كتبت فى 14 يونيو 2001 أى منذ أربعة عشر عامًا، مقالًا بعنوان «ألا هل بلغت اللهم فاشهد»، عن المظاهرات الصاخبة التى تصدرها بنات المدينة الجامعية بجامعة الأزهر، وأحاط بهن طلاب المدينة؛ وكانت تلك المظاهرات تعبيرا عن الاحتجاج على إقدام وزارة الثقافة المصرية على نشر قصة للكاتب السورى حيدر حيدر عنوانها «وليمة لأعشاب البحر».
وقد وجدت فيما حدث نذيرا مبكرا لتحول طلاب وطالبات المدينة الجامعية بجامعة الأزهر إلى العنف؛ وإن كانت البداية تصديًا لنشر رواية.
لست من أهل النقد الأدبى، ولا من أهل الفتوى فى أمور الدين. لست إلا دارسًا لفرع من فروع علم النفس، هو علم النفس السياسى، وهو فرع يهتم فى المقام الأول بدراسة السلوك السياسى للأفراد كأعضاء فى جماعات صغرت تلك الجماعات أو كبرت. ومن هذا المنطلق التخصصى العلمى المحدد، والمحدود، سمحت لنفسى بتناول ظاهرة مفزعة أخشى أن تغيب عنا فى تدافع الأحداث بشأن رواية الأديب حيدر حيدر. ولن أخوض طويلًا فى تفاصيل تسلسل تلك الأحداث، مكتفيًا بالوقوف عند ما اتفق عليه الأطراف جميعًا.
لقد بدأت الأحداث بمقال فى جريدة الأسبوع المستقلة يأخذ صاحبه على رواية وليمة لأعشاب البحر ما اعتبره تهجمًا على المقدسات الإسلامية، ورد على ذلك من كاتب آخر فى نفس الجريدة يختلف معه فيما ذهب إليه. ثم انتقل الأمر إلى جريدة الشعب الحزبية لينشر أحد كتابها مقالًا ناريًا اختار له عنوان «من يبايعنى على الموت؟»، وتداعت الأحداث لتنطلق مظاهرة طالبات ثم طلاب جامعة الأزهر رافعة صورًا من المقال. وهنا أود أن نتوقف. ترى ما الذى دفع بأبنائنا وبناتنا إلى هذا التحرك الجماعى العنيف؟
ثمة قانون بسيط من قوانين علم النفس الاجتماعى مؤداه باختصار أن شخصية الإنسان ترتكز ضمن ما ترتكز عليه على مجموعة من المسلمات، أو المعتقدات التى يكتسبها خلال تنشئته الاجتماعية منذ الطفولة، وأن المساس بتلك المعتقدات اليقينية، يهدد كيان الفرد والجماعة التى ينتمى إليها تهديدًا شديدًا، مما لا يستغرب معه أن تصدر عن الفرد والجماعة جميع مظاهر الغضب والاستياء التى قد تتحول إلى العنف إذا لم تجد متنفسًا. إنه قانون علمى، أو لنقل إنها سنة من سنن الكون يخضع لها الجميع دون استثناء بصرف النظر عن طبيعة تلك المعتقدات.
ليس غريبًا والأمر كذلك أن يستثار المرء، وأن يغضب إذا ما أحس - مصيبا كان أو مخطئا-أن معتقداته الدينية تتعرض للإهانة؛ ويتخذ التعبير عن الغضب درجات متفاوتة؛ ولكن يبقى سؤال: لماذا هذه الفئة بالذات من بناتنا وأبنائنا طلاب الأزهر كانت الأسرع فى الاستجابة العنيفة؟
لقد تعلمنا من تطبيقات علم النفس الاجتماعى فى مجال تأثير الخطاب الإعلامى على سلوك الجماعات، أن فهم هذا التأثير لا يتأتى إلا بتحليل مضمون الخطاب الإعلامى تحليلًا علميًا، وتحليل طبيعة تكوين الجماعة المستهدفة بذلك الخطاب، ثم تحليل الظروف الاجتماعية التاريخية المحيطة بالموقف.
ولنحاول أولًا تحليل عنوان الخطاب الإعلامى، وهو أهم مكونات مثل هذا النوع من أنواع الخطاب المهيج، حيث يتم فيه تكثيف مضمون الرسالة بشكل يمكن معه اعتبار بقية الخطاب مجرد مذكرة تفسيرية تنفيذية لذلك المضمون. لقد كان العنوان «من يبايعنى على الموت؟»، ولا يصعب على قارئ للتاريخ الإسلامى حتى لو لم يكن متخصصًا فى هذا المجال، أن تقفز إلى ذاكرته فورًا مصاحبات الانطلاقة الأولى لهذه الصيحة فى موقعة اليرموك الشهيرة حين رأى عكرمة أن جيوش الروم الكثيفة، تكاد تخترق صفوف المسلمين، فأطلق صيحته هذه فتوافد إليه المتطوعون من فرسان المسلمين ليشكلوا هجمة انتحارية تقلب ميزان المعركة وتستشهد فيها المجموعة الانتحارية جميعًا، ويذكر التاريخ أيضًا أن أم حكيم زوجة عكرمة كانت مع زوجها فى المعركة، بل إنها شاركت بالقتال الفعلى. نحن إذن حيال رسالة تستدعى واقعة تاريخية تعنى باختصار أن الإسلام فى خطر، وأن إنقاذه يتطلب عملًا فدائيًا استشهاديًا، وأن هذا العمل لا تستثنى منه النساء.
إلى هنا والأمر لا يعدو أن يكون صيحة ينقصها من يقول لبيك. وقد لبتها بناتنا وأبناؤنا طالبات وطلاب الأزهر. ترى لماذا كانوا هم بالذات الأقرب للتلبية؟
وقبل أن نمضى فى التحليل، ربما يلقى بعض الضوء على ما جرى أن الشيخ يوسف القرضاوى بادر على الفور فحيا الطلاب والطالبات الذين وقفوا ـ حسب تعبيره ـ موقفا موحدا ضد رواية الكاتب السورى نصِـيرى العقيدة شـيوعى الفكرة، معتبرا أن الرواية تدخل فى باب الكفر وأن هذا العمل كفر بغض النظر عن الأشخاص واعتبر من قاله ورضى به كافرا، مطالبا المسئول الأول فى مصر الرئيس حسنى مبارك، أن يوقف هذه الموجة الثقافية الفاجرة عند حدها وأن يعيد الثقافة عند حقيقتها فلا يجوز أن نقسم الأمة بين الثقافة الغربية المستغربة الصادة عن سبيل الله والسائرة فى ركاب الشيطان والثقافة التى مع القيم الدينية مع الله ورسله وكتابه ومع الربانيين.
وللحديث بقية
وقد وجدت فيما حدث نذيرا مبكرا لتحول طلاب وطالبات المدينة الجامعية بجامعة الأزهر إلى العنف؛ وإن كانت البداية تصديًا لنشر رواية.
لست من أهل النقد الأدبى، ولا من أهل الفتوى فى أمور الدين. لست إلا دارسًا لفرع من فروع علم النفس، هو علم النفس السياسى، وهو فرع يهتم فى المقام الأول بدراسة السلوك السياسى للأفراد كأعضاء فى جماعات صغرت تلك الجماعات أو كبرت. ومن هذا المنطلق التخصصى العلمى المحدد، والمحدود، سمحت لنفسى بتناول ظاهرة مفزعة أخشى أن تغيب عنا فى تدافع الأحداث بشأن رواية الأديب حيدر حيدر. ولن أخوض طويلًا فى تفاصيل تسلسل تلك الأحداث، مكتفيًا بالوقوف عند ما اتفق عليه الأطراف جميعًا.
لقد بدأت الأحداث بمقال فى جريدة الأسبوع المستقلة يأخذ صاحبه على رواية وليمة لأعشاب البحر ما اعتبره تهجمًا على المقدسات الإسلامية، ورد على ذلك من كاتب آخر فى نفس الجريدة يختلف معه فيما ذهب إليه. ثم انتقل الأمر إلى جريدة الشعب الحزبية لينشر أحد كتابها مقالًا ناريًا اختار له عنوان «من يبايعنى على الموت؟»، وتداعت الأحداث لتنطلق مظاهرة طالبات ثم طلاب جامعة الأزهر رافعة صورًا من المقال. وهنا أود أن نتوقف. ترى ما الذى دفع بأبنائنا وبناتنا إلى هذا التحرك الجماعى العنيف؟
ثمة قانون بسيط من قوانين علم النفس الاجتماعى مؤداه باختصار أن شخصية الإنسان ترتكز ضمن ما ترتكز عليه على مجموعة من المسلمات، أو المعتقدات التى يكتسبها خلال تنشئته الاجتماعية منذ الطفولة، وأن المساس بتلك المعتقدات اليقينية، يهدد كيان الفرد والجماعة التى ينتمى إليها تهديدًا شديدًا، مما لا يستغرب معه أن تصدر عن الفرد والجماعة جميع مظاهر الغضب والاستياء التى قد تتحول إلى العنف إذا لم تجد متنفسًا. إنه قانون علمى، أو لنقل إنها سنة من سنن الكون يخضع لها الجميع دون استثناء بصرف النظر عن طبيعة تلك المعتقدات.
ليس غريبًا والأمر كذلك أن يستثار المرء، وأن يغضب إذا ما أحس - مصيبا كان أو مخطئا-أن معتقداته الدينية تتعرض للإهانة؛ ويتخذ التعبير عن الغضب درجات متفاوتة؛ ولكن يبقى سؤال: لماذا هذه الفئة بالذات من بناتنا وأبنائنا طلاب الأزهر كانت الأسرع فى الاستجابة العنيفة؟
لقد تعلمنا من تطبيقات علم النفس الاجتماعى فى مجال تأثير الخطاب الإعلامى على سلوك الجماعات، أن فهم هذا التأثير لا يتأتى إلا بتحليل مضمون الخطاب الإعلامى تحليلًا علميًا، وتحليل طبيعة تكوين الجماعة المستهدفة بذلك الخطاب، ثم تحليل الظروف الاجتماعية التاريخية المحيطة بالموقف.
ولنحاول أولًا تحليل عنوان الخطاب الإعلامى، وهو أهم مكونات مثل هذا النوع من أنواع الخطاب المهيج، حيث يتم فيه تكثيف مضمون الرسالة بشكل يمكن معه اعتبار بقية الخطاب مجرد مذكرة تفسيرية تنفيذية لذلك المضمون. لقد كان العنوان «من يبايعنى على الموت؟»، ولا يصعب على قارئ للتاريخ الإسلامى حتى لو لم يكن متخصصًا فى هذا المجال، أن تقفز إلى ذاكرته فورًا مصاحبات الانطلاقة الأولى لهذه الصيحة فى موقعة اليرموك الشهيرة حين رأى عكرمة أن جيوش الروم الكثيفة، تكاد تخترق صفوف المسلمين، فأطلق صيحته هذه فتوافد إليه المتطوعون من فرسان المسلمين ليشكلوا هجمة انتحارية تقلب ميزان المعركة وتستشهد فيها المجموعة الانتحارية جميعًا، ويذكر التاريخ أيضًا أن أم حكيم زوجة عكرمة كانت مع زوجها فى المعركة، بل إنها شاركت بالقتال الفعلى. نحن إذن حيال رسالة تستدعى واقعة تاريخية تعنى باختصار أن الإسلام فى خطر، وأن إنقاذه يتطلب عملًا فدائيًا استشهاديًا، وأن هذا العمل لا تستثنى منه النساء.
إلى هنا والأمر لا يعدو أن يكون صيحة ينقصها من يقول لبيك. وقد لبتها بناتنا وأبناؤنا طالبات وطلاب الأزهر. ترى لماذا كانوا هم بالذات الأقرب للتلبية؟
وقبل أن نمضى فى التحليل، ربما يلقى بعض الضوء على ما جرى أن الشيخ يوسف القرضاوى بادر على الفور فحيا الطلاب والطالبات الذين وقفوا ـ حسب تعبيره ـ موقفا موحدا ضد رواية الكاتب السورى نصِـيرى العقيدة شـيوعى الفكرة، معتبرا أن الرواية تدخل فى باب الكفر وأن هذا العمل كفر بغض النظر عن الأشخاص واعتبر من قاله ورضى به كافرا، مطالبا المسئول الأول فى مصر الرئيس حسنى مبارك، أن يوقف هذه الموجة الثقافية الفاجرة عند حدها وأن يعيد الثقافة عند حقيقتها فلا يجوز أن نقسم الأمة بين الثقافة الغربية المستغربة الصادة عن سبيل الله والسائرة فى ركاب الشيطان والثقافة التى مع القيم الدينية مع الله ورسله وكتابه ومع الربانيين.
وللحديث بقية