السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لماذا لا يبكى أحد على مذبحة كرداسة وحرق الكنائس؟

محمد الباز
محمد الباز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذا مجتمع يعانى من سوءات بلا حصر، ما يهمنى منها هنا أنه لا يريد أن يتحمل أي مسئولية عن أفعال هو شريك فيها، يريد أن يظل طاهرًا ونقيًّا أمام نفسه، حتى لو كان عكس ذلك تمامًا. 
في 13 أغسطس 2013 كنّا جميعًا أمام اختبار حقيقى، جماعة قررت أن تضحى بأكبر عدد ممن ينتمون إليها أو يتعاطفون معها، في محاولة لتصنيع مظلومية كربلائية جديدة، يضعونها في وجهنا ووجه العالم، ليطالبوا بحقهم المزعوم في حكم بلد ثار شعبه ضدها، ونظام بذل محاولات كثيرة أغلبها حقيقى وصادق في فض اعتصام سلمى دون دماء، وهى محاولات توسط فيها كثيرون، ورفضها -جميعا- قادة الجماعة، بحثًا عن أكبر عدد من الجثث، وشعب يلح على فض الاعتصام بأى طريقة، وتحول كثيرون منّا إلى محرضين على الفض وداعمين له ومشرّعين لطريقته دينيًّا وقانونيًّا. 
تم فض الاعتصام أمامنا جميعا، جمعيات حقوقية ذهبت إلى تأييد ما قاله النظام من أن العملية تمت طبقا للمعايير الدولية، وزايدت جمعيات أخرى مدفوعة وممولة إلى أن عنفا مفرطًا مارسته قوات الفض، مخلّفة وراءها آلاف القتلى، رغم أن العدد الرسمى الذي أعلن كان 600 قتيل، ولم تستطع جماعة الإخوان إلا توثيق 800 حالة فقط، وجهزوا بهم قوائم معلنة ليست خافية على أحد. 
لن أتوقف طويلا أمام طرفى الصراع «الإخوان - النظام»، فكل منهما كانت له أسبابه ودوافعه التي تجعله يأخذ الموقف الذي أبداه، ولم يكن لأى منهما أن يفعل إلا ما فعل، ولا يمكن أن نلومهما، لكننى سأتوقف قليلا مع الطرف الثالث وهو الشعب نحن، الذين نقف على تخوم ما حدث. 
لن أتحدث عن الذين يحددون موقفهم بدقة، فمن بيننا من يدين ما جرى تماما، ومنا من يرى أنه حق مطلق للنظام، لكنى سأقف مع من يحاولون إمساك العصا من المنتصف، الذين رقصوا على السلم، يعلنون أنهم كانوا مع الفض، لكن ليس بهذه الطريقة، يبكون الدماء التي سالت، لكنهم يحمّلون الإخوان الجزء الأكبر من المسئولية، هؤلاء يحاولون غسل أيديهم من مسئولية ما جرى، يريدون أن يرضوا ضمائرهم المتعبة، ويسكّنوا قلوبهم القلقة، فرحوا بالفض، لكنهم كانوا يتمنون ألا تراق كل هذه الدماء، يتطهرون على حساب الآخرين، دون أدنى محاولة منهم أن يعلنوا موقفًا واضحًا، ففى الظروف الشديدة التي نعيشها، لا تصلح المواقف الرمادية، فهى ليست مواقف الرجال أبدا. 
كان مستفزًا جدًّا ما سجله كثيرون على أنها شهادات على الفض، كل عابر سبيل رأى ولو مشهدًا واحدًا من المشاهد التي جرت في هذا اليوم، يكتب منتحبًا، ويروى باكيًا، ويسرد لاعنًا، يحاول أن ينظف ثوبه من الدماء التي يعتقد أنها لحقت به، راميًا الآخرين بالمسئولية، رغم أننا جميعًا مسئولون عما جرى، حتى لو كان بعضنا صامتًا لا يدلى برأى ولا يسجل موقفًا.
الأكثر استفزازًا من ذلك كله، أن هؤلاء الذين يبكون ما جرى في رابعة، يتجاهلون تمامًا ما جرى في اعتصام النهضة، فلم تقع هناك ضحايا، لأن المعتصمين استجابوا لنداءات الإخلاء ولم يعاندوا، على عكس ما جرى في رابعة، ويتجاهلون كذلك رد الفعل العنيف الذي قام به الإخوان وأنصارهم.
لقد رأيت بكاء متواصلا على ما حدث في رابعة، ولم أر دمعة واحدة على مجزرة قسم كرداسة، وهى المجزرة البشعة، فقد كان ما جرى في رابعة عملا يقف وراءه نظام يسعى إلى استقرار دولة، أما ما جرى في كرداسة فقد نفّذته عصابة، خططت ونفذت القتل وشوهت الجثث وانتقمت بوحشية وهمجية، وسقت العطشى ماء نار، في تجرد كامل من أي إنسانية، لم يبك أحد على الكنائس التي احترقت، لم يتعاملوا معها على أنها بيوت يذكر فيها اسم الله، التفوا فقط إلى حرق مسجد رابعة، دون أن يهتموا أن أماكن صلاة كثيرة هدمت وخربت واشتعلت فيها النار، في محاولة لصنع فتنة. 
إننا نعانى من خلل في المعايير، نعانى من أزمة نفسيّة حادة، فليس مهمًّا ما يجرى على الأرض، بقدر ما يهمنا أن نريح ضمائرنا وقلوبنا، حتى لو كنا الكاذبين ونعرف أننا كاذبون، وهذه هي أزمتنا الكبرى، أو لنكن أكثر صراحة.. هذا هو عارنا الأكبر.
هؤلاء الذين يبكون ما جرى في رابعة، يتجاهلون تمامًا ما جرى في اعتصام النهضة، فلم يقع هناك ضحايا، لأن المعتصمين استجابوا لنداءات الإخلاء ولم يعاندوا.