بالطبع أقصد الحبيب على الجفرى والأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية؛ فقد توصلا فى نقاش أداره الإعلامى خيرى رمضان ببرنامجه «ممكن»، إلى أنهما كرجال دين وبطريقة ما، الحاكم الفعلى الذى يدير شئون البلاد والعباد. تلك النتيجة غير المباشرة لخصتها إحدى المشاهدات فى عبارة طلب الحبيب الجفرى كتابتها على الشاشة كونها، جوهر الحلقة وصلب خلاصتها وجاءت على النحو التالى: «رجل الدين الواعى بحقيقة وعظم دوره هو أفضل وسيط بين الحاكم وشعبه».
وهذا يعنى أن شيخينا الجليلين، قد نجحا فى إيصال مفهوم مغلوط للعلاقة بين رجل الدين والحاكم فى الدولة المدنية الحديثة، دون أن ينتبه المحاور إلى خطورة ما انتهى إليه برنامجه؛ من حيث إنه أحالنا إلى التفكير بطريقة تنتمى إلى ماضٍ عمره نحو ١٤ قرنًا.
أما صلب موضوع الحلقة النقاشية فكان عن الفارق بين رجل الدين الفصيح الذى يستطيع الوصول إلى عقل وقلب الحاكم، ليسدى له النصح للحكم الرشيد والعادل، وعالم السلطان الذى يتقرب إليه نفاقًا ورياًء حبًا فى زينة الدنيا، ومن ثم لا ينصحه إلا بما يشبع أهواءه ونزواته. وفى السياق تم الرد على ادعاءات جماعة الإخوان الإرهابية واتهاماتها الرخيصة لبعض رجال الأزهر، المؤيدين لثورة الثلاثين من يونيو، بأنهم من علماء السلطان، مع نفى لهذه التهمة عن شخص الدكتور أسامة الأزهرى كمستشار الرئيس للشئون الدينية.
صحيح أن الهدف من النقاش نبيل، لكنه رسخ لعلاقة بين رجل الدين والحاكم لا تنشأ إلا فى نظام سياسى بدائي، لا يعترف إلا بالحاكم مُطلق الصلاحيات، ولا وجود فيه لمؤسسات الدولة المدنية الحديثة، وفى مقدمتها مؤسستا التشريع والقضاء.
هذه العلاقة غير الحميدة بمعايير زماننا لا تقوم إلا فى مجتمع لم يكتمل نموه بعد، فيه رجل الدين يمتلك الحقيقة المطلقة، وتتجسد فيه معانى الكهنوتية، وقد كان هذا هو حال الدولة والمجتمع الإسلامى فى بدايته، رغم أن الإسلام قام على قيمة ميزته عن باقى الأديان؛ وهى أنه لا كهنوت فى الإسلام، ومن ثم لا وجود لرجل الدين المالك للحقيقة المطلقة بين يديه.
حديث الشيخين الجليلين كرس لدور رجل الدين فى نظام الحكم، ولو وافقناهما فى هذا الدور النبيل المستقل والواعى والحريص على شئون العباد، نكون كهؤلاء الذين يمسكون بمعاول هدم الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ وهو ذاته ما حاولت جماعة الإخوان فعله. بمعنى آخر لم يعد للرئيس مُطلق الصلاحيات وهو مُلزم بتنفيذ إرادة شعبه، التى تجسدها التشريعات الصادرة عن برلمان يمثل سلطة الشعب؛ أى أن الأخير هو من يفرض حقيقة قيم العدل والحرية والكرامة، ولا مجال هنا لسلطان رجل الدين ولو بالنصح الرشيد، فإن فى ذلك عودًا غير حميد لنمط الدولة الدينية.
أخشى ما أخشاه أن نجد أنفسنا بصدد سيادة متعمدة لهذا المنهج الذى يرسخ معنى من معانى الدولة الدينية، عندما يدخل البرلمان مجموعة من السلفيين، الذين سيجدون فى نهج شيوخ أجلاء كالحبيب على الجفرى والدكتور أسامة الأزهري، منفذًا لصبغ بعض قرارات الحكومة بالطابع الديني، لإعطائها المزيد من المصداقية، خاصة إذا وُلى منهم بعض الحقائب الوزارية.
وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة إعادة النظر فى المنهج الذى يظهر به ومن أجله بعض رجال الدين على شاشات التليفزيون، وربما يصبح على بعض الإعلاميين أن يكونوا أكثر حذراً حتى لا يقعوا فى فخ استدعاء رجال الدين المؤيدين للنظام الحالى لتبرير بعض سياساته، ونصبح كجماعة الإخوان نستغل الدين لتجميل وجه النظام، والحق أنه فخ وقع فيه نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
أظن أن من واجب الرئيس الذى أطلق مبادرة تجديد الخطاب الدينى إعادة النظر فى مسألة قصر هذه المهمة على مؤسسة الأزهر ورجالها الذين لم يبرحوا الماضى بفكره ونمط حياته ونظم حكمه.