اتجه عرابى بجيشه إلى كفر الدوار ليقيم خط دفاع ثانيًا لصد الهجوم البريطانى، فقرر الخديو التوفيق عزله واعتباره عاصيًا للأوامر لكن عرابى رفض هذا القرار وواصل تحركه، فى حين استغل الإنجليز ذلك فاتجهوا نحو قناة السويس ليدخلوا مصر فى سهولة ويسر وعندما أدرك عرابى ذلك تحرك مسرعًا لمواجهتهم قبل أن يصلوا إلى القاهرة، فاصطدم بهم فى التل الكبير لتنتهى الموقعة بهزيمة جيشه المنهك
استكمالًا لما جاء فى المقال السابق عن شهر سبتمبر (أيلول)، والذكريات المؤلمة التى يحملها إلينا كل عام، وكنا قد بدأنا الحديث عن الاحتلال الإنجليزى لمصر فى سبتمبر ١٨٨٢ والذى جاء عقب فشل الثورة العرابية فى تحقيق أهدافها، حيث خاف توفيق على عرشه، فأرسل إلى الإنجليز يطلب حمايتهم، فأرادوا ذريعة يدخلون بها مصر، فافتعلوا مشاجرة فى الإسكندرية بين مصرى ورجل من مالطة انتهت بقتل المصري، فثارت نفوس الجماهير تطلب الانتقام، فقام بعض الأوروبيين من سكان المدينة بإطلاق الرصاص لإرهاب الناس، فتطور الأمر وصار فتنة كبرى انتهت بمقتل ما يزيد علي مائتى مصري، وأكثر من خمسين أوروبيًا، وعلى الفور تحرك الأسطول البريطانى نحو شاطئ الإسكندرية بحجة حماية رعايا الدول الأوروبية فى مصر، وقام الأسطول بضرب الإسكندرية، وعلى الفور اتجه عرابى بجيشه إلى كفر الدوار ليقيم خط دفاع ثانيًا لصد الهجوم البريطانى فقرر الخديو توفيق عزله، واعتباره عاصيًا للأوامر، لكن عرابى رفض هذا القرار وواصل تحركه، فى حين استغل الإنجليز ذلك فاتجهوا نحو قناة السويس، ليدخلوا مصر فى سهولة ويسر، وعندما أدرك عرابى أن الإنجليز قد خدعوه واستغلوا القناة، ودخلوا عن طريقها تحرك مسرعًا لمواجهتهم قبل أن يصلوا إلى القاهرة، فاصطدم بهم فى التل الكبير لتنتهى الموقعة بهزيمة جيش عرابى المنهك، والذى لا يملك إمكانيات الجيش البريطانى الذى واصل تقدمه نحو القاهرة، ليصلها فى تمام الساعة الرابعة عصرا من يوم ١٤ سبتمبر ١٨٨٢ حيث كان توفيق على رأس مستقبلى قادة الإنجليز فى قصر عابدين مقدمًا لهم الهدايا ومقيمًا لهم حفلًا ساهرًا حضره السادة النظار (الوزراء) والنخبة المصرية ورجال الدين الإسلامى والمسيحى والشعراء الذين تباروا فى مدح التاج البريطانى واعتبروا أن هذا الاحتلال هو فاتحة خير على مصر، ونافذة أمل تطل منه على المستقبل، أما قادة الجيش وزعماء الثورة العرابية فقد تم القبض عليهم تمهيدا لمحاكمتهم، وكتبت جريدة الأهرام فى العدد ١٤٤٦ الصادر فى اليوم التالى، ترحب بالجنرال «ولسلى» قائد الحملة الإنجليزية وفى المقال الافتتاحى جاء بالحرف الواحد (بشراك يا مصر بشراك، فقد نلت المنى ودخلت العساكر الإنكليزية باسم الحضرة الخديوية عاصمة بلادك وقبضت على عرابى وطلبة وإخوانهما...وتسنى لسمو خديوك المعظم أن يتم فيكِ مقاصده النبيلة) ووصفت الجريدة عرابى بالخائن والعاصى والخبيث، والذى حكم عليه فيما بعد بالنفى إلى جزيرة سيلان، وظل بها حتى أصدر الخديو عباس حلمى عفوًا عنه، فعاد إلى مصر فى أكتوبر ١٩٠١ وبقى بها حتى وفاته فى ١٩١٠، أما الشعب المصرى فكان يظن أن الاحتلال الإنجليزى سيكون احتلالا مؤقتا، إلى أن يطمئن توفيق على عرشه ولكن الأيام أثبتت غير ذلك، فقد تم تسريح الجيش المصرى وعهد توفيق إلى ضابط إنجليزى هو السير «بيكر» بتكوين جيش جديد يكون خاضعا له وللإنجليز، واختفت روح المقاومة من البلاد طيلة عشر سنوات أو أكثر وفسدت النفوس والتوت الضمائر، وقل الخير وانعدمت الكرامة ـ هكذا تقول كتب التاريخ ـ وصار عدم الاكتراث هو شعار ذلك الجيل وباتت مصر دولة مغلوبة على أمرها، واحتل الإنجليز كل شبر على أرض مصر وأقاموا نقاط البوليس فى كل قرية وكل نجع، وأتى بضباط وجنود من المستعمرات البريطانية لا سيما أستراليا ولم تقم الحركة الوطنية من رقادها إلا فى عام ١٩٠٦ وكان باعثها هو مصطفى كامل واستمرت بأبطال آخرين حتى رضخ الإنجليز إلى معاهدة ٣٦ وتم الجلاء عن مصر عدا منطقة القناة والتى غادروها فى عام ٥٦ تنفيذًا لمعاهدة الجلاء ٥٤، ومن ذكريات سبتمبر أيضا أيلول الأسود، وهو ما سوف نتحدث عنه الأسبوع القادم إن شاء الله.