الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شرعية أكتوبر "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالا لما بدأناه فى المقال السابق، فإن الرئيس السادات أخذ يسترسل فى حديثه الممتد للفريق طيار حسنى مبارك، قائد القوات الجوية، عن محمد على وسر اختياره للإشراف على مصر له بعد ثورة شعبية على الوالى التركى خورشيد باشا، لقد كانت الفرصة سانحة للمصريين أن يختاروا حاكمهم حين أرسلوا عريضة إلى السلطان العثمانى يطلبون فيها بتغيير خورشيد الديكتاتور وجابى الضرائب بحاكم آخر، وقد اجتمعوا على استبداله بالألبانى محمد على الذى جاء على رأس كتيبة بعثها الأتراك لمواجهة الحملة الفرنسية فى ١٧٩٨، ولا شك أن هذه الكتيبة قد أبلت بلاء حسنا فى حربها ضد الفرنسيين، ولكن لا شك أيضا أنها منيت بهزيمة نكراء وهرب جنودها الذين جمعهم السلطان من سائر بقاع الخلافة الممتدة شرقا وغربا، والغريب أن دولة الخلافة لم تكلف خاطرها بالدفاع عن مصر بأكثر من هذه الكتيبة الصغيرة، وصمت الخليفة لخبر سقوط مصر فى يد بونابرت، لكن محمد علي الذى عشق مصر بقى بها وظل يقاوم الحملة الفرنسية طوال ثلاث سنوات هى عمر وجودها فى مصر، وأثناء ذلك انضم للمقاومة الشعبية وتعرف على الشيوخ والأعيان والأشراف، ولذا اختاروه حاكما لهم، فقد استمد شرعيته بقيادته لجيش المقاومة الذى أبلى بلاء حسنا، وكان سببا رئيسا فى الانسحاب السريع للحملة الفرنسية، وفى مايو ١٨٠٥ وافق السلطان العثمانى على طلب أعيان مصر بتعيين محمد على واليا عليها، أما أسرة محمد على، فقد اكتسبت شرعيتها من بنود مؤتمر لندن ١٨٤٠، حيث الإقرار لأبنائه بحكم مصر، وظل السادات يحدث مبارك عن حكام مصر من الأسرة العلوية، بينما كان مبارك شاردا ينتظر اللحظة المناسبة التى سيطلب فيها من الرئيس ترك الخدمة وتعيينه سفيرا فى لندن أو رئيسا لشركة مصر للطيران، كما ذكرنا فى المقال السابق، وراح صوته الداخلى يردد: هو طلبنى عشان يسألنى عن القوات الجوية ولا عشان يدينى درس فى التاريخ؟ وكان مبارك معجبا بثقافة السادات الموسوعية، فالرجل يحدثه باليوم والساعة عن أمور فى عهد الخديوى إسماعيل وتوفيق وعباس، وظل مبارك ينصت باهتمام، وينتظر اللحظة التى سينهى فيها السادات حديثه عن التاريخ وعن الشرعية، وبين اللحظة والأخرى يختلس النظر لساعته، فيجد أن عقاربها قد وصلت إلى الواحدة ظهرا، بينما كان وصوله إلى القناطر فى العاشرة صباحا، واسترسل السادات فى سرده التاريخى حتى يوليو ٥٢ حين سقطت الشرعية الملكية بإرادة الشعب فى ١٩٥٣، فرغم قيام الجيش فى ٥٢ بطرد فاروق إلا أن الملكية لم تسقط إلا باصطفاف الشعب إلى جانب الجيش فى معركته ضد الإقطاع والفساد، حتى أعلن عن قيام الجمهورية فى ٥٣، لتبدأ شرعية جديدة هى شرعية يوليو التى حكم بها عبد الناصر حتى وفاته فى سبتمبر ٧٠، صحيح أنه استمد شرعية أخرى بعد ذلك من الاستفتاءات التى أجريت على حكمه، لكن أساس شرعيته يعود إلى ثورة يوليو، ورغم اهتزازها فى ٦٧ إلا أن خروج الشعب فى ٩ و١٠ يونيو مطالبا إياه بالبقاء الذى أكسبه شرعية جديدة، وجئت أنا- والحديث لم يزل للسادات- لأستكمل شرعية يوليو، وأردت أن أضف لوجودى شرعية ثورية أخرى بمايو ٧١، ثم جاء نصر أكتوبر ليعطى شرعية جديدة للحاكم، ولتنتهى معه الشرعية الثورية، وسوف يظل نصر أكتوبر علامة فارقة فى تاريخنا لسنوات طويلة، وإذا كنت أنا أستمد منه شرعيتى الآن فالحاكم القادم بالضرورة سيفعل ذلك، ولاستقرار هذا الوطن يجب أن يكون الحاكم القادم هو أحد أبناء أكتوبر، ولذا فقد اخترتك لتكون نائبا للرئيس، أصيب مبارك بحالة من الوجوم والذهول، فلم يدر فى خلده لحظة أن كل هذه المقدمة التاريخية التى أصابته بالملل ستصل به فى النهاية إلى تلك النتيجة، وراح يستجمع قواه لينسج ردا مناسبا، فقال بالحرف الواحد: «يا فندم أنا جندى من جنود الوطن، والمكان اللى القيادة السياسية ترانى قادرا فيه على العطاء لابد أن ألبى فورا الطلب»..