تعتقد أنها نبيلة، أو كتبت رسالة إلى ضحايا الأرض، ورأيت أنها مؤثرة، ليس مطلوبًا منك أن تفعل شيئًا بعينه، فلست واعظًا لأنصحك، أو أفرض عليك ما أعتقد أنه صواب، فقط تخلص من نفاقك، وكن صادقًا، وقتها ستستقيم الحال، لن أقول لك إن المآسي ستنتهى من حياتنا، فقداننا حياتنا نفسها مأساة، لكن على الأقل ستعرف ما عليك فعله، ولن تصبح منافقًا.. وهذا يكفي.
حسنًا، فعلت كل هذا، وربما أكثر منه بكثير، ما الذي ستفعله بعد ذلك؟
أقول لك أنا: لا شىء، لا شىء على الإطلاق، فالمأساة الحقيقية ليست فى موت الطفل بهذه الطريقة البشعة اللا إنسانية، ولكن لأن هناك مصورًا محترفًا سجل اللحظة، صدّرها لنا، وضعها أمام أعيننا، فترجم لنا قلة حيلتنا وتواطؤنا وانشغالنا لأنفسنا، الصورة هى التى حركتنا، وليس الموت أبدًا، فالموت يمرح فى شوارع سوريا وبيوتها دون أن نتوقف أمامه، لأننا ببساطة لم نر وقائعه، لم نسمع صرخات ضحاياه، وهم يسلمون الروح، لم نشاهد تعبيرات وجوههم، وآلة القتل الجبانة تطحن عظامهم، لم نلمس أجسادهم الباردة بعد أن أصبحوا جثثًا هامدة.
بعد أسبوع واحد من نشر صور الطفل القتيل سيختفى كل أثر، ويتبدد كل شعور، ويجف الإحساس، ليس لأننا أعدنا له حقه، وحاصرنا الألم بحماية أقرانه من نفس مصيره، ولكن لأننا أبدينا عليه حزنًا زائفًا، فقد أنقذنا نفاقنا، عندما جعلنا نمثل حالات الحزن والغضب والأسف، وهو النفاق نفسه الذي جعلنا نستكمل حياتنا، وكأن شيئًا لم يكن، وسيكون عليه أن يجعلنا قادرين على تمثيل نفس الأدوار لو اعترضت طريقنا صورة مؤلمة أخرى، فنحن لا نملك حيال المآسي الإنسانية سوى الدموع الزائفة والمشاعر الكاذبة.
وقبل أن تسألني عما يجب أن نفعله، سأقول لك: ليس مطلوبًا منك أن تفعل أي شىء، فالحياة مأساة كبيرة، نعيشها كما هي، لن نستطيع إيقافها أو ترويضها، قد يكون شاغلك هو تأخير وقوع المأساة، لكنك أبدًا لا تستطيع أن تمنعها، ولذلك هون عليك، ولا تتحمل عبء مشاعر زائفة تبيدها عندما ترى مأساة غيرك أمامك، لأن الإحساس الحقيقي الذي يسيطر عليك، هو أنك تحمد الله أنك لم تكن الضحية هذه المرة، تفعل ذلك وأنت واثق أنك يومًا ما ستكون الضحية.
سيقولون لك إن صورة الطفل القتيل جرحت ضمير العالم، لا تصدقهم، فالعالم بلا ضمير من الأساس، ولو كنا نملك ضميرًا لما وصل اللاجئون السوريون إلى حافة الموت الرخيص بهذه السهولة، ولما ضاعت سنوات الناس فى سجون مظلمة، ولما غرق الشباب فى موجات هجرة غير شرعية، نسميها نحن ذلك، رغم أنها تستمد شرعيتها من الألم والعجز والضياع، ولما قضى ملايين البشر نحبهم فى حروب عبثية، يديرها أصحابها، لأنهم لا يطيقون بقاء الأغيار إلى جوارهم، ولما نام الملايين على وجه الأرض وهم جوعى، لا يجدون ما يرحم صغارهم من صراخ الحاجة.
كلنا مدانون، ولا تستثن نفسك، لأنك بكيت أو أبديت مشاعر تعتقد أنها نبيلة، أو كتبت رسالة إلى ضحايا الأرض، ورأيت أنها مؤثرة، ليس مطلوبًا منك أن تفعل شيئًا بعينه، فلست واعظًا لأنصحك، أو أفرض عليك ما أعتقد أنه صواب، فقط تخلص من نفاقك، وكن صادقًا، وقتها ستستقيم الحال، لن أقول لك إن المآسي ستنتهى من حياتنا، فقداننا حياتنا نفسها مأساة، لكن على الأقل ستعرف ما عليك فعله، ولن تصبح منافقًا.. وهذا يكفي.