أضحت الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى فى مقدمة الأولويات المجتمعية، وذلك مع ظهور موجات جديدة من الإرهاب واستشعار خطره على المجتمعات العربية والإسلامية، ولا شك أن تزايد الاهتمام بهذه القضية فى ظل ظهور متغيرات جديدة على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية وبروز قضية الإرهاب على رأس التحديات التى تواجه المجتمعات العربية والغربية على حد سواء واتخاذ تلك الجماعات الإرهابية من الدين ستارا لأفعالها المتطرفة، زاد من أهمية القضية وجعلها فى مقدمة أولويات النخب السياسية والثقافية.
فى هذا الإطار جاءت الدراسة المميزة للباحثة الدكتورة آمال كمال طه الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان عن تجديد الخطاب الدينى فى خطاب الصحافة العربية بالتطبيق على صحيفتيْ «الأهرام» المصرية و«الحياة» اللندنية خلال عاميْ ٢٠١٣ و٢٠١٤، والتى ذكرت فى مقدمة دراستها أن الأحداث والقضايا المعاصرة والمتسارعة فى عالمنا العربى وكذلك التغيرات والتحولات العالمية حاجة ملحة لتجديد الخطاب الدينى ليتواكب مع متغيرات الزمان والمكان، حيث تعد قضية تجديد الخطاب الدينى -الإسلامى – فى مصر والدول العربية من أبرز قضايا التغير الاجتماعى والسياسى التى برز الاهتمام بها لا سيما فى ضوء العلاقة بين الدين والثقافة والسياسة والإعلام خلال السنوات الأخيرة لا سيما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، وقد ازداد بروز هذه القضية بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر وبروز العديد من التحديات الخارجية والداخلية التى تواجهها مصر والدول العربية بوجه عام فى الآونة الأخيرة، وظهور العديد من الجماعات المتطرفة التى تشكل خطرا محدقا بالمجتمعات العربية. وفى ظل تجدد الاهتمام بالعلاقة بين الدين والمجتمع والشئون السياسية ووسائل الإعلام تبرز ضرورة الاهتمام بقضية تجديد الخطاب الدينى إذ أن القضية ليست دينية فحسب، وإنما تنطوى على أبعاد سياسية وإعلامية وثقافية كذلك.
وتشير الدلائل إلى أن هناك العديد من الإشكاليات التى تتطلب تجديد الخطاب الدينى منها أن أسلوب الخطاب الدينى الحالى قد يتسم بكونه خطابا إنشائيا تقليديا جامدا يركز على جانب على حساب جوانب أخرى، كما أن الخطاب الحالى قد يسفر مضمونه عن تأجيج الخلافات والصدامات مع أتباع الديانات الأخرى أو بين الطوائف والتيارات المختلفة، هذا فضلا عن عدم إحاطة الدعاة بأساليب التكنولوجيا الحديثة وعدم اطلاعهم على العديد من المستجدات فى المجتمع فى الآونة الأخيرة، كما تتزايد الحاجة لربط مبادئ العقيدة الدينية بواقع الحياة المعاصرة وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، هذا فضلا عن بروز إشكالية التداخل بين الشأنين السياسى والدينى، وتصاعد الجدل حول العلاقة بين الدين والسياسة.
ويقصد بالخطاب الدينى ذلك الخطاب الذى يعتمد على مرجعية دينية إسلامية فى مخاطبته وأحكامه وبياناته، ويعنى ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية فى بيان الإسلام والشريعة سواء كان ذلك من خلال الخطب والمحاضرات أو الكتب وغير ذلك.
ويعنى مفهوم الخطاب الدينى الأقوال والنصوص المكتوبة التى تصدر عن المؤسسات الدينية أو عن رجال الدين أو التى تصدر عن موقف أيديولوجى ذى صبغة دينية أو عقائدية، والذى يعبر عن وجهة نظر محددة إزاء قضايا دينية أو دنيوية أو الذى يدافع عن عقيدة معينة ويعمل على نشر هذه العقيدة.
ومن أبرز المقومات الأساسية للخطاب الدينى أن يكون مواكبا للأحداث ومراعيا لأحوال الناس، وأن يكون قائما على الاعتدال والتوسط وأن يراعى أحوال المخاطبين، وأن يخاطب المتلقين بخطاب يتناسب مع ثقافتهم وعلمهم، وأنه ينبغى أن يراعى خطابنا الدينى اليوم فقه الواقع ومعرفة الأمور ومآلاتها، وأن يركز جل جهده على القضايا التى تتصل بواقع الناس ولا ينبغى أن يجافى الواقع باعتماده خطابا دعويا مجردا دون الربط بواقع المجتمع ودون التعرض لمشكلاته ومتطلباته.
ويؤكد فضيلة مفتى الجمهورية أن تجديد الخطاب الدينى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع الزمان والمكان والأشخاص والأحوال بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه وفى إطار منظومة القيم والأخلاق التى دعا إليها ورسخها الإسلام،
وتكتسب هذه الدراسة أهميتها فى ضوء بروز جدلية التداخل بين الدينى والسياسى مع موجة الثورات العربية لا سيما بعد أن تمكنت بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية من الوصول للحكم وظهور انتقادات حادة لتوظيفها للدين من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وتأسيسا على ذلك تنطلق الدراسة للإجابة عن تساؤل رئيسى وهو كيف تشكل خطاب الصحف العربية تجاه قضية تجديد الخطاب الدينى فى الفترة الأخيرة ٢٠١٣-٢٠١٤؟ حيث مرت المنطقة العربية فى تلك الفترة بمتغيرات سياسية عديدة تشابك فيها الشأن الدينى مع الشأن السياسى، ما أثار الجدل حول الخطاب الدينى وطرحت قضية تجديده وفك تداخله مع الشأن السياسى، ودور المرجعية الأيديولوجية لمنتجى الخطاب فى ذلك.
اقتباس: تشير الدلائل إلى أن هناك العديد من الإشكاليات التى تتطلب تجديد الخطاب الدينى منها أن أسلوب الخطاب الدينى الحالى قد يتسم بكونه خطابا إنشائيا تقليديا جامدا يركز على جانب على حساب جوانب أخرى