ونمضى مع صلاح زكى فى كتابه «قادة الفكر العربى عصر الليبرالية العربية- ١٩٠٠-١٩٥٢»، وقد كتب صلاح فى هذا الكتاب عن مفكرين مستنيرين عديدين، لكنه كان ينقب فى ثنايا ما يقولون عن الجذور، وحتى النوازع القومية العربية، وتكمن هذه النوازع فى صراع حثيث ونضالى ضد الخلافة العثمانية وضد وهم الخلافة ذاته. ونستأذن القارئ فى أن نمضى سراعا مع المؤلف.. فعبد الحميد الزهراوى واحد من العروبيين التقدميين الذين أعدمهم جمال باشا السفاح العثمانى فى ١٩١٦.. ونقرأ لنعرف لماذا أعدم؟ «إذا كان لابد من رابطة عثمانية فلتكن اتحادا للشعوب وللقوميات ومنها العربية على أساس من العدل والاحترام المتبادل والمشاركة فى الحقوق السياسية»، وهو يرفض أن يكون الاتحاد على أساس تحكم الترك، «فلا يمكن أن يتنازل العربى عن عروبته من أجل الاتحاد، بل إن الذى يستطيع أن ينسى قوميته لا يمكن أن يؤتمن على الوطن ولذا لا يجوز أن يساء الظن بمن يريد خدمة لغته وترقية قومه. إن من الطبيعى أن يدعو المرء قومه إلى التزيد من المجد، ولا يقبل من أحد أن ينكر ذلك، وطبيعى بعد هذا أن ينكر التمييز على أساس اللسان حين لا تقبل الحكومة من لا يعرف الحديث بالتركية» (ص٣٥). وكان عبدالحميد الزهراوى ممثلا لجيل من الشباب الشوام الذين كانوا كلما صارعوا الظلم العثمانى جابهتهم جماعة أنصار وهم الخلافة بأنه لا إسلام بلا خلافة، وأن المسلم مأمور بدعم الخلافة وإلا كان آثما فلم يجدوا مخرجا إلا هذه الدعوة لما سموه «اتحاد» للشعوب والقوميات، وبالفعل اتفق الزهراوى ورفيق العظم على تأسيس «حزب اللامركزية الإدارية».
وفى نفس الوقت، كان وزملاؤه يضعون قاعدة حقوق المواطنة المتكافئة ويقول الزهراوى إن ثمة قاعدة تستحق الفخر وهى «أن لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما عن إصرار البعض أن تتدين الدولة بدين الإسلام فإنه لا ينبغى أن يكون حائلا بين الجماعات الصغيرة التى تدين بدين آخر وبين شعور الانتماء والإخلاص والعمل للأمة والوطن». وأكد «أن اختلاف الدين قديم وقائم لكنه يجب ألا يكون حائلا دون تعاون المختلفين فيما لهم فائدة مشتركة» (ص٣٧)، وفى مؤتمر عقده الزهراوى وزملاؤه فى باريس ١٩١٣ طالب الزهراوى بإصلاح اجتماعى وسياسى وإدارة لا مركزية تمثل روح العصر وقال : «إن وجود الأمة السياسى والاجتماعى بين مجاميع الانسان الحية متوقف على شكل الحكومة. أن أفضل شكل من أشكال الحكومات هو الدستورى، وأفضل أشكال الدستورى هو اللامركزية خصوصا فى الدول التى تعددت فيها الفروق والمذاهب واللغات واختلفت فيها العادات والتقاليد والأخلاق» (ص٣٨). وبرغم هذه المطالب الهادئة أعدم الزهراوي. ونأتى سريعا أيضا إلى مفكر سورى آخر هو رفيق العظم الذى أعلن صراحة أن ما يسمى بالرابطة الإسلامية لا أصل له فى التاريخ بل هى ابتكار سياسى وهويدعو للوحدة الوطنية التى يقول إنها «رابطة قومية يمكن أن توحد العرب بغض النظر عن أديانهم، فالوطن للجميع مهما اختلفت الأديان»، ويقول «إن العالم يتجه إلى الديمقراطية وهذا يجعل حياة الأمم السياسية بمعزل عن الاعتقادات» بحيث لا يكون تباين اعتقادى فى شعب واحد مانعا من توثيق عرى القومية، فلابد من تعاون الجميع فى نطاق القومية وتوثيق وشائج الوفاق الوطنى لتحقيق الديمقراطية» (ص٤٧) ويقول إنه تقابل مع أحد زعماء اليهود الذى سأله عن موقف العظم ورفاقه وحزبه من اليهود «فأفهمناه أننا جماعة مبدؤنا الديمقراطية، وعندنا أن كل أبناء الوطن السورى سواء فى الحقوق والواجبات، وأن اليهود إذا تجنسوا بالجنسية الوطنية كانوا كغيرهم من أبناء هذا الوطن على شرط أن تحدد الهجرة الصهيونية إلى البلاد» (ص٤٨).
ثم يأتى صلاح زكى إلى المفكر المصرى إسماعيل مظهر ويقرأ له مقالا فى المقتطف يدعو «إلى نقض العقلية الغيبية المخلوطة بشيء من العلم التى تميزت بها الحضارة الإسلامية وأحياها الافغانى وإلى إحلال العقلية العلمية الأوربية محلها دون تقرب أو توفيق وذلك بأسلوب الصدام والمواجهة بين العقليتين، العقلية المضمحلة والعقلية الصاعدة»، ويقول «إننى أتوقع، وعسى أن يكون ذلك قريبا، أن الخطوة التى خطوناها فى سبيل الخروج من ظلمات الأسلوب الغيبى إلى وضوح الأسلوب اليقينى سوف تقودنا سعيا إلى ميدان يتصادم فيه الأسلوبان تصادما يثير فى جو الفكر معارك يكشف غبارها عن الأسلوب الغيبى، وقد تحطمت جوانبه واندكت قوائمه وتترك الأسلوب اليقينى غائما بهامه الجبار القوى الأصلاب مشرفا على الشرق وقد هب من رقاد القرون ليسير فى الدروب التى مهدت سبله للأنام نواميس النشوء والارتقاء»، ولا يفوت صلاح زكى القومى المفكر الهادئ النزعة أن يعلق على كلمات إسماعيل مظهر هذه قائلا إنها «دعوة نلمح من وراء سطورها تجاوز المألوف، والمستقر فى فكرنا العربى وهى تحمل دعوة وروح يعقوب صروف (صاحب المقتطف) ومنزعه العلمى الخالص، فقد كان من أبناء الحركة العقلانية التى نزع أصحابها نحو الاحتكام إلى المنطق قبل أى شيء آخر. ويبقى أن إسماعيل مظهر لم يلبث بعد معركة أو أثنتين أن تراجع إلى فكر قومى إسلامى النزعة.
وفى نفس الوقت، كان وزملاؤه يضعون قاعدة حقوق المواطنة المتكافئة ويقول الزهراوى إن ثمة قاعدة تستحق الفخر وهى «أن لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما عن إصرار البعض أن تتدين الدولة بدين الإسلام فإنه لا ينبغى أن يكون حائلا بين الجماعات الصغيرة التى تدين بدين آخر وبين شعور الانتماء والإخلاص والعمل للأمة والوطن». وأكد «أن اختلاف الدين قديم وقائم لكنه يجب ألا يكون حائلا دون تعاون المختلفين فيما لهم فائدة مشتركة» (ص٣٧)، وفى مؤتمر عقده الزهراوى وزملاؤه فى باريس ١٩١٣ طالب الزهراوى بإصلاح اجتماعى وسياسى وإدارة لا مركزية تمثل روح العصر وقال : «إن وجود الأمة السياسى والاجتماعى بين مجاميع الانسان الحية متوقف على شكل الحكومة. أن أفضل شكل من أشكال الحكومات هو الدستورى، وأفضل أشكال الدستورى هو اللامركزية خصوصا فى الدول التى تعددت فيها الفروق والمذاهب واللغات واختلفت فيها العادات والتقاليد والأخلاق» (ص٣٨). وبرغم هذه المطالب الهادئة أعدم الزهراوي. ونأتى سريعا أيضا إلى مفكر سورى آخر هو رفيق العظم الذى أعلن صراحة أن ما يسمى بالرابطة الإسلامية لا أصل له فى التاريخ بل هى ابتكار سياسى وهويدعو للوحدة الوطنية التى يقول إنها «رابطة قومية يمكن أن توحد العرب بغض النظر عن أديانهم، فالوطن للجميع مهما اختلفت الأديان»، ويقول «إن العالم يتجه إلى الديمقراطية وهذا يجعل حياة الأمم السياسية بمعزل عن الاعتقادات» بحيث لا يكون تباين اعتقادى فى شعب واحد مانعا من توثيق عرى القومية، فلابد من تعاون الجميع فى نطاق القومية وتوثيق وشائج الوفاق الوطنى لتحقيق الديمقراطية» (ص٤٧) ويقول إنه تقابل مع أحد زعماء اليهود الذى سأله عن موقف العظم ورفاقه وحزبه من اليهود «فأفهمناه أننا جماعة مبدؤنا الديمقراطية، وعندنا أن كل أبناء الوطن السورى سواء فى الحقوق والواجبات، وأن اليهود إذا تجنسوا بالجنسية الوطنية كانوا كغيرهم من أبناء هذا الوطن على شرط أن تحدد الهجرة الصهيونية إلى البلاد» (ص٤٨).
ثم يأتى صلاح زكى إلى المفكر المصرى إسماعيل مظهر ويقرأ له مقالا فى المقتطف يدعو «إلى نقض العقلية الغيبية المخلوطة بشيء من العلم التى تميزت بها الحضارة الإسلامية وأحياها الافغانى وإلى إحلال العقلية العلمية الأوربية محلها دون تقرب أو توفيق وذلك بأسلوب الصدام والمواجهة بين العقليتين، العقلية المضمحلة والعقلية الصاعدة»، ويقول «إننى أتوقع، وعسى أن يكون ذلك قريبا، أن الخطوة التى خطوناها فى سبيل الخروج من ظلمات الأسلوب الغيبى إلى وضوح الأسلوب اليقينى سوف تقودنا سعيا إلى ميدان يتصادم فيه الأسلوبان تصادما يثير فى جو الفكر معارك يكشف غبارها عن الأسلوب الغيبى، وقد تحطمت جوانبه واندكت قوائمه وتترك الأسلوب اليقينى غائما بهامه الجبار القوى الأصلاب مشرفا على الشرق وقد هب من رقاد القرون ليسير فى الدروب التى مهدت سبله للأنام نواميس النشوء والارتقاء»، ولا يفوت صلاح زكى القومى المفكر الهادئ النزعة أن يعلق على كلمات إسماعيل مظهر هذه قائلا إنها «دعوة نلمح من وراء سطورها تجاوز المألوف، والمستقر فى فكرنا العربى وهى تحمل دعوة وروح يعقوب صروف (صاحب المقتطف) ومنزعه العلمى الخالص، فقد كان من أبناء الحركة العقلانية التى نزع أصحابها نحو الاحتكام إلى المنطق قبل أى شيء آخر. ويبقى أن إسماعيل مظهر لم يلبث بعد معركة أو أثنتين أن تراجع إلى فكر قومى إسلامى النزعة.