أقول رب ضارة نافعة فقد حدث فى العشرين سنة الأخيرة اختزال للعمل العربى المشترك إلى تعاون ثنائى أو إقليمى محدود بعد أن كانت التوجهات القومية للشعوب العربية عامل زخم لهذا العمل سواء على مستوى الحكومات أو مستوى الشعوب فى فترات الازدهار القومى حتى سادت النعرات الانعزالية وتغولت لأسباب تعود إلى رغبة كثير من النظم العربية فى التقوقع والانكماش، حيث تغلب الفكر الوطنى على الفكر القومى إذا جاز التعبير.
وتعود أيضا لأسباب مرتبطة بالنظام العالمى الجديد، بعد تفكك المعسكر الشرقى وانتهاء ما يعرف فى العلاقات الدولية بالقطبية الثنائية، مما انعكس على التجمعات الإقليمية والقارية خاصة فى دول العالم الثالث، وأصبح هناك نظام جديد يعتمد على القطب الواحد سياسيا والتعددية القطبية اقتصاديا، حيث نجد سيطرة الولايات المتحدة التى كانت تمثل زعيمة المعسكر الغربى الرأسمالى على هذا النظام، بعد انفراط عقد المعسكر الشرقى الاشتراكى، ولكن المشكلة التى واجهت أمريكا أنه لم يعد أمامها عدو محدد، فكان لابد من البحث عن عدو جديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وتفرغ الصين للبناء الاقتصادى وسبقتها اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فبدأت الولايات المتحدة فى خلق العدو واعتبرت منطقة آسيا والشرق الأوسط بيئة مناسبة لهذا العدو ووجدت ضالتها فى عام ٢٠٠١ فى الحادى عشر من سبتمبر، عندما تعرضت لهجمات مركز برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك من خلال تنظيم القاعدة الذى كانت السبب فى إنشائه لمقاومة نفوذ الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان والشيشان، ولما انقلب السحر على الساحر فى واقعة سبتمبر انتقلت القوة الأمريكية إلى المنطقة على غرار ما حدث فى حرب الخليج الثانية عندما غزا العراق الكويت، وامتدت الذراع العسكرية الأمريكية إلى أفغانستان والصومال، ولكن بعد غزو بغداد وسقوط حكم صدام حسين أدركت الولايات المتحدة أنها تستطيع تحقيق أهداف سياستها الخارجية فى الشرق الأوسط بدون تحريك قواتها من خلال تفجير الصراعات الداخلية فى دول المنطقة واستخدام مواطنى هذه الدول لتغذيتها وروجت نظرية الفوضى الخلاقة وحروب الجيل الرابع Fourth generation war-mate The حتى وصلنا إلى ما سمى ثورات الربيع العربى التى تزامنت مع رفض العديد من الشعوب العربية لنظم الحكم فيها مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وحدثت ثورات فى هذه الدول أزالت النظم القائمة ولكن معظمها مازالت تعانى، الأمر الذى انعكس على الكيان العربى والذى أنقذ الموقف من التدهور أكثر نجاح الثورة المصرية الثانية فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ واستعادة مصر لدورها القائد فى المنطقة مع المملكة العربية السعودية، رغم محاولات بعض القوى الإقليمية هنا أو هناك عرقلة هذا الدور من خلال مساندة الإرهاب وتنظيماته المتطرفة، ومن بينها ما يسمى تنظيم داعش الذى تغول فى العراق وامتدت أذرعه إلى سوريا ووصل إلى ليبيا ما يمثل خطرا حقيقيا على دول المنطقة ولهذا قلت يجب أن نأخذ ما روج له أنصار داعش مأخذ الجد من تهديدات حتى ولو كانت غير حقيقية، وفى الوقت نفسه لا يجعلنا إعلان الحرب على الإرهاب نهمل عمليات البناء والتنمية خاصة فى الدول التى تعرضت فى السنوات الأخيرة لعمليات هدم ممنهج!!.
أعود إلى القول رب ضارة نافعة وأتساءل ألا يمكن لأمة العرب أن تنتهز فرصة التهديدات، والتى تمثل تحديا لها وتعيد النظر فى إمكانية التوحد العربى فى مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية؟ ولدينا نموذج أرى أنه نجح فى حشد القوة العربية بصورة أو بأخرى وهو التحالف العربى الذى نفذ عملية عاصفة الحزم فى اليمن.
وهنا أجد أن الدول العربية الفاعلة الآن على الساحة هى المعنية بفكرة التوحد وتفعيل العمل العربى المشترك، وحتى لا تنقصنا الصراحة يجب القول إن جامعة الدول العربية التى تعتبر التنظيم الإقليمى فى العالم العربى، قد تراجع دورها لأسباب كثيرة سنتعرض لها فى مناسبة أخرى وأعتقد أن الاعتماد عليها فقط فى هذه المرحلة لن يضيف كثيرا.
وعليه يجب أن تعمل الجهود المبذولة فى اتجاهين:
الأول يتعلق بأنماط التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا، والاتجاه الآخر يتعلق بالنظر إلى مفهوم الأمن القومى العربى الذى يفسره كثير من المفكرين على أنه التنمية.
وهكذا يمكن القول إنه لم ينجح إرهاب أو يتغول فى بلد اعتبر التنمية رسالته وأمنه القومى. وفى تصورى أن هذا المفهوم إذا اعتمده الفكر والعقل العربى سيحطم أحلام داعش أو من على شاكلتها.