لوبى الموظفين كان بمثابة جماعة الضغط الوحيدة التى عرفها النظام السياسى فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك وتحالف مع رجال الأعمال ليتمكن من نهب المال العام.
صحيح أنهم الفئة الأولى التى تدفع ما عليها من ضرائب، لأنها ببساطة تخصم من المنبع، لكنهم أيضًا من وضعوا أسس ونظريات علم الفساد، ولولا الموظف الفاسد لما كان هناك رجل الأعمال الهارب بقروضه أو المتربح من المال العام، أو المستولى على أرض دون وجه حق.
الخصخصة فى حد ذاتها إجراء اقتصادى سليم لكنها فشلت لأن الذى سعّر وباع شركات القطاع العام موظف، ولا فارق هنا بين وزير أو كاتب حسابات فجميعهم يعملون فى ذات المنظومة.
ويكفى أن عقلية وثقافة الموظف فرضت على دار الإفتاء المصرية فى يوم من الأيام إصدار فتوى تحلل دفع الرشوة لقضاء مصلحة وأخذ حق، ملقية الذنب واللائمة على المرتشى.
وهذا اللوبى أيضاً هو صاحب مقولة «على أد فلوسهم» التى كانت سبباً رئيسياً فى هدم شركات القطاع العام وتدهور مستوى الخدمات الأساسية سواء فى التعليم، أو الصحة أو حتى الكهرباء أو مياه الشرب.
لوبى الموظفين هو من أخر عملية التطور فى مصر بفعل شعاره الشهير «فوت علينا بكرة يا سيد»، وأظن أن معظمنا لا يزال يستمع إلى أنات الناس من البيروقراطية والرشوة فى البرنامج الإذاعى همسة عتاب.
وفى اللحظة التى أفاقت فيها المحروسة قررت إعادة هيكلة وإصلاح جهازها الإدارى عبر قانون الخدمة المدنية، انطلق لوبى الموظفين يدافع عن أوضاعه القديمة، ولجأوا لما تُعرف بالنقابات المستقلة المرتبطة بكيانات عمالية ممولة أمريكيًا وأوروبيًا، وبالطبع مُطعمة بعناصر من الاشتراكيين الثوريين الذين يجيدون لعبة نشر الأكاذيب والشائعات من قبيل أن قانون الخدمة المدنية يخاطب فئات المدرسين والأطباء رغم نفى الحكومة القاطع لهذه الأكذوبة، وأن القانون يعمل على تصفية الجهاز الإدارى ويساعد على التخلص من الموظفين بالفصل التعسفى أو الرفد؛ وهو ما يخالف مواد القانون التى نصت على إعطاء فرصة للموظف المُقصر خمس سنوات، يحصل خلالها على دورات تدريبية، ويتم نقله إلى قطاعات وإدارات أخرى فى حالة الفشل بعمله الأساسى، حتى يُمنح الفرصة الكاملة لتطوير مهاراته وتحسين أدائه، ولا يتم عرض ملفه على إدارة الموارد البشرية للنظر فى فصله، إلا بعد خمس سنوات من حصوله على تقارير ضعيفة.
الأمر يحتاج إلى ثورة حقيقية على الجهاز البيروقراطى والإدارى فى الحكومة، وليس من المتوقع أن ينجح موظف بيروقراطى فى إصلاح هذا الجهاز لذلك نحن نحتاج إلى آخرين يتولون عملية هيكلة وإصلاح الجهاز الإدارى من خلال تطبيق قانون الخدمة المدنية، لم يكونوا يوماً جزءا من الجهاز الإدارى، ولم يُلوثوا ببكتيريا البيروقراطية، وقادرين على التحرك بمرونة وسط حقل ألغام التشريعات المقننة للفساد الذى صاغته عقلية الموظف.
أتصور أننا بحاجة إلى إنشاء ما يشبه هيئة للإصلاح الإدارى وإعادة الهيكلة تضم فى تشكيلها خبراء وباحثين فى مجالات العلوم الإدارية؛ وهم كُثر فى أكاديمية السادات، بالإضافة إلى ضباط هيئة الرقابة الإدارية، ومستشارين بهيئة النيابة الإدارية لما يتمتعون به من خبرات، فى مراقبة ورصد ألاعيب الموظف الفاسد.
الموظفون فى مصر هم من ينبغى أن يدفعوا فاتورة الثورتين «٢٥ يناير و٣٠ يونيو»، وهم أنفسهم أول من يدرك هذه الحقيقة لذلك نظموا أول مظاهرة فئوية بعد تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك مباشرة يطالبون فيها بالخروج إلى المعاش المبكر وتوريث أبنائهم وظائفهم، لأنهم يعلمون تمامًا أن العدالة الاجتماعية والحرية بمعناها الحقيقى والكرامة الإنسانية لن تتحقق إلا بتخليص المجتمع من الثقافة التى رسخوها عبر ستين عامًا.