نستكملُ فى هذا المقال عرضَ نتائج دراسة «تجديد الخطاب الدينى فى خطاب الصحافة العربية» بالتطبيق على صحيفتى (الأهرام) المصرية و(الحياة اللندنية) التى أجرتها الدكتورة آمال كمال طه، الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان.
ففيما يتعلق بسماتِ الخطاب الدينى، تشير موادُ الرأى فى «الأهرام» إلى أن أول ما يلحظه المُراقب لوضع الخطاب فى مصر هو الصراع بين اتجاهاته، وأن السائدَ من هذا الخطاب يتسم بالجمودِ والبعد عن التسامح والعقلانية، وغلبةِ التقليد على الاجتهاد وانتشار التعصب المقترن بالعنفِ المادى والمعنوى، فضلاً عن شيوعِ وهمِ احتكار المعرفة الدينية. ووصفِ الخطابِ الدينى السائد بأنه «لم يفارق تطرفه ولا تحجره السلفى خصوصاً فى الأوساطِ الأمية والبيئاتِ الشعبية التى تقع تحت خطِ الفقر، حيث تتردد مواعظ وخطبٌ سلفيةُ المنزع فى جمودِها وتشددها وتكفيرها لكلِ ما يدعو إلى الدولةِ المدنية».
وأشارت بعضُ الطُروحات فى «الأهرام» إلى أن الخطابَ الدينى السائد خطابٌ مُعَادٍ للفلسفة ممثلة فى الفكر والتعقل ومُعَادٍ للفن، لأن الفنَ فى نظره رجزٌ من عملِ الشيطان، بل مُعَاٍد للعلم نفسه، لأنه ينزعُ عنه استقلاليته ويعتبره متضمنا فى الدين، وأن السببَ الرئيس لتخلفنا كشعوبٍ تنتمى للحضارةِ العربية الإسلامية هو غيابُ التأويل عن واقع الثقافةِ العربية منذ وفاةِ ابنِ رشد، وغيابُ التأويل يعنى إفساحَ المجال لسيادةِ نزعةٍ عقائدية قطعية فى مجالِ الخطابِ الثقافى، مما يعنى غيابَ الوعى بضرورة تعدد التفسيرات، وأنه عبرَ ظلامِ سنواتٍ طوال تغلغل وتسلل تيارٌ دينى متجهم.. تيارٌ تكفيرى لكلِ نظامٍ مدنى باعتباره السلطةَ الوحيدة البديلة عن أى نظام.
أشارت «الحياة» إلى سماتِ الخطابِ الدينى، وأن التجديد داخل بنية الخطابِ السلفى ليست مجردَ ترفٍ فكرى، بل هو ضرورة ملحة يفرضها الزمان والمكان، وأن ذلك الخطاب يعانى الجمودَ الذى منعه من ممارسةِ حقه فى الاجتهاد الدائم، وأن التيارَ السلفى يعانى ندرةً حقيقية فى الفقهاءِ المجددين، وأن ذلك التيار يعانى من توقفِ عمليةِ الاجتهاد والالتجاء إلى منطقةِ التحريم فرارا من مشقةِ الفعلِ الاجتهادى. وأبرزت الصحيفةُ إشكاليةَ وجودِ العقلِ الجامد والمتعصب وانتشاره لا سيما بين الإخوان، وأن تلك الجماعة أصبحت تركن إلى عقل بدائى.
وذكرت «الحياة» أن إشكاليةَ خطابنا الدينى تتمثلُ فى أنه ينطلق من مركزيةِ مجابهة الآخر الذى يحاول أن يُبَدِلَ «ديننَا أو أن يُظْهَرَ فى الأرضِ الفساد»، وظل الخطابُ الدينى يعتمد تلك المركزية من الصراعِ مع المخالف مما أسهمَ فى انغلاقِ هذا الخطاب على نفسه وزاد من وتيرةِ استعدائه للآخر المخالف وقولبته، فى حين أن الخطابَ الدينى يفترض به البحثُ عن آلياتِ وسُبلِ التعايش مع المخالف لا مجردَ المفاضلة السلبية معه ومحاولة إلغائه.
وركزت بعض مواد الرأى فى «الحياة» على التحريضِ على المختلفين فكريا ومدى حضوره فى السجال الفكرى والدينى، وأنه ليس التحريض استعداء للسلطة فحسب، إذ ثمة تحريض آخر لاستعداءِ الجماهير على من يختلف ويغردَ خارجِ سِربِ الفكرِ الدينى المحافظ أحياناً، حيث تحضر مفردات «كفر» «انحلال» «زندقة» «رويبضة». وأشارت إلى خطورة الانقسام فى المشهد الدينى والفكرى إلى مجموعاتٍ متباينة فى الطرح والرؤى يقوم كل منها على تفنيد رؤية الآخر والتقليل من شأنه، والعمل على إلغاء مشروعية ما ينتمى إليه من أفكار.
وفيما يتعلق بقضية الحرية فى الخطاب الدينى، أشارت بعض طُروحات «الأهرام» إلى الحاجة إلى خطابٍ دينى مستنير يبرز أن الإسلامَ هو أولُ دِيانة تُطلقُ حقَ التفكير للإنسان، لكى يحررَ العقولَ من الأوهامِ والخُرافات، وأنه يبيحُ للإنسانِ أن يفكرَ كما يشاء.
أشارت بعض طُروحات «الحياة» إلى أن الخطابَ الدينى يجب أن يرتكزَ إلى ركيزتيْن أساسيتيْن، الأولى: استلهام مقاصدَ الشريعة الإسلامية؛ فشريعةُ الإسلام جاءت من أجلِ تحقيق مصلحة البشرية بدفعها إلى تحرى المصالحِ وكشفِ المفاسد؛ فعلى الخطاب السلفى إعادة مقصد الحرية إلى مكانته اللائقة به فى خطابه، وإبراز قيمة العدل باعتبارها واحدةً من أهمِ الفضائل الإنسانية، والثانية: مراعاة تغير الزمان والمكان، فالخطابُ الدينى لا يتحرك فى فراغ، وإنما يرتبط ارتباطاً وثيقا بالزمان والمكان.
وأشارت «الحياة» إلى أنه لن يكون هناك أى تجديد أو تنوير إلا بتمكينِ العقلِ من أداءِ دوره الفاعل فى تطوير الحياة ورقيها وتقدمها.. وأن التنويرَ فى الفكرِ الإسلامى يمتزج فيه العقلُ والدين من منطلق أنه لا يوجد أى تناقض بين مفرداتِ العقل وتعاليمِ الدين، وأرجعت الصحيفةُ قصورَ الخطابِ الدينى اليومَ إلى خللٍ حاد فى المفاهيم واستدعاء الخطاب للماضى دونَ النظرِ للمستقبل.