لا شك أن إيران وتركيا لهما السطوة الجيوسياسية على الدول العربية الشرق أوسطية، وأن علاقات كل من القوتين تتأثر بالسلب أو بالإيجاب على ما يحدث من تغير فى استراتيجية ومخططات أي من الدولتين، وتاريخيا ظل المستقيل النووى لكل من الدولتين يلقى بظلاله على الجانب الآخر، من المعروف تاريخيا أن تركيا ارتبطت بحلف الناتو باتفاقيات عسكرية سمحت بزرع ما يقرب من أربعين إلى خمسين رأسا نوويا فى القواعد العسكرية فى تركيا التابعة لحلف الناتو، وبالطبع فالجانب التركى لم يكن لديه مخاوف من أى عدوان إيرانى سواء نووى أو بالأسلحة التقليدية، لأن مثل هذا العدوان سيعتبر عدونا على الناتو والاتحاد الأوروبى، وهذا ما يفسر رفض تركيا دخول منطقة الشرق الأوسط سباق حلبة التسلح النووى، وتطالب بمشاريع دولية تحد من هذا السباق، بشرط أن تشمل هذه المشاريع دولة إسرائيل، وعندما أعلن عن (الاتفاق النووى) ما بين إيران ودول «٥+١» فى الشهر الماضى رحبت تركيا وباركت بتوقيع الاتفاق، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية التركى جاويش أغلو بالاتفاق فى إطاره الأولى، مؤكدا أن عملية تخصيب اليورانيوم داخل إيران يجب أن تقتصر على الأغراض السلمية وعلى ضرورة الرقابة الدولية الدقيقة، وبالفعل جاءت بنود الاتفاق النهائى تدعم وجهة النظر التركية، حيث تطمح تركيا فى دعم وزيادة قوتها الصناعية النووية لتوليد الكهرباء والطاقة لسد العجز الشديد من احتياجاتها من البترول والغاز الطبيعى، فتضطر للاستيراد من الخارج، خاصة من إيران وروسيا، مما يكلفها حوالى ٦٠ مليار دولار فاتورة الطاقة سنويا، لذلك تسعى تركيا للاستفادة من بنود الاتفاق النووى الذى يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بالداخل فى تطوير مشاريعها النووية السلمية الخاصة بإنتاج الطاقة، وبهذا يعترف الاتفاق ضمنيا بحق كل دولة عربية وإسلامية فى المنطقة لتدشين برنامجها النووى السلمى الخاص بها، مما يدعم مشاريع تركيا ببناء العديد من المفاعلات النووية بالتعاون مع شركات روسية ويابانية فى مجال الإنتاج السلمى للطاقة، حيث تقوم الآن بمشروع نووى سلمى بجنوب تركيا (أكوى) يهدف إلى بناء أربعة مفاعلات نووية بمدينة مارسين بتكلفة حوالى ٢٠ مليار دولار، وبقدرة ١٢٠٠ ميغاوات للمفاعل النووى الواحد، علما بأنه قد تم توقيع اتفاق مع الحكومة اليابانية يتضمن بندا يركز على عملية تخصيب اليورانيوم واستخراج البلوتونيوم، كما تم توقيع اتفاق مع روسيا ببناء مفاعلين نوويين فى جنوب شرق تركيا، وعلى هذا، نؤكد أن تركيا تبارك الاتفاق النووى لشرعنة تطوير مشاريعها النووية، بالإضافة إلى ما ستجنيه من نتائج إيجابية على خلفية رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وتاريخيا فإن تركيا كانت من أشد الدول دعما لإيران فى مرحلة الحصار والعقوبات الاقتصادية، فى محاولة أن تتجاوز إيران مشاكلها الداخلية بتأمين لوازمها الاقتصادية الضرورية عن طريق التبادل التجارى بين البلدين، ففى عام ٢٠٠٦ أعلنت تركيا رفضها للعقوبات المفروضة على إيران، كما قامت بالتوسط بين إيران والغرب وإطلاق عملية تفاوضية بالتعاون مع البرازيل لحل الأزمة الإيرانية، أما أبرز المواقف التركية، فكان فى ٢٠١٠ عندما أعلنت تركيا تحديها للعقوبات الأمريكية الأوروبية، وقامت بالتصويت ضد قرار فرض عقوبات على طهران، وكانت تركيا وقتها عضوا فى مجلس الأمن، وبالنسبة لتركيا يظل الجانب الاقتصادى وحجم التبادل التجارى هما الأهم، حيث أدى تشديد العقوبات على إيران خاصة منذ عام ٢٠١٢ إلى تراجع حجم التبادل التجارى بين طهران وأنقرة من ٢٢ مليار دولار عام ٢٠١٢ إلى ١٣.٧ مليار دولار عام ٢٠١٤، وتراجعت الصادرات التركية من ١٠ مليارات دولار إلي ٤ مليارات دولار بخسارة ٦ مليارات دولار سنويا، وتأمل تركيا بعد توقيع الاتفاق ورفع العقوبات إلى مضاعفة حجم التبادل التجارى بين البلدين من ١٤ مليار دولار إلى ٣٠ مليار دولار سنويا، وهذا ما نص عليه الاجتماع الثنائى للجنة الاستراتيجية العليا فى طهران خلال زيارة أردوغان فى شهر إبريل الماضى، وفى مجال الطاقة لاشك بأن رفع العقوبات عن إيران سيسمح لها بتصدير المزيد من البترول والغاز الطبيعى، وبما أن تركيا تعتمد على الغاز الإيرانى تستطيع الحصول على احتياجاتها بما يتناسب مع طموحاتها التنموية وبأسعار أرخص من السوق العالمية، حسب ما ينص عليه الاتفاق بين البلدين، وقد عرض أردوغان خلال زيارته الأخيرة على مضاعفة حصة تركيا من الغاز المستورد فى حالة تخفيض السعر، وقد تلجأ إيران إلى تخفيض السعر بنسبة ١٦٪، كما سيسمح الانفتاح الاقتصادى للشركات التركية التى تعمل فى مجالات الاستيراد والتصدير (حوالى ١٠٠ شركة) والمقاولات التى نفذت استثمارات بحوالى ٥٣٠ مليون دولار، إذن تركيا ستجنى الكثير من ثمار الاتفاق النووى من الناحية الاقتصادية، ومن جانب النفوذ السياسى فى المنطقة والصراع بين طهران وأنقرة للهيمنة على ريادة المنطقة كل على طريقه، مبدئيا فإن الاتفاق النووى لم يتضمن بنوده من قريب أو بعيد على سلوك إيران بالمنطقة، خاصة فى مناطق الصراع (سوريا - العراق - اليمن - لبنان - وحتى إسرائيل)، وهذا ما أثار غضب معظم الدول العربية، خاصة دول الخليج، وهو ما يفسر زيارة وزير الخارجية الأمريكى الأخيرة فى محاولة لطمأنته مع التأكيد على أن أمريكا لن تسمح لإيران بالتلاعب بالمنطقة، ومن جانبها فأن تركيا تصطف مع دول الخليج فى مواجهة التمدد الإيراني، خاصة أن العقيدة الإيرانية وهو مبدأ ولاية الفقيه ستعمل على إثارة ودفع المسلمين الشيعة فى معظم بلدان الخليج إلى التحرك لصالح إيران، خاصة أن الأخيرة بيضت وجهها دوليا بتوقيع الاتفاق مع الغرب، وأنهت حالة الصراع سلميا، وأكثر المخاوف التركية من نتائج الاتفاق هو تطور القدرات العسكرية الإيرانية وبسط نفوذها على المنطقة، ودائما ما تتهم تركيا إيران بإثارة القلائل بالمنطقة، وبدعم الأكراد وحزب العمال الكردستانى فى صراعه الدائم مع النظام التركى، وترى تركيا أن إيران تدعمهم بمليشيات من فيالق القدس، وتعمل على دفع الأكراد للمطالبة بإقامة حكم ذاتى على أراضى «تركية / عراقية / سورية»، وأكثر ما يقلق تركيا الدعم الإيرانى المطلق لنظام بشار الأسد، فترى كيف ستدير تركيا علاقتها مع إيران بين الطموحات والمخاوف المستقبلية.
آراء حرة
مخاوف وطموحات تركيا بعد الاتفاق النووي الإيراني
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق