تأثرت جدا كما تأثر كل الشعب المصري بل والعربي بحديث الراحل الفنان الكبير نور الشريف، خاصة عندما قال «وصيتى أن تذاع بعض حلقات مسلسل عمر بن عبد العزيز» رضي الله عنه وأرضاه، خاصة الحلقة التى توفي فيها، وقال، «كلما رأيت هذا المشهد دهشت لأن هذا المشهد لا دخل للموهبة ولا للخبرة ولا للإجادة فيه بل نور وفتح من السماء».
هكذا يكون الفنان يتمسك بفنه إلى النهاية وينقد نفسه وينقد أنظمة بلده بمنتهى العدل والشفافية والحب، وقد كنت محظوظا فى وضع الموسيقى التصويرية لفيلمى «غريب فى بيتى» و«عصر الذئاب» وهما من إخراج الرائع سمير سيف، و«غريب فى بيتى» يجب أن يدرس لأنه كوميديا رفيعة لا ابتذال فيها ولا إسفاف، وحتى الآن كلما عرض هذا الفيلم أجد من يحدثنى عن روعته وروعة أداء كل من اشترك فيه خاصة إخراج الدكتور سمير سيف والموسيقى الصعيدية والربابة والمزمار وهى «تيمة» نور الشريف وموسيقى البوصانوفا التى تناسب الرائعة سعاد حسنى فى دور الممرضة والأم الأرملة التى تعيش فى القاهرة تحت وطأة الزحام ومعاناة العيش.
والفيلم الآخر فيلم أكشن وإن دل يدل على أن نور الشريف عليه رحمة الله ممثل جيد فى بلورة الشخصية التراجيدية بنفس إتقان الشخصية الكوميدية، وما قد يفكر فيه أى كاتب سيناريو أو أى مخرج، ولن أتحدث كثيرا عن هذا الفنان العظيم بل أقول عنه كما قال توت عنخ آمون «أيها الداخل إحنى رأسك فها هنا يرقد الملك العظيم وها هى آثارنا تدل علينا».
بل إن أعظم ما نفعله للراحل أن نعيد مشاهدة أعماله، فلا يسعد الفنان أكثر من معرفة أن رسائله وصلت إلى شعبه وجمهوره.
ولا أعلم لماذا عندما أذهب لأداء واجب العزاء لمن أحببتهم تتثاقل أرجلى وأمشى الهوينا وكأنى أطيل حياتهم على الأرض وحتى تبعد المسافة بينى وبين سرادق العزاء، وأظن أنه كلما دفنا أحد أعزائنا من جيلنا أن ارتباطنا بالأرض يقل ونتوقع أن نلحق بهم فى دار الحق ولو أن الإنسان خُيِّر فلن يختار إلا أن يكون مع أصدقائه وخلصائه من البشر الذين أعلوا مكارم الأخلاق على مكاسب الدنيا لأن الفنانين والعظماء يعرفون أن لكل حياة نهاية، ولذلك يحافظون على المبادئ حفاظهم على حياتهم.
أيضا إن أعظم ما تركه هذا الفنان العظيم ليس من أعمال فقط بل فى مخرجين وممثلين أعطاهم الفرصة، والأهم بالتشجيع حتى أصبحوا نجوم الصف الأول وأتمنى على هؤلاء أن يتبرعوا لبناء تمثال نصفى للراحل العظيم ووضعه أمام معهد السينما أو الفنون المسرحية فى مدينة الفنون حتى لا ننسى، لأن العالمى نجيب محفوظ قال «آفة حارتنا النسيان».
ولأن عزاء نور الشريف الذى أعطى الفنان الكبير الراحل على حسنين دور البطولة فى فيلم «البحث عن سيد مرزوق» بعد أدوار قليلة متنوعة قام بها بعد عدم استطاعته البقاء فى كندا وتفضيل العودة إلى بلده ليضع بصمته كممثل قدير فى أدوار غير تقليدية بالمرة، ولا يفوتنى هنا أن أذكر أن مؤسسة ديزنى العالمية نعته كصوت مميز من أبرز الأصوات التى قامت بدوبلاج أفلامها حتى يستطيع الأطفال المصريون والعرب فهم الحوار.
وأخيرا أقول كما يقول فلاحو مصر «الأرض ياما بتاوى» ومثل مثقفى مصر «مصر ولادة»، والأثر الذى تركه سواء نور الشريف أو على حسنين سيؤثر فى وجدان كل الممثلين الجدد.
وأقول أخيرا «ما دايم إلا وجه الله سبحانه وتعالى».