وعملت أمى بمؤسسة روز اليوسف وعادت مرة بدون المجلة فغضبت منها بشدة جعلتها تصفعنى للمرة الثانية والأخيرة، وكى تصالحنى اقترحت أن أكتب قصة قصيرة لتنشرها لى بالمجلة فسكت فورا وبدأت الكتابة، ولكنها كانت تساعدنى عندما أتوقف، ونشرت القصة بمجلة صباح الخير على نصف عامود فى باب عنوانه (قصه من قارئ)، ونشرت فى شهر يوليو (الحذاء الجديد) تحكى عن تلميذ مأزوم بسبب فقره. ثم أخبرتنى أمى أن وزارة التربية والتعليم خصصت مسابقة لأحسن مقال عن الأم فكتبته وبعدها عرفت منها أن مقالى فاز بالجائزة لكن المشرفين رفضوا أن يكون الفائز اسمه لينين. وكنت قد نسيت الأمر ولم أتضايق.
وفى مدرسة قصر الدوبارة الإعدادية بدأت عمل مجلات حائط مع أولاد عمى ومن السنة الأولى اصطدمت بأول رقيب فى حياتى!
ودخلنا ثلاثتنا مدرسة قصر الدوبارة الإعدادية والتحقنا بجماعة الصحافة المدرسية وحررنا معا جريدة حائط باسم (المعركة) فقد كنا فى مارس ٥٧. ثم أصبحت أصدرها وحدى. وقرب نهاية العام أصدرت جماعة الصحافة مجلة مطبوعة ولم يطلب منا مدرس اللغة العربية الأستاذ عبد العزيز تمراز أن نكتب فيها مكتفيا بطلبة السنة الثالثة والرابعة فشعرت بالغيظ وحررت مجلة حائط باسم (السلام) أنتقد فيها المجلة والمشرف عليها، وحصلت مجلتى على جائزة أحسن مجلة فاستدعانى الرجل لمكتبه وأخذ يستجوبنى على طريقة البوليس السياسى وهددنى إن كررت ذلك!. وردا على ذلك قررت وأولاد عمى أن نصدر فى الصيف مجلة مطبوعة وأسميناها
(الأحرار). اقترح ستالين أن ننشر بالمجلة مقالا ضد الشيوعية. وسألته عن السبب فقال حتى لا يتهمونا بالشيوعية!. لم يعجبنى مبرره لأن أبى وأمى يؤمنان بالاشتراكية وكنت متعاطفا معهما فرفضت نصيحته ونشب بيننا الخلاف فهددت بتقديم استقالتي! وبعد جدل كثير تراجعت وقلت إذا كان لا بد من المقال فليوقعه باسمه لا باسم المجلة فتراجع هو بدوره، ثم أصبحت أنا الرقيب عندما اعترضت على صفحة بختك هذا الأسبوع التى نقلها من إحدى المجلات وعلى مقال آخر بعنوان (كيف تحوزين إعجاب الرجال) فقد كنت أعى أننا فى سن المراهقة ولا يعقل أن نكون الخبراء فى هذا المجال (مع أنى كنت غارقا فى الحب مع بنت الجيران!) ثم تراجعت بدورى واكتفيت بإعلان رأيي! واقترح ستالين أن يتصدر غلاف المجلة صورة لعبد الناصر مع تهنئة له (بعيد الثورة الخامس) ثم صورة فى الصفحة الثالثة مع كلمة إشادة به. كنت مثل كل جيلى تفتح وعيه عليه كزعيم للأمة العربية وبلدان العالم الثالث كما كانت صحافتنا ومدارسنا وإذاعاتنا تروج له.
كان ثلاثتنا رؤساء للتحرير ولكن ما كان يهمنى أن أكون كاتبا وفى الوقت نفسه مقتنعا بسياسة المجلة. فكتبت قصة باسم (الأسود) تهاجم التفرقة العنصرية ضد السود فى أمريكا وفى صفحة مقالا بعنوان (بالدماء لا بالدولارات) تنتقد بشدة سياسة أمريكا ضدنا وضد الشعوب.
ثم أفقنا على حقيقة أنه ينقصنا المال! فاقترح ستالين أن نطبع أولا إيصالات لقبض الثمن مقدما من أهلنا ومعارفنا ومن لا نعرفهم أيضا ولكنى لم أشارك فى هذا بسبب خجلى. وبعد عناء طبعنا المجلة فى مطبعة صغيرة اسمها بظاظا فى آخر شارع نوبار وبطريق جمع الحروف القديمة ورحنا نوزعها على معارفنا وعلى الغرباء. واستلمنا باقى الأعداد ثم هربنا ولم ندفع الباقى، ولكن بالرغم من أننا لم نوزع المجلة لموزعى الصحف فإن البعض وقعت فى يده نسخ منها. فقد كتبنا بالمجلة رؤساء التحرير ستالين لينين مولوتوف وكتبنا عنوان مكتب أبى وتليفونه.
وسرعان ما جاء أحدهم للمكتب وكنت فيه وحدى وسأل عن أبى ثم فرد ما كان يمسك به مطويا فإذا به مجلة الأحرار، وانهال على بالأسئلة وعمن يكون رؤساء التحرير ولما قلت إنى أحدهم كتم الرجل ضحكته وهو يتوثق مما أقول وانصرف لحين مقابلة أبى الذى لم يكن يعلم بمجلتنا، بدأت أفهم أننى كنت أواجه رقيبا حقيقيا من رجال المباحث العامة وأدركت عندئذ أن نصيحة ستالين بمهاجمة الشيوعية لدرء اتهامنا بها كان لها ما يبررها. أما الرقيب الثالث فكان هو أبى نفسه!