مع تكرار التأكيد على أن مصر سيكون بها برلمان جاهز للانعقاد قبل نهاية هذا العام، سارع كل طامح بإعادة حساب تحالفاته، وقام كل حزب بتأكيد محاصصته فى عدد المقاعد، وكالعادة تحرك المال السياسى خطوة للأمام تلميحًا لشراء دعم الناخبين، كما اندفع المتأسلمون لمراجعة آيات وأطيعوا الله.
وعلى الرغم من أهمية وخطورة ذلك البرلمان الذى يعتبر الأول بعد ثورة ٣٠ يونيه، إلا أن المؤشرات تؤكد أن تشكيلته لن تكون على مستوى الحدث، فعندما تغيب السياسة لن نحصد إلا جزرا متنافرة وأعضاء مغامرين صعدوا بالمال والقبلية على اختلاف أشكالها، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأداء داخل البرلمان الذى ينتظره الناس لضبط حياتنا التشريعية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومن قبله الرئيس عدلى منصور أصدرا عشرات القوانين التى تحتاج موافقة البرلمان فى أولي جلسات انعقاده وإلا تهددت تلك القوانين بالبطلان، ولذا يبقى عنصر كفاءة النواب حاسمًا فى اجتياز شهوره الأولى من أجل ضمان استمراره كمجلس، ومن أجل تجنب المفاجآت التشريعية التى قد تؤثر سلبًا على إيقاع الحياة بمصر. ولو كانت الحكاية مجرد تباين وجهات نظر داخل البرلمان، لقلنا هذا مقدور عليه، ولكن المخاوف الحقيقية هى بروز تيار من النواب يمثل دور العصا فى العجلة، والمتوقع أن يلعب هذا الدور فلول المتأسلمين إذا مر بعضهم إلى البرلمان متحالفين مع عدد من رجال الأعمال غير المنسجمين مع مرحلة ما بعد ٣٠ يونيه.
أما أحزابنا سامحها الله فهى لا تجتمع إلا لكى تختلف، وهى ليست معصومة من أخطاء الغرور والتعالى، كما أن بعضها متهم بمحاولة الاستحواذ والتكويش بما لا يتناسب مع حجمها، وإذا أضفنا إلى ذلك الصراع المكتوم بين الأحزاب التاريخية القديمة، والأحزاب التى تأسست بعد يناير ٢٠١١ لعرفنا مكمن الخطر، وعرفنا عدم تقدير المسئولية من بعضهم لحسابات ضيقة الأفق.
وإذا كان ما يدور داخل خريطة التحالفات مربكًا وغامضًا للمتابعين، إلا أن ما يدور على أرض الواقع، ومن المواطنين هو الأكثر وضوحًا والأكثر استقامة، حيث سيرتبط الناس وسيصوتون كالعادة للنائب الخدمى صاحب العصبية القبلية، حيث إن مسألة التشريع لا تشغل بال المواطن كثيرا بقدر انشغاله بمشكلة الصرف الصحى الذى أغرق محيط سكنه، وهنا مكمن الخطر، تغيب السياسة فتغيب الرؤية فيحدث ما لا يحمد عقباه.
وأزمة مصر مع البرلمانات المتعاقبة لم تكن أبدًا فى ندرة الكادر المؤهل للعمل البرلمانى، ولكن الأزمة فى عدم تمكين ذلك الكادر من خلال ضبط أدوات المنافسة مع خصومه التقليديين، فالمتأسلم يهرع إلى خطابه المسموم وقد يصل إلى تكفير خصمه ورجل الأعمال يتحصن فى ملايينه التى بها يستطيع شراء الأصوات وحسم المعركة لصالحه من الجولة الأولى.
سيقول البعض إن هذه هى الديمقراطية وإن اختيار الناس هو الفيصل، وسأقول معهم نعم ولكن أين هى البيئة الطبيعية التى تفرض منافسة عادلة؟ فهل انتهت بلادنا من حسم مشكلات الطائفية والجهوية والفقر والتعليم، أم أن بلادنا مازالت تكافح من أجل القضاء عليهم؟ الإجابة على ذلك السؤال هى الحد الفاصل بين عشوائية الفرز وبين المسئولية التاريخية للأحزاب والنخب بل وللدولة فى حمايتها ورعايتها لانتخابات لا تشوبها مخالفة.
عشرات الأحلام ينتظرها المجتمع من البرلمان المقبل أقلها هو الإعلان عن نجاح خارطة الطريق المعلنة فى ٣ يوليو ٢٠١٣، ولقم بعض الأنظمة الدولية المعادية لثورتنا حجرا يغلق فمها، أما أكبر الأحلام التى ينتظرها المجتمع من برلمانه المقبل، فهى أن يكون ركيزة تساهم بجدية فى تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، تحقيق الشفافية وإعلان الحرب على الفساد وتدمير الواسطة وتحقيق الأمن فى الشارع وعلى الحدود.