الأحد 27 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"رابعة" دبر خطة الحرب الأهلية في سيناريو أسوأ من "الحالة السورية"

فى ذكرى فض الميادين

اعتصام جماعة الإخوان...
اعتصام جماعة الإخوان... ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رسائل مرسى فى خطابه الأخير تكشف عن وجه الإرهابى المخضرم 
خيام الأسلحة واختطاف المواطنين وقتلهم دفعت المصريين للمطالبة بإنهاء الاعتصامات
الإخوان يربون أطفالهم على الانتقام لـ«ضحايا رابعة» طلبًا للمزيد من الدماء

لم يكن اعتصام جماعة الإخوان فى ميدانى «النهضة» و«رابعة العدوية» والذى تغير اسمه الآن إلى ميدان «الشهيد هشام بركات» سوى اعتصام مسلح، ومحاولة لفرض أمر واقع، هو إقامة دولة داخل الدولة، ومن ثم الدخول فى حرب أهلية تتبعها انشقاقات فى المؤسسة الأمنية، وتكرار سيناريو «سوريا»، لكن فى الحقيقة أن مثل هذا السيناريو الذى خطط له «الإخوان» كان سيتفوق على الكابوس السورى بمراحل.
كان الإخوان، داخل الاعتصام، يرفعون أعلام تنظيم القاعدة، وشعار الجماعة، ولم يرفعوا علم مصر، أرادوا فرض قانون الجماعة باحتلال الميادين، والسيطرة على الشوارع والدولة بالإرهاب والدم وإزهاق الأرواح، مثل «فتوة» نجيب محفوظ، الذى يقتل عددًا من أبناء الحارة حتى يخشاه الجميع، ومن هنا يستطيع السيطرة عليها، وفرض قانونه الخاص.
لذلك تحولت الساحات، خاصة فى «رابعة العدوية»، إلى أماكن لخطف وتعذيب وقتل المصريين، والمنصات لا تكف عن التحريض ضد الدولة وتكفير مواطنيها، وسب شهدائها.. كانت هيبة الدولة، وكرامة شعبها، على المحك.. وأمن وأمان مواطنيها فى مهب الريح. إذن، كانت كل الطرق تؤدى إلى الفض، بعد أن طالبتهم الدولة، والعقلاء، مرارًا وتكرارًا بأن يقوموا هم بذلك، حفاظًا على أرواح المعتصمين، الذين استغلهم الإخوان وجعل منهم رهائن، ولم يهتم أعضاء التنظيم ولم يحرصوا على حياة «الرهائن»، فتدخل الأمن كان يعنى منطقيًا سقوط ضحايا، لكنهم صموا آذانهم، كأنهم أرادوها مذبحة، ليحافظوا على فكرة المظلومية، التى يتكسبون منها ويأكلون بها «عيش».

بدأ اعتصام الإخوان فى ٢٨ يونيو ٢٠١٣، أى قبل ثورة ٣٠ يونيو بيومين، بعروض شبه عسكرية لميلشيات الإخوان، بالسيوف والأسلحة النارية، لبث الخوف والفزع فى نفوس المصريين، حتى لا يستجيبوا لدعوات الثورة، بعد أن حرضهم على ذلك الرئيس الإخوانى «محمد مرسى»، بشكل مستتر فى خطابه الأخير، وهو أمر فهمه جيدًا رجال الأمن، خاصة «الأمن الوطنى»، ممن عملوا فى ملفات التطرف والإسلاميين، وكذلك رجال الجيش فى خطابه الأخير، واتخذ الإخوان من كلمة «الشرعية» التى رددها «مرسى» كثيرًا، شعارًا لهم.
رسائل مرسى التحريضية 
وقال قيادى سابق فى جهاز أمن الدولة إن «محمد مرسى» وجه فى هذا الخطاب عدة رسائل للجماعات الإرهابية لا يفهمها غيرهم، وتعد إشارة لبدء العمليات الهجومية على مؤسسات الدولة ورجالها وعلى من ينحاز إلى الثورة المرتقبة فى ٣٠ يونيو، ولغته تؤكد أنه إرهابى «مخضرم»، تربى داخل التنظيم على القتل وإسالة الدماء، وهو مؤمن بذلك إيمانا كاملا، ليظهر الوجه الحقيقى له، ويتوارى «الوجه» الذى كان يسخر منه المصريون طوال عام من حكمه، بعد خطاب مرسى مباشرة، بدأ الاخوان فى الانتشار فى الشوارع بالأسلحة، وواجهوا المصريين بالقتل، وكانت أكثر المعارك عنفًا ودموية، فى هذا التوقيت، مع أهالى مناطق «بين السرايات» و«بولاق أبوالعلا» و«المنيل»، ووقع العديد من أبناء هذه الأحياء شهداء على يد الإخوان، وصورهم حتى الآن معلقة فى شوارعهم، كما بدأت عروض الميليشيات فى اعتصام «رابعة»، ونصبت الخيام، وبدأ المؤيدون فى التوافد على الاعتصام بدعوى الحفاظ على الشرعية.
الاعتصام من الداخل
استمر الاعتصام من ٢٨ يونيو حتى يوم الفض فى ١٤ أغسطس، وتابعنا جانبا مما كان يدور داخل اعتصامى النهضة ورابعة، على شاشات التليفزيون، خاصة القنوات الدينية، التى كانت تنقل بشكل مستمر وقائع الاعتصام، خاصة فى «رابعة» الذى كان يضم قيادات الجماعة ورموزها، وعلى رأسهم المرشد «محمد بديع»، وكانت تظهر فى بعض الأحيان لقطات للمعتصمين وهو يحملون الأسلحة والسيوف، وبث تحريض القيادات المستمر للمعتصمين، ودفعهم إلى الموت تحت دعوى «الدفاع عن الشرعية»، وإلى الانتقام من «الخارجين على الحكم الاسلامى»، فقد صور قيادات الجماعة للمعتصمين أن الدولة كافرة، والذين يدعون للثورة على مرسى كفار، وأنها بداية «حرب على الإسلام»، كما لم تخلو منصات الاعتصام من السخرية من الشهداء، فقد قال أحدهم ذات يوم «جيكا وميكا أى صايع يموت عندهم يقولوا عليه شهيد»، كان يتحدث عن الشهيد «جابر جيكا»، أول شهيد فى عهد الإخوان.
لكن ما ظهر على شاشات التليفزيون لم يكن سوى جانب صغير جدا من الحقيقة، لقد سرب عدد من المعتصمين أنفسهم أخبارا مفزعة، كما أن فض الاعتصام كشف عن جرائم، فخيام المعتصمين كانت عبارة عن مخازن للسلاح، الذى نقل إليهم فى كراتين مخصصة فى الأساس للأطعمة والسلع الغذائية، كما شهد الاعتصام تدريب العناصر القتالية والشباب على استخدام الأسلحة والمواجهات فى الشارع، وتم تشكيل مجلسين للشعب والشورى، لإتمام صورة وجود دولة داخل الدولة.
الخيام ذاتها تحولت إلى معتقلات، تضم كل من يعارض الإخوان من المواطنين، الذين قبض عليهم بصور غير واضحة تماما، فعناصر الإخوان كانت «تصاد» كل من تشك فى أنه مع ثورة ٣٠ يونيو، أو من تزعم أنه «جاسوس من قبل الأمن»، أو دخلوا الاعتصام من أجل السرقة، وهؤلاء كانوا يواجهون أشد أنواع التعذيب، بعضهم أقيم عليه «الحد»، ومن يقتل بسبب التعذيب تلقى جثته خارج الاعتصام، فى الشوارع المحيطة، ومن الأكاذيب أن يقف أحد قادة الاعتصام على المنصة صارخًا بأن الأمن يخطف المعتصمين ويقتلهم، أما السارقون فكانت تقطع أيديهم، مثل بائع الشاى الذى اشتبه فيه أحد المعتصمين بأنه سرق هاتفه المحمول، فقطعوا يده، وهى قصة كان يروج لها الإخوان على أنها دليل على أنهم يقيمون دولة الإسلام، والمدهش بعدها أنهم أعلنوا من على منصة الاعتصام أن «الموبايل» كان ضائعًا وأن صاحبه وجده فى خيمته.
وفى اعتصام «النهضة» أشارت الروايات إلى تحول حديقة الأورمان لمقبرة، فقد كان المعتصمون يعذبون «أسراهم»، ومعظمهم من منطقة بين السرايات، بعد أن يعلقونهم على أشجار الأورمان، الأشجار ذاتها لم تسلم منهم بعد اقتلعوا بعضها مما يعود تاريخها لمئات السنوات. 
الخطف واحتلال شقق السكان
فى هذه الأثناء زادت حوادث الاختفاء فى مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة، لنساء ورجال وشباب وأطفال، وسجلت محاضر الغياب فى مديرية أمن القاهرة ٩٦ محضر غياب، منذ بداية الاعتصام وحتى قبل الفض بأسبوع، وكل المختفين من سكان المناطق المحيطة بميدان رابعة، ليس هذا فقط فقد كان السكان يعثرون كل عدة أيام على جثث ملقاة فى مداخل العمارات أو على الأرصفة، كلها مشوهة تماما بسبب الضرب والتعذيب، ويتبين فيما بعد أن الجثة تخص أحد المبلغ عن اختفائهم، والذى كشف أن الإخوان وراء عمليات الخطف تلك أنهم أطلقوا سراح البعض، لكنهم يعانون من إصابات شديدة، وأكد بعضهم فى محاضر رسمية أن أشخاصًا ملتحين خطفوهم أثناء سيرهم فى شوارع قريبة من الميدان، ثم أدخلوهم الاعتصام، وحققوا معهم عن أسباب تواجدهم فى هذه الأماكن، وبطبيعة الحال فإن عمليات التعذيب كان تتم تحت اتهام بأنهم عملاء للأمن أو للإعلام.
ولعلنا نتذكر «المرأة» التى خرجت ليلًا من بيتها، تبحث عن صيدلية لشراء دواء لابنتها المريضة، واشتبه بها الإخوان وخطفوها، وغابت عن بيتها عدة أيام، وملأ زوجها الدنيا صراخا، وقد كانت لديه شكوك بأنها داخل الاعتصام، بسبب تكرار مثل هذه الوقائع بالمنطقة، بعدها عثر عليها السكان فى شارع وهى فى حالة إعياء تامة، ونقلت للمستشفى فى حالة خطيرة متأثرة بكدمات وجروح فى مختلف أجزاء جسدها، وبعد أن تحسنت حالتها روت تفاصيل الاختطاف والتعذيب. 
ومن أعمال البلطجة أيضًا أن عناصر الإخوان كانوا يطرقون شقق السكان، ويطلبون إدخال نسائهم إلى «الحمام»، ومن يرفض يقتحمون شقته، ويستخدمون الحمامات تحت تهديد السلاح، بخلاف حصول صاحب المنزل على «علقة ساخنة» لو تصدى لهم. 
كان أهالى المنطقة فى سجن كبير، طيلة الاعتصام الإخوانى، وبدأت الأمراض تضرب المنطقة، بسبب دورات المياه التى انتشرت فى كل مكان، والتى أقامها المعتصمون خارج الاعتصام، كانت الروائح الكريهة عنوانا للموقع. 
السكان الذين عانوا كثيرًا، كانوا شهودًا على دخول الأسلحة للاعتصام، والبعض منهم صور، من شرفات المنازل المطلة على الميدان، سيارات نصف نقل محملة بالأسلحة، تدخل الاعتصام، وهو مشهد كان يتكرر كل يومين تقريبًا، كما أنهم أكدوا على أن الاعتصام كان دمويًا، بمعنى الكلمة، وأزهقت فيه العديد من الأرواح، ومن بين الضحايا فقراء وأطفال الشوارع، الذين كانوا يذهبون إلى هناك بحثًا عن الطعام، فقد كان المعتصمون يذبحون الذبائح ويقيمون الولائم، إفطار وسحور فى شهر رمضان، الذى تزامن مع الاعتصام، وإذا شك أى من أنصار الجماعة فى أهداف هذا الفقير أو طفل الشوارع، لا يترك إلا جثة هامدة، وهو ما حدث مع بائع الترمس المتجول، الذى لم يكن يدخل الاعتصام إلا وقت الإفطار، لكنه قرر أن يبيع «الشاى» لهم حتى السحور، وحين دارت شكوك الإخوان حول أنه عميل للأمن، انهالوا عليه ضربًا حتى مات بين أيديهم.
الأمر ذاته لم يختلف كثيرًا مع سكان منطقتى «بين السريات» و«المنيل» الذين عانوا من الغارات شبه اليومية التى يشنها معتصمو «النهضة» عليهم، بخلاف تعرضهم للخطف، التى لم تكن بالكثرة التى حدثت فى «رابعة»، والسبب، كما فسر رجال الأمن، يعود إلى أن طبيعة السكان مختلفة، فأهالى المناطق المحيطة بالنهضة لهم طبيعة شعبية، ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم والتصدى لبلطجة الإخوان، وكانوا فى بعض الأحيان ينتصرون عليهم فى مواجهات الشوارع.
فى اعتصام «رابعة» خرج الإخوان فى غارات أيضًا، لكن لمهاجمة المؤسسات العسكرية مثل «الحرس الجمهورى»، و«وزارة الدفاع»، وكان هدفهم الأساسى وقوع ضحايا منهم، للمتاجرة بهم أمام العالم، وكان الهدف «المعلن»، الذى يحركون به أنصارهم لمهاجمة المواقع العسكرية هو تحرير «مرسى»، وإعادته للحكم.
ومع كل هذه المخاطر واتساع دائرة تهديد أمن المواطنين، بدأ المصريون فى مطالبة الدولة بفض الاعتصام، وبات ضروريًا فض الاعتصام بالقوة، بعد أن فشلت كل محاولات التفاوض لإنهائه بطريقة سلمية، وكان طبيعيًا أن يقع ضحايا، فى فض الاعتصام المسلح، وتاريخ الجماعة يؤكد أن هدفهم سقوط ضحايا لاستثمار الأمر سياسيًا، ووفق شهود عيان فإن الرصاصة الأولى خرجت من الاعتصام، بعد بدء عمليات الفض بساعتين، اخترقت صدر مجند أمن مركزى واستشهد فى الحال، ومن هنا بدأت القوات فى الدفاع عن نفسها وردت بإطلاق النيران، وأيًا كانت الروايات حول من بدأ «الضرب» فإن الإخوان بتعنتهم وإصرارهم على البقاء وإقامة حرب أهلية هم السبب الرئيسى الذى قاد الجميع إلى هذا اليوم، الذى تلاه انتقام إخوانى فى كل ربوع مصر، بعمليات إرهابية من بينها مذبحة قسم كرداسة البشعة، وحرق ٧٠ كنيسة، وقتل عدد كبير من رجال الشرطة فى الصعيد، خاصة فى المنيا وأسيوط والفيوم والتمثيل بجثثهم. ودفعت مصر كلها الثمن، لكن الإخوان يريدون المزيد، هم الآن يربون أطفالهم على الانتقام لـ«ضحايا رابعة»، هم لم يكتفوا بالدماء التى سالت، بل ينتظرون المزيد منها.