الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بوتين يستعد للعرض الكبير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يستعد العالم لحكم القيصر؟ الإجابة في تقديري نعم.. ما نراه الآن في موسكو من لقاءات تجمع بين قادة مصر والإمارات والأردن وقبلهم المملكة العربية السعودية مع القيصر الروسي فلاديمير بوتين هو تجلى من تجليات اقتراب اللحظة الحاسمة، تجلى يشبه كثيرًا لقاءات المدمرة "كوينسى" قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية بين روزفلت المنتصر وقادة الشرق الأوسط الملك فاروق والملك عبدالعزيز مؤسس السعودية والتي بدأ بعدها حكم أمريكا للعالم.
حكم العالم هي لحظة التقاء بين اكتمال عناصر القوة العسكرية والاقتصادية مع النفوذ والتواجد متعدد الأشكال في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، وأزعم أنها تقترب من قبضة بوتين لكنها لم تبتعد تمامًا عن قبضة الولايات المتحدة.
لم تفهم الإدارة الأمريكية في البداية تحركات الذئب الروسي، توقعوا أن تلتهمه نيران الفوضى التي ابتلعت جمهوريات الاتحاد السوفيتي، أو يغرق في أوحال الشيشان أو تخضعه الأزمة الاقتصادية بخضوعه لسيطرة الفساد، والمافيا الروسية، الكل توقع لفلاديمير الفناء السريع على طريقة خلفه يلتسين، وأن روسيا الإمبراطورية أصبحت مشلولة، البنتاجون كان أسرع من فهم واستوعب، وبدأ في حصار الذئب بالصواريخ، ثم دخلت المخابرات الأمريكية على الخط بترتيب احتجاجات أوكرانيا التي أطاحت بالرئيس الموالي لروسيا لتبدأ بعدها خطة حصار بوتين.
رغم كل ما قامت به الدعاية الغربية ضده فاز بوتين في استطلاع رأي عام 2015 الذى تجريه مجلة التايم متقدما على كل رؤساء وشخصيات العالم، وهو يحظى بشعبية تدور ما بين 85% وفى اقل وضع 65%، وعلى عكس ما هو شائع عنه انه من خلفية عسكرية، دارس للقانون الدولي والاقتصاد في الاساس، فضلا عن علوم المخابرات التى تلقاها في مدرسة المخابرات الروسية KGB.
لمع نجم بوتين خلال فترة خدمته في مكتب الاستخبارات المحلية في دريسدن بألمانيا الشرقية، وتمت ترقيته إلى رتبة عقيد ثم إلى منصب مساعد كبير لرئيس الدائرة، وفي عام 1989، حصل على الميدالية البرونزية من ألمانيا الديمقراطية، وعاصر هدم سور برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي.
في يوليو 1998 تم تعيينه مديرا لجهاز الأمن الاتحادي، وفى مارس 1999 شغل منصب أمين مجلس الأمن للاتحاد الروسي وفي أغسطس من نفس العام تم تعيين بوتين رئيسا للوزراء ثم دعاه الرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين ليصبح رئيسا بالنيابة.
خلال المدة الاولى لحكمه، كان الهدف الاكبر لبوتين هو اعادة روسيا إلى دورها التاريخي كدولة عظمى داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
حكم بوتين لفترتين رئاسيتين انتهت في عام 2008، ثم سلم الرئاسة إلى أحد معاونيه ديمتري مدفيديف، وتسلّم هو رئاسة الوزراء حتى 2012، ثم عاد إلى الرئاسة من جديد.. ويبحث الآن في البرلمان مسألة تعديل الدستور وتمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات، وهناك توقعات أن بوتين سيكون من حقه الدستوري أن يحكم فترتين رئاسيتين جديدتين أي 12 سنة أخرى بعد نهاية الفترة الرئاسية الحالية.
كانت بدايته هادئة وكان يستمع بصبر إلى الولايات المتحدة والزعماء الأوروبيين، وحتى جورج بوش الابن كان يعتقد انه صديقه، كانت تحركاته في الداخل الروسي اكثر من الخارج خلال سنوات حكمة الاولى، وبهدوء قام بتأميم صناعة النفط الروسية، وتمكن من خفض الفقر بمقدار النصف، وزاد معدل النمو الاقتصادي، وركز على تطوير القطاع الزراعي وقدم الدعم الكامل للعسكريين خلال خدمتهم وقام بزيادة المعاشات العسكرية، واهتم بقطاع التعليم ورفع اجور المعلمين في جميع أنحاء البلاد.
وفى صيف عام 2010 كان بوتين في مركز رئيس الوزراء وتعرضت الغابات الى حرائق كبيرة، فتولى بنفسه إعادة بناء المنازل والتعويض لضحايا الحرائق وتم تعيين مراقبة على مدار الساعة، حتى في المواقع التي كان يجري بناء مساكن جديدة لضحايا الحريق.. تم تركيب كاميرات فيديو تعمل 24 ساعة في اليوم في جميع المواقع الرئيسية وقام بتوصيلها لمقر اقامته حتى يتسنى له متابعة العمل طوال الـ24 ساعة.
زادت شعبية بوتين بعد اعلانه الحرب على الارهاب، وأصبحت لروسيا في عهده تجربة خاصة في مكافحة الارهاب، وكانت روسيا من اوائل الدول التي رصدت خطر جماعة الاخوان الارهابية وقامت بحظرها فى 28 يوليو 2006 ضمن قائمة ضمت 17 منظمة، وتعتبر روسيا في عهد بوتين جماعة "الإخوان المسلمين" الخطر الواضح على مستقبل الشباب في الجمهوريات الإسلامية والداعم الأكبر لاستمرار نشاط الحركات الانفصالية التي يقودها المقاتلين في شمال القوقاز.
وكانت روسيا الدولة الوحيدة التي تعاملت بحذر مع ثورات الربيع العربي، وعبرت عن مخاوفها من وصول المتطرفين إلى السلطة، لأن ذلك سيؤثر بصورة مباشرة على روسيا.
يعشق بوتين التاريخ الروسي، كثيرون يشبهونه بستالين، الا ان بصماته على روسيا تشبه فلاديمير الاول، فهو يضع للدين مكانة خاصة، اول رئيس يكون على وفاق مع الكنيسة الارثوذكسية، كما انه لا يعادى المناطق الاسلامية في روسيا، بل سعى للتواجد الروسي في المؤسسات الاسلامية المعتدلة في اسيا.
نجح بوتين داخلياً في تهميش المعارضة ذات الميول الغربية وتأليب غالبية الشعب الروسي ضدها.. وصارت الأجهزة الأمنية هي الملاذ والحارس لرؤوس المعارضة المفضوحين بعلاقاتهم الغربية، لحمايتهم من غضب الشعب وانتقامه.
وشكل بوتين حزباً جديداً هو حزب "روسيا الموحدة " الذي فاز في جميع الانتخابات التي جرت لاحقاً، وأصبحت المعارضة مقتصرة على الحزب الشيوعي والأحزاب اليسارية الأخرى، والقوميين بزعامة جيرينوفسكي، وهي كلها أحزاب معادية للغرب أكثر من حزب بوتين.. وبعد القضاء على رؤوس الاحتكارات المالية المرتبطة بالغرب، التفت بوتين نحو ضبط التسيب الاقتصادي، ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً.. وأجبر جميع الشركات على الانضباط ودفع الضرائب المستحقة عليها، وكان يذهب هو شخصياً ويحضر اجتماعات بعض المجالس الإدارية للشركات المخالفة ويطلع على حساباتها السابقة والحالية ويكشف المخالفات ويجبر أعضاء مجلس الإدارة على التوقيع شخصياً على التعهد بالتقيد بدفع الضرائب القانونية ، وقد سجن في عهده عشرات الالاف من الرأسماليين المتلاعبين والمتهربين.
بعد الانتهاء من تنظيم الأمور الداخلية للبيت الروسي، التفت بوتين إلى الجبهة العسكرية، فأزيل الغبار عن الصواريخ عابرة القارات المزودة بالرؤوس النووية وأعيد توجيهها إلى الأراضي والقواعد الامريكية والاطلسية في كل أرجاء الكرة الأرضية ، واستفادت سلطة بوتين من ارتفاع اسعار النفط والغاز عالمياً كي تعيد تحريك الاقتصاد والصناعة الروسية بقوة، بدءاً من المجمع الصناعي ــ العسكري، الذي تحول إلى نقطة الارتكاز لتحريك الاقتصاد الروسي برمته. ووُضع برنامج لتحديث الجيش الروسي كلياً حتى سنة 2020، كي يتحول إلى جيش اقل عدداً مع الاعتماد بشكل أكبر على المعدات الالكترونية.
وبموجب هذا المشروع تزيد نسبة الضباط كثيراً إلى نسبة الجنود العاديين، أكثر بكثير مما كان في السابق.. وفي نطاق قوات الأمن جرى رفع الاجور اضعافاً مضاعفة حتى أصبحت توازي أجور رجال الأمن في الدول الغربية المتطورة.
وذهب بوتين إلى تركيا وقال لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان إن المدى الراداري لصواريخ باتريوت الامريكية يدخل بضع عشرات الكيلومترات، وأنه اذا طار صاروخ امريكي واحد باتجاه الاراضي الروسية فإن كل تركيا ستطير إلى العالم الآخر.. وقبل أن ينهي بوتين شرب القهوة التركية مع اردوغان، كان الامريكيون يسحبون كل الباتريوت من قرب الحدود الروسية ويحشرونها على الحدود مع سوريا.
قدرة بوتين على مواجهة حصار أمريكا وتبعات خفض سعر النفط وخروجه منتصرا باتفاق ايران وحج قادرة الشرق الأوسط اليه بعد فشل لقائهم مع أوباما تؤكد ان يده لا تهتز على دفه السفينة.. وانه قادر على المناورة لأقصى درجة دون خوف من تبعات تحركاته، ولديه القدرة على وضع قواعد جديدة للعب في العالم في ظل انعدام الثقة في الشريك الأمريكي، في الشرق الاوسط مثلا تحولت سياسته من الفعل وفق ما أطلق عليه بالربيع العربي الى محاولة الاحتواء بعدما حولت اخطائها المنطقة لسيرك كبير، يقوم بوتين حاليا بترويض أسوده وملاعبة قروده تمهيدا للعرض الكبير الذى ترتفع دقات طبوله!