لا تنقطع أمريكا عن تصدير موقفها الداعم للحرب على الإرهاب إلى العالم والعرب تحديدًا.. المطلوب أن يؤمن الجميع بجدية هذه التصريحات حتى وإن كانت السياسات الفعلية للبيت الأبيض تمضى فى الطريق المناقض، فى هذا الإطار لم تكن كلمات رئيس مجلس الدوما الروسى سيرجى ناريشكين عن «ما يحدث فى ليبيا وسوريا والعراق نتيجة سياسات عدوانية للغرب وعلى رأسها أمريكا»
مجرد مناوشات كلامية متبادلة بين أمريكا وروسيا بقدر ما كانت إقرارًا لحقيقة واقع حالى بدأ مع غزو العراق عام ٢٠٠٣، وسيُلقى ظلاله السوداء على العالم لسنوات قادمة حيث كان التنافس على تدمير العراق وفرض قرارات كارثية يدور بين ثلاثة مكاتب أمريكية داخل المنطقة الخضراء، وزارة الدفاع وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA وزارة الخارجية والرئاسة.. ما مهد الأرض باستقبال جميع أنواع «بذور» الشيطان بداية من القاعدة إلى داعش.
السيناريو الردىء تكرر فى سوريا حيث احتلت المشهد السورى صور تجمع بعض السياسيين فى مراكز صنع القرار الأمريكى مع مقاتلى جبهة النصرة وباقى التنظيمات الجهادية وتوارت عن المشهد صور المظاهرات المدنية التى اندلعت مطالبة بالحرية.. بل ساد التخبط حتى فى عمليات التدريب والتسليح التى أعلنت أمريكا تقديمها للجيش السورى الحر.
أمريكا- الداعمة للحرب ضد الإرهاب!- ما زالت تتبنى نفس الموقف عبر أذرعها المؤثرة داخل مجلس الأمن القومى باستمرار وضع العقبات أمام تسليح الجيش الليبى لمواجهة التنظيمات الإرهابية التى تتوافد إمداداته بكثافة على شواطئ ليبيا، بعدما أدار المجتمع الدولى وجهه عن مطالب الجيش الليبى بالتسليح فى إطار قرار الحصار الذى يحظر تصدير السلاح إلى ليبيا رغم مسؤلية هذه الدول عن الوضع الكارثى الذى خلفه التدخل العشوائى لقوات الناتو الذى سلم ليبيا بعد الإطاحة بالقذافى إلى التنظيمات الإرهابية، توجهت المناشدات الليبية إلى المطالبة بتحالف عربى جوى لضرب هذه التنظيمات يضم مصر، السعودية، الإمارات، الكويت، وقد تلقت ليبيا إشارات إيجابية عن قبول تدخل عسكرى جوى إما فى إطار قوات الدفاع العربى المشترك أو صياغة اتفاقية دفاع مشترك بين هذه الدول.
التقاعس الأمريكي- الأوروبى عن دعم الجيش الليبى وضع مهمة تأمين حدود مصر الغربية على عاتق الجيش المصرى - خلافا لما تنص عليه الترتيبات الأمنية بين حدود الدول- وهو قادر على حماية هذه الحدود من محاولات اختراق التنظيمات الإرهابية، لكن المؤكد أن هذا الموقف الدولى لا ينسجم على أرض الواقع مع التأكيدات البراقة الصادرة عن الإدارة الأمريكية عن دعم مصر فى حربها ضد الإرهاب.
«الميديا» الأمريكية نشطت مؤخرا فى نشر تقارير عن موقف قوات حفظ السلام فى سيناء تلتها إشارات من البيت الأبيض حول دراسة احتمال سحب أمريكا أفرادها الذين يشكلون النسبة الأكبر فى عدد هذه القوات بسبب مخاوف من «خطورة الوضع الأمنى فى سيناء».. أمريكا تدرك جيدًا أن الجيش المصرى يخوض ما هو أخطر من الكلمات التى وردت فى تقاريرها.. هى حرب شرسة باعتراف حتى أهم المواقع الاستخبارية الإسرائيلية التى وصفت هذه الحرب بأنها تفوق فى قوتها حرب ٧٣. وسط التحديات التى يجابهها الجيش المصرى على الحدود الغربية والشمالية محققا فيها كل يوم خطوة نحو الانتصار.. تثير أمريكا ملف الترتيبات الأمنية التى نصت عليها اتفاقية كامب دافيد ما قد يستدعى صياغة تفاهمات جديدة بين مصر وإسرائيل عن طريق رئيس القوة الدولية لحفظ السلام.. علما بأن الوضع الأمنى حاليا فى سيناء يضاعف من أهمية دور القوة كونها الجهة الأساسية لحسم أى قضايا متعلقة بالحدود.. لذا فإن التلميح بسحب هذه القوات أو حتى القوة الأمريكية المشاركة فيها تضع مصر وإسرائيل أمام ضرورة إيجاد آليات وتفاهمات أمنية جديدة، كل هذه المظاهر لا تحمل التعبير الأمثل عن الدعم الأمريكى لمصر فى حربها على الإرهاب.. علمًا بأن مصر لها حق الموافقة أو الرفض على الدول - ضمن الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة- التى ستحل قواتها بديلا عن أفراد القوة الأمريكية.
من المنتظر أن يثير طرح هذا القرار جدلًا داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكى بين مؤيد ومعارض، خصوصا أن الموقف المبدئى الصادر عن إسرائيل أكد رفضه إجراء أى تغيير على الاتفاقات الأمنية الحالية فى سيناء.. بالإضافة إلى أن التعنت الأمريكى قد يخلق حالة استفزاز ثانية ضده من جانب إسرائيل بينما ما زالت تداعيات الرفض الإسرائيلى للاتفاق النووى الأمريكي- الإيرانى لم تخمد بعد.
لم تكن كلمات «ناريشكين» هى الحقيقة الوحيدة حول المخاوف العالمية من تمدد خطر الإرهاب.. فقد تلتها إشارات من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حواره مع الإعلام الروسى حين أكد أن «خريطة التطرف والإرهاب لن تنحصر ونحن فى حاجة إلى استراتيجية عالمية لاحتواء تلك الظاهرة».. وهى رسالة تستدعى إلى الذاكرة المثل العربى التاريخى.. «ما هكذا تورد الإبل.. يا أمريكا».