هبت علينا رياح الذكرى الثانية لفض اعتصام رابعة المسلح، وتوالت التحليلات والمقالات الإخوانية لكى تقدم قصة مزيفة عن هذا الاعتصام لفرض وجهة نظر الجماعة الإرهابية، ولإخفاء أهم الحقائق الخاصة بفض هذا الاعتصام، والذى كان مطلبًا شعبيًا لدرجة أن الرأى العام انتقد بشدة حكومة الدكتور الببلاوى لترددها وتأخرها فى فضه!
والواقع أن الكاتب الصحفى المعروف الإخوانى الهوى الذى نصب نفسه محاميًا بالباطل عن الإخوان، قد استطاع ببراعة أن يستفيد من أدواته فى الكتابة لكى يقدم للقراء فى جريدة «الشروق» قصة مفبركة عن الاعتصام منذ نشأته حتى فضه بالقوة المسلحة. وليس هناك أدنى شك فى أن القصة المزيفة مكتوبة بإتقان شديد لدرجة أن بعض القراء قد يقعون – بدون أن يشعروا – فى حبائلها.
الفكرة المحورية فى القصة المزيفة التى ساقها هذا الكاتب الصحفى المعروف أن اعتصام «رابعة» أولا مشروع لأنه كان احتجاجًا على عزل مرسى الذى يمثل -هو ومجلس الشورى الإخوانى الباطل- الشرعية. وثانيًا أنه كان اعتصامًا سلميًا ولم يكن مسلحًا!
والفكرة الأولى تحتاج إلى تحليل نقدى دقيق، لأنه إذا أتيح لأى جماعة من المواطنين - أيا كانت انتماءاتهم السياسية - أن يحتلوا أى ميدان ويمنعوا الدخول إليه والخروج منه إلا بعد التحقق من بطاقة الرقم القومى والتفتيش عن طريق جماعات متطرفة باعتبارها ميليشيات تتحكم فى حركة الميدان دخولًا وخروجًا حتى بالنسبة للسكان الذين يقطنون المنطقة، فهذا معناه – بكل بساطة – الاحتلال غير المشروع لأحد الميادين العامة ورفع يد سلطة الدولة عنه.
هل هناك فى العالم كله نماذج من احتلال الميادين ومنع المواطنين من الدخول أو الخروج إلا بإذن الميليشيات التى احتلت الميدان؟
لقد كانت سياسة جماعة الإخوان الإرهابية بالنسبة لرابعة خصوصًا- أكثر من الاعتصام فى ميدان النهضة - استقطاع هذا الجزء من العاصمة واعتباره «جمهورية مستقلة»، ولم يبق سوى رفع علم جماعة الإخوان المسلمين عليه!
ومن ناحية أخرى إذا حللنا الخطابات النارية التى كانت تلقى من على منصة ميدان رابعة التى أقاموها وتوافد على الخطابة فيها زعماء الجماعة، فقد كانت للحض على العنف والإرهاب ومقاومة سلطة الدولة والاعتداء على قوات الشرطة والقوات المسلحة.
ومن بين الخطابات النارية التى ألقاها الغوغائى صفوت حجازى «من يرش مرسى بالماء سنرشه بالدم»، وأخطر من هذا الهتاف التافه التصريح الخطير للدكتور محمد البلتاجى حين قال «فى الوقت الذى سيعود فيه الدكتور مرسى إلى كرسى الرئاسة سيتوقف العنف فورًا فى الداخل وسيتوقف الإرهاب فى سيناء»!
هذا فى حد ذاته تصريح خطير، لأنه يكشف عن التحالف العضوى الوثيق بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية سواء التى تعمل داخل الوادى أو فى سيناء. ولا ننسى فى هذا المجال أن الرئيس المخلوع سبق له أن أصدر عفوًا رئاسيًا عن عدد كبير من المحكوم عليهم جنائيًا - ومن بينهم إرهابيون معروفون - تقول الأخبار مؤخرًا إن واحدًا منهم هرب إلى سوريا وأصبح القائد العسكرى لجبهة النصرة!
والنقطة الثالثة فى القصة المزيفة التى ساقها هذا الكاتب والصحفى المعروف أنه تجاهل المطالبات المتكررة من الحكومة فى عهد الببلاوى للمعتصمين بأن يفضوا الاعتصام، فلم يكن هناك بد من فضه بالقوة.
وقد تختلف الآراء حول طريقة فض الاعتصام، وهل تتم بصورة حرفية فى سياق ضبط النفس لقوات الأمن، أم أنها تمت – كما يزعم – غير مراعية هذه الأصول مما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى، يدعى هو وأمثاله من محترفى الكذب أنهم بالآلاف، وإن كانوا فى الواقع لم يتعدوا المئات، أسفنا جميعًا لسقوطهم قتلى لأنهم كانوا فى الواقع مواطنين أبرياء غررت بهم قيادات الجماعة. وحين وقعت الواقعة وتقرر فض الاعتصام عرفوا بالتوقيت وهربوا جميعًا قبل أن تدخل قوات الأمن.
وتفاوتت طرق هروبهم واختفائهم، والبعض مثل صفوت حجازى اعتقل بعد أن تنكر وكان فى طريقه للهروب إلى ليبيا، وحين سألته قوات الأمن لماذا كنت متجهًا إلى ليبيا! أجاب بكل بساطة: لكى أتوب!
ونفس هذا الداعية المزعوم حين واجهته النيابة فى قضية التحريض على العنف التى اتهم فيها أنكر أنه هدد برش من يعتدى على مرسى بالدم قائلًا إن المثل الذى قاله وهو «من يرش مرسى بالمياه سنرشه بالدم» هو مجرد عبارة تستخدم فى اللغة الشعبية ولم يكن يقصد مضمونها!
هؤلاء قوم مراوغون من أول المرشد العام إلى أعضاء مجلس الإرشاد، هم أشبه بعصابة علنية كانت تحكم مصر، لأن الرئيس المخلوع المسكين لم يكن يملك من أمر نفسه شيئًا! فقد كان مثل «خيال المآتة»، وهو لم يدرك أنه لا سلطة له مع أنه كان خبيرًا فى الخطابات النارية التى كان يهدد فيها الشعب والمعارضين بلغة مسرحية أصبحت مثالًا للتندر!
فهذا الرئيس المخلوع الذى يدافع الكاتب الصحفى المعروف عن شرعيته كان يهدد الدول التى يرى أنها تمثل خطرًا على مصر قائلًا بحكم براعته الفائقة التى تفوق براعة أخطر أجهزة المخابرات «أنا شايف شوية صوابع بتلعب فى مصر وأنا سأقطع هذه الأصابع».
ومرات عديدة انبرى – وكأنه أبوزيد الهلالى – متوعدا المعارضة والخصوم السياسيين بأنه سبق أن أنذرهم وتوعدهم وها هو يفعل!
صورة كاريكاتيرية مضحكة حقًا لرئيس كان مرشحًا احتياطيًا ثم دفعت به المقادير ليصبح فى غفلة من الزمن رئيسًا للجمهورية، ولذلك لم يصدق الرجل نفسه وهو يرى القيادات العسكرية العليا تؤدى له التحية العسكرية، وكان يقول بفخر باعتبارى القائد الأعلى للقوات المسلحة!
كان حكم جماعة الإخوان المسلمين فى الواقع كوميديا سياسية غير أنه– أخطر من ذلك – كان تراجيديا بالغة الخطورة لم ينج منها الشعب المصرى إلا بالدعم الجسور للقوات المسلحة المصرية التى هى درع الوطن وسيفه بالرغم من حقد الحاقدين!
اقتباس: إذا أتيح لأى جماعة من المواطنين - أيا كانت انتماءاتهم السياسية - أن يحتلوا أى ميدان ويمنعوا الدخول إليه والخروج منه إلا بعد التحقق من بطاقة الرقم القومى والتفتيش عن طريق جماعات متطرفة، فهذا معناه – بكل بساطة – احتلال غير مشروع لأحد الميادين العامة ورفع يد سلطة الدولة عنه.
eyassin@ahram.org.eg