هناك ما يحملنى على شديد القلق من احتمال وصول بعض السلفيين إلى مقاعد مجلس النواب الوشيكة انتخاباته.. كما يتضاعف ذلك القلق بمراقبتى للجهد الحثيث الذى يبذله بعض رجال الأعمال لتكوين مجموعات من النواب التابعين لهم، والذين سيمول لوبى البيزنس حملاتهم، مقابل الولاء والتحرك - فقط - بإرادة رجل الأعمال الذى يدفع دفاعًا عن مصالحه ورغباته وربما نزواته السياسية، بحيث يصبح دوره بالنسبة لهم أشبه بخولى الأنفار فى الريف الذى يتفقد الغيطان وقت تنقية هؤلاء الأنفار للدودة صائحًا فيهم من آن إلى آخر: (مشى إيدك يا وله.. مشى إيدك يا بت).
أما عن قلقى من تسرب طلائع الحركة السلفية إلى البرلمان فيعود للأسباب التالية:
■ أولًا: ذيوع كذبة أن السلفيين غير الإخوان، وبدء اقتناع الرأى العام بها، والحقيقة أن السلفيين هم أحد أجنحة القوى المتأسلمة والظلامية فى المجتمع، وهم إن تصادموا علانية فى بعض الملفات مع الإخوان، فإن الصدام هو على درجة التشدد (إزاء موضوع بعينه وليس على مبدأ التشدد فى الكلية).
ولقد حفلت أروقة البلاد السياسية وقصر الرئاسة زمن حكم الإخوان الأسود بحضور مكثف للسلفيين الذين نسقوا مع الجماعة الإرهابية على نحو كامل، وإن برعوا فى تصنيع السواتر، والكذب المتواصل حول حقيقة نواياهم، والزئبقية الشديدة والقدرة على المناورة.
■ ثانيًا: إن معظم مظاهر السلوك الوحشى المتطرف المتخلف والمقرف التى اكتظت بها ساحة البلاد فى زمن تمكن الإرهاب من حكم مصر، كانت من صناعة قوى سلفية فى الأصل والأساس، وكلنا يذكر العمليات المدهشة فى وحشيتها لتقطيع آذان بعض المسيحيين وحرق بيوتهم أو كنائسهم وهى فى معظمها سلوكيات نعرف أن الذين قاموا بها هم من السلفيين.
وصحيح أن السلفيين - من حين إلى آخر وفى إطار التمويه وتوزيع الأدوار - كانوا يتظاهرون برفضهم تلك الأفعال، بالضبط كما استنكر عبدالمنعم الشحات قيام المتظاهرين فى ميدان التحرير إبان عملية يناير ٢٠١١، بصلب عدد من الأشخاص على جذوع النخيل وجلدهم بعد تعريتهم بحجة أنهم ينتمون إلى النظام السابق، وفى ذات الحادث كان طارق الخولى عضو ٦ إبريل (والذى أعلن انشقاقة بعد ذلك حين تغيرت معطيات القوى على الأرض وأصبح من مريدى النظام الحالي) قد أعلن فى التليفزيون أن جلد أولئك الأشخاص وتعليقهم على أعواد النخيل هو جزاء مستحق لهم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر، والمفهوم أن جزءًا كبيرًا من جماعة ٦ إبريل كان من الإخوان وعمل بالتنسيق معهم ووفقًا لأوامرهم، وبالتالى كان اعتراض عبدالمنعم الشحات على الجلد فى إطار توزيع الأدوار إزاء واقعة اهتم بها الإعلام الدولى، خاصة أنها جاءت فى سياق منظومة من التصرفات المذهلة التى قام بها الظلاميون المتأسلمون، وعلى رأسهم السلفيون فى مواقف أخرى غير جلد أنصار النظام الأسبق، وفيها تبنوا مجموعة من السلوكيات المروعة، كان أحدها تشويه تمثال فتحى محمود الموجود أمام لسان السلسلة فى الإسكندرية خارج قاعدة الرادار، والذى استلهمه من أسطورة يونانية رائعة، وسكبوا الأحبار والألوان عليه وكتبوا على جسمه بعض العبارات البذيئة الساقطة، وغير ذلك كان إصرار مجموعة من السلفيين على إلباس تمثال السيدة أم كلثوم فى المنصورة فستانًا من القماش وتغطية وجهها بنقاب.
* ثالثًا: الاهتمام والرعاية الأمريكية للقوى السلفية فى مصر صار لافتًا وتصاعد فى الفترة الأخيرة بشكل كبير، سواء بلقاءات جمعت رموز ونجوم التيار السلفى بمستشارى السفارة الأمريكية (رجال مخابرات أمريكية تحت غطاء دبلوماسي)، أو بدعوة فصائل التيار السلفى إلى ندوات ولقاءات مكثفة فى واشنطن سواء مع عناصر بيوت التفكير ومراكز البحث أو مع ممثلى الإدارة الأمريكية ووزارة الخارجية.
والمثير للريبة فى هذا الأمر هو أن الولايات المتحدة، وبعد هزيمة الموجة الأولى من مشروعها الاستعمارى لتأسيس الشرق الأوسط الأوسع وتقسيم مصر وعدد من البلاد العربية (على قواعد مذهبية وطائفية وعرقية، وافتعال بعضها واصطناعه عن طريق التآمر لتغيير الطبيعة الديمغرافية لبعض المناطق، وهو ما كاد محمد مرسى أول جاسوس مدنى منتخب أن يحققه فى سيناء) تستميت أمريكا - الآن - فى محاولة دمج الإخوان فى العملية السياسية لأنهم العملاء التاريخيون لأمريكا الذين تغيب عنهم فكرة الوطنية على نحو يسمح باشتراكهم فى مؤامرة التقسيم، ويؤكد الأمريكيون - وفقًا لتنظيراتهم الخرقاء وعمليات الهندسة الجينية السياسية التى ينهمكون فيها داخل الغرف والقاعات المغلقة - أن الإخوان هم (الإسلام المعتدل) وأن دخولهم إلى العملية السياسية سيحقق التوازن كما سيؤدى إلى احتفاظ أمريكا بموطئ لقدمها فى تشكيل الساحة السياسية والحصول على المعلومات فضلًا عن تنفيذ توجيهات واشنطن.. فلما أطاحت ثورة ٣٠ يونيو العظمى ومن بعدها بيان ٣ يوليو، ثم تفويض السيسى لمواجهة الإرهاب المحتمل فى ٢٦ يوليو وبعده فض اعتصامى رابعة والنهضة، أدرك الأمريكيون أنهم يحتاجون إلى دوبلير يحل مكان الإخوان، ووجدوا فى السلفيين ضالتهم المنشودة ليقوموا بدور المخلب الأمريكى فى مصر، وكيلهم السياسى الذى يأتمر بأوامرهم، وهو ما يدفع إلى القلق فى ظل التآمر الأمريكى المباشر ضدنا ونظامنا ورئيسنا.